| 15 مايو 2024 م

أراء و أفكار

لماذا يُستهدف المدنيون فى باكستان؟

  • | الأحد, 21 مايو, 2017
لماذا يُستهدف المدنيون فى باكستان؟

تُعد باكستان واحدة من أكثر الدول تضرراً بسبب الإرهاب، فقد احتلت المركز الرابع فى قائمة الدول الأكثر تضرراً من الإرهاب وزبانيته حسب إحدى الدراسات التى نشرت نهاية 2016، ولعل موقعها وطبيعتها الجغرافية من العوامل التى ساهمت فى جعلها أرضاً خصبة لوجود ونمو مثل تلك الجماعات الإجرامية، التى لم يسلم من شرورهم مسلم سنى ولا شيعى ولا صوفى، ولم يسلم من أذاهم مسيحى ولا هندوسى ولا أحمدى، لا فرق عندهم بين طفل وكهل ولا رجل وامرأة، لقد استحلوا دماء الجميع، فالكل سواسية قتلهم فرض عين طالما لم يعلنوا الولاء لأفكارهم المنحرفة، ولم يعتنقوا نهجهم العاطب الذى لا يمت للإسلام بصلة.

ونجد أن التعداد السكانى والقائمين عليه فى باكستان هما آخر وأحدث ضحايا أعداء الإنسانية، حيث تقوم باكستان حالياً بإجراء أول تعداد سكانى لها منذ عام 1998، وقد لاحظنا أن المسئولين عن هذه العملية تعرضوا للعديد من الاستهدافات، أبرزها اختطاف ثلاثة معلمين باكستانيين أثناء عودتهم إلى منازلهم بعد تلقيهم للتدريبات الخاصة بكيفية إعداد وإجراء التعداد السكانى، وفى الخامس من أبريل الماضى قتل 6 أشخاص بينهم 4 من ضباط الجيش وأصيب ما لا يقل عن 22 شخصاً فى الانفجار الذى وقع بمدينة لاهور عاصمة إقليم البنجاب الباكستانى، فى التفجير الانتحارى الذى استهدف السيارة الخاصة بفريق العمل الخاص بإحصاء التعداد السكانى بالقرب من منطقة مانوالا تشوك.

وفى نهاية أبريل قتل ما لا يقل عن 10 أشخاص بينهم 4 أطفال وخمس نساء، وإصابة 8 بينهم عضوان من أعضاء فريق التعداد السكانى جراء انفجار قنبلة فى إحدى الحافلات بمنطقة كُرم إيجنسى الواقعة بإقليم القبائل الباكستانى.

بدوره، أعلن مكتب الإحصاء الباكستانى أن عملية إحصاء التعداد السكانى ستستمر وفقاً للجدول الزمنى الذى وضع لها، حيث تم تقسيمها لمرحلتين، الأولى من 15 مارس وحتى 15 أبريل، المرحلة الثانية من 25 أبريل وحتى 25 مايو، ولن تتأثر بكل تلك الحوادث التى تهدف إلى ترويع الموظفين والمدنيين.

السؤال المطروح الآن: ما الهدف من استهداف هذه الشريحة من الباكستانيين؟، وبأى ذنب يقتلون؟، إذا كان العسكريون يستهدفون لأنهم جنود فرعون، وإذا كان الصوفيون يقتلون لأنهم يتبركون بالأضرحة، ويقتل الشيعة لأنهم روافض، ويقتل المسيحيون والسيخ وغيرهم لأنهم كفار، فما السبب وراء قتل موظفين لا ذنب لهم سوى أنهم يؤدون مهام عملهم ليس إلا؟!.

تكمن الإجابة فى فهم طبيعة الفكر المنحرف لتلك الجماعات التى نصبت نفسها متحدثاً باسم الله، وخلفائه على الأرض، الذين يُدخلون هذا الجنة وذاك النار، ففضلاً عن كون هؤلاء الموظفين يعملون لحساب الحكومات الكافرة التى توالى أعداء الله وتحارب أنصاره من المؤمنين- علي حسب وصفهم- فهم أيضاً يسعون بقيامهم بمهام وظيفتهم هذه إلى إحصاء عدد السكان، ما سيترتب عليه مجموعة من الإجراءات والتدابير الحكومية التى قد يكون بينها تحديد النسل، وبالطبع هذا يُخالف النص النبوى الذى يحث فيه خير خلق الله أمته بالتكاثر، قال صلى الله عليه وسلم: «تناكحوا تناسلوا تكثروا فإنى مباهٍ بكم الأمم يوم القيامة»، وبالتالى يرى هؤلاء الذين يتحدثون باسم الله أن يقتلوا كل من يفكر فى منع شرع الله، وكيف لا يفعلون ذلك وقد فعلوها سابقاً عندما قاموا بعملهم الإجرامى الذى استهدفوا فيه فريق التطعيم ضد مرض شلل الأطفال بباكستان، بدعوى أن المصل الذى يحقنون به الأطفال يسبب العقم!.

والسؤال الأهم: متى أمرنا الإسلام بقتل الأبرياء لعدم امتثالهم وتطبيقهم لهذا الحديث النبوى الشريف؟ وهل كل من قام بتحديد النسل يستحق القتل بهذه الطريقة؟.

إن مثل تلك الأعمال الإجرامية التى يدعى أعداء الإنسانية أنهم يطبقون خلالها شرع الله لا تمت لدينه الإسلامى الحنيف بصلة، وكل ما تسعى إليه هو تحقيق هدفين، الأول خلق حالة من العداء تجاه الإسلام والمسلمين، وهى الثمرة التى بدأ مسلمو العالم فى حصد ثمارها المرة فى الغرب على وجه التحديد، بعد أن تسببت فى تنامى ظاهرة الإسلاموفوبيا عالمياً. أما الهدف الثانى فهو تفكيك وتفتيت الدول الإسلامية لصالح مخطط عالمى يهدف لزعزعة استقرار تلك المناطق التى تمتاز بثرواتها، وبالتالى يسهل اختراقها والسيطرة عليها.

مما لا شك فيه أن «المال والبنون زينة الحياة الدنيا» كما جاء فى القرآن الكريم، ومن المؤكد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حثنا على الإنجاب والتكاثر، وأن نربى أولادنا وفقاً للقيم الإسلامية، التى هى قيم إنسانية فى المقام الأول، ولكن هل القتل وإرهاب الآخرين قيمة علمها لنا الإسلام؟! ألم يرد فى القرآن نص صريح بأن «من قتل نفساً بغير نفس فكأنما قتل الناس جميعاً»؟ فهل من المعقول أن يستهين المسلم بهذا الأمر الإلهى الصريح ويتعدى على إنسان لا ذنب له سوى أنه اشترك فى مشروع قومى مسئول عن التعداد السكانى الذى قد ينتج عنه اتخاذ الحكومة لإجراءات تقيّد الأسرة بإنجاب عدد محدد من الأطفال! هل تطعيم الأطفال بهدف القضاء على مرض شلل الأطفال أولى أم قتل القائمين على ذلك خشية أن المصل «قد» يتسبب فى العقم؟! فكر منحرف وباطل ويدعو للتعجب بأن هناك من يقتنع بمثل هذه الآراء، ولكن هذا إن دل فإنما يدل على المساحة الفارغة فى عقول هولاء المتطرفين الذى سرعان ما يمتلئ بالأفكار الخاطئة، ويا ليتها توقفت عند الفكر، ولكن تحدث الكارثة عندما يصل الأمر للاعتداء على الآخرين باسم الله ونصرة للإسلام، الإسلام الذى يهدف إلى إقرار الأمن ونشر السلام لا للقتل أو الترويع، والرسالة التى سنظل نؤكد عليها بأن المسلم الحقيقى هو من يكون جزءاً فى حل مشكلات الناس ولا يكون المشكلة نفسها، المسلم الحق هو الذى يكون سفيراً لدينه أينما ذهب والسفير لا يقتل ولا يرهب وإنما يدعو الناس بالحسنى، قال الله عز وجل: «وقولوا للناس حسناً»، ولم يقل: «قولوا للمسلمين حسناً»، إن الحياة وإثراءها بالخير والإنسانية أفضل عند الله من الموت فى سبيله.. فلنعش فى سبيل الله!.

وحدة رصد اللغة الأردية

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg