| 04 مايو 2024 م

أراء و أفكار

الدكتور سامح فوزى.. يكتب: تأملات فى المجتمع الاستهلاكى "الشرس" "1"

  • | الإثنين, 12 يونيو, 2017
الدكتور سامح فوزى.. