| 15 مايو 2024 م

أراء و أفكار

المرصد يجيب: لماذا يستبيح التكفيريون دماء المتصوفين؟

  • | الأحد, 21 مايو, 2017
المرصد يجيب: لماذا يستبيح التكفيريون دماء المتصوفين؟

لا يخفى على أحد أن الجميع قد بات مستهدفاً من قبل جماعات التكفير، تلك الجماعات التى نصّبت نفسها المتحدث باسم الله، ومن يملك مفاتيح الجنة والنار، يُكفّرون كل من يخالفهم، ويرمونه بالإلحاد، والضلال، ولا مانع أن يسفكوا دمه، لأنه فى نظرهم القربان الذى سيدخلهم الجنة، فدمه وماله ونفسه ونساؤه حلال.

لم يسلم دين، ولا مذهب، ولا طائفة، ولا فرقة من شرور تلك الجماعات التكفيرية الخارجة عن تعاليم الإسلام وسماحته، حتى إن المسلمين أنفسهم لم يسلموا من دمويتهم، بل يمكننا القول بأنهم أكثر من اكتوى بنيرانهم، وذاق ويلات أقوالهم وأفعالهم، وحصد نتائج وثمار دمويتهم وإرهابهم، وعلى رأسهم الصوفيون، الذين يتم تكفيرهم جهاراً نهاراً، بدعوى أنهم عُبّاد الأضرحة المشركون.

ولا يخفى على أحد ذلك الخلاف الكبير بين الصوفيين، وبين الفكر التكفيرى الذى تتبناه الجماعات الإرهابية كـ«القاعدة، وطالبان، وداعش»، ذلك الخلاف الذى حوّلته تلك الجماعات لمعركة لا بد أن تسال فيها الدماء من أجل محاربة الشرك والمشركين- حسب اعتقادهم.

من هنا يستبيح التكفيريون دماء الصوفيين كغيرهم من المسلمين وغير المسلمين، ولعل ما سنقوم بالتركيز عليه فى هذه المقالة هو أبرز الحوادث الإرهابية التى استهدفت الصوفيين فى باكستان على وجه التحديد.. الصوفيون الذين كانوا سبباً أساسيًّا فى دخول الإسلام لشبه القارة الهندية (الهند، باكستان، بنجلاديش).

كانت باكستان على موعد، مساء الخميس الموافق 16 فبراير الماضى، مع فاجعة جديدة أريقت فيها دماء الأبرياء دون وجه حق، عندما قام انتحارى ينتمى لتنظيم «داعش» الإرهابى بتفجير نفسه فى ضريح «لال شهباز قلندر» الصوفى، الواقع فى إقليم السِّند الباكستانى، ما أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 72 شخصاً، وإصابة ما يزيد على 200 آخرين؛ فقُتل الأبرياء لأنهم- من وجهة نظر الجماعات المتطرفة- أصحاب بدعة يتبرّكون بالأضرحة، وهو ما يوجب إراقة دمائهم.

ولا تُعدّ هذه الحادثة الأولى فى تاريخ استهداف أماكن وأضرحة الصوفية فى باكستان، بل إن لها تاريخاً حافلاً من المعاناة مع هذا الأمر، كان أبرزها:

 - فى السابع والعشرين من مايو لعام 2005، انتحارى يفجر نفسه فى مزار «برى إمام»، ما أسفر عن مقتل 18 شخصاً وإصابة 86 آخرين.

 - نهاية العام 2007: تسبب انفجار إرهابى فى هدم ضريح «عبدالشكور مالينج بابا».

 - مارس 2008: استهدفت عناصر تابعة لجماعة «لشكر الإسلام» ضريح «حضرت أبوالسعيد بابا» الواقع بالقرب من مدينة بيشاور الباكستانية بالصواريخ، ما أسفر عن مقتل 10 قرويين.

 - يونيو 2010: قامت عناصر تابعة لحركة طالبان بتفجير ضريح «عمر بابا»، فى مدينة بيشاور الباكستانية.

 - الأول من يوليو لعام 2010: مقتل ما يقرب من  35 مواطناً، وإصابة ما لا يقل عن 170 آخرين فى ثلاثة تفجيرات انتحارية استهدفت ضريح «داتا دربار».

 - أكتوبر 2010: وقع انفجار فى ضريح «عبدالله شاه غازى»، الواقع بمدينة كراتشى، أسفر عن مقتل 8 وإصابة عدد من الجرحى. وانفجار قنبلة فى ضريح «بابا فريد الدين غانج شكار»، الواقع بمدينة باك بتتان الباكستانية، ما أسفر عن مقتل 6 أشخاص وإصابة 15 آخرين.

 - فى العام 2011: فجر انتحارى نفسه فى ضريح «سخى سرور»، ما أسفر عن مقتل 50 شخصاً وإصابة ما يزيد عن 50 آخرين.

 - مارس 2011: انفجار قنبلة فى ضريح «أخوند باجوا بوبا» الصوفى، الواقع بمنطقة نوشيرا، القريبة من مدينة بيشاور الباكستانية، ما أسفر عن مقتل 7 أشخاص وإصابة 25 آخرين.

 - 25 فبراير2013: وقوع انفجار بضريح «غازى غلام شاه»، أسفر عن مقتل 3 أشخاص وإصابة 24 آخرين.

 - يناير 2014: مقتل 6 أشخاص خارج أحد الأضرحة الصوفية بمدينة كراتشى، ووجدت بجوار أشلائهم رسالة من حركة طالبان، تقول فيها: «هذا هو مصير كل من يقوم بزيارة الأضرحة».

- 19 فبراير 2015: اغتيال سيد محمد شاه رئيس جماعة أهل السنة- التابعة للجماعة البريلوية- بالرصاص.

- 22 يونيو 2016: اغتيال المنشد الصوفى الباكستانى المعروف أمجد صبرى، وإعلان حركة طالبان باكستان مسئوليتها عن الحادث.

- 12 نوفمبر 2016: مقتل 62 شخصاً وإصابة 100 آخرين إثر قيام انتحارى ينتمى لتنظيم داعش الإرهابى بتفجير نفسه فى ضريح «شاه نورانى» الواقع بإقليم بلوشستان الباكستانى.

ضريح شاه نورانى

ويستمر مسلسل عنف الجماعات الإرهابية ضد كل من يخالفها فى التوجه، والفكر، والرأى لتخضب بدمويتها أرض الله تعالى، والحجة أنها تدافع عن دين الله، وتطبق شرعه، وتمهد لدولة الخلافة، وإن من ينظر لممارسات تلك الجماعات التى تدَّعى زوراً انتماءها للإسلام،   فسيرى أن كل أقوالها وأفعالها وممارساتها لا علاقة لها بديننا الإسلامى الحنيف لا من قريب ولا من بعيد، وإلا فليخبرنا هؤلاء متى أمر ديننا بقتل المخالف لنا فى الرأى، أو الدين، أو حتى المعتقد، واستباحة دمائه؟ هل تناسى هؤلاء قول الله سبحانه وتعالى: «لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ» الكافرون: 6 وقوله تعالى: «ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِي َأَحْسَنُ» النحل: 125 وقوله تعالى: «وَلَاتَعْثَوْافِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ» البقرة: 60 وقوله تعالى: «أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً» المائدة: 32 فمن يتسلل بين الآمنين في ديار الإسلام أو غيرها فيهدد السلم، ليقتل أو يدمّر، ثم يزعم أنه من أهل الجهاد، فهو كاذب على الله، لأن الله تعالى قال: «وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِى حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ» الإسراء: 33 وهو قد خان العهد فى المسلمين وغيرهم من الآمنين، والله تعالى يقول: «وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً» الإسراء: 34

وإذا كان هؤلاء يقومون بشن هجمات إرهابية على الأضرحة بدعوى أنها أماكن شرك بالله تعالى، ولا يجوز البناء على القبور، فما قولهم فى نصوص أهل العلم المتواطئة على جواز البناء على قبور الصحابة والصالحين، ففى شرح الإمام التوربشتى على «المصابيح» قال: «وقد أباح السلف البناء على قبور المشايخ والعلماء المشهورين ليزورَهم الناس، وليستريحوا بالجلوس فيها»، وقال العلّامة على بن أحمد الحداد: «من قال بكفر أهل البلد الذى فيه القِباب.. فهو تكفير للمتقدّمين والمتأخّرين من الأكابر والعلماء والصالحين من جميع المسلمين...»، ذلك أن صحابة النبى صلى الله عليه وسلم قد بنوا على قبر أبى بصير- رضى الله عنه- بناءً، واتخذوه مسجداً، ولم ينكر رسول الله عليهم، كما أنه لم يأمر بهدمه، كما أنه أخبر أصحابه بفتح بيت المقدس، ووهَب تميماً الداريّ- رضى الله عنه- أرضاً «بالخليل» تحقيقاً لوعد الله، وهو يعلم أن بالخليل قبر إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب عليهم السلام، وعلى هذه القبور معبد وقبّة، ولم يأمر أصحابه- إذ أمرهم أن يدفعوا لتميم الدارى الأرض التى أقطعه إياها- أن يهدموا البناء الذى هو على قبر إبراهيم وعلى قبر غيره من الأنبياء الموجودين بفلسطين- بالقدس والخليل وما بينهما- فدلت تلك النصوص على أن المراد التحذير من علة ذلك، لا من نفس بناء المسجد والقبة.

إن مثل تلك الأفعال التى تمارسها «داعش، والقاعدة، وطالبان» وغيرها من جماعات القتل باسم الدين تقوم بتنفيذ أجندة خاصة، تهدف إلى تشويه صورة الإسلام والمسلمين عالمياً، ولعل ما يتعرض له بعض المسلمين مؤخراً من اضطهاد، وما يشعرون به من مضايقات، بسبب تنامى ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، خير دليل على تلك الأجندة.

وحدة رصد اللغة الأردية

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg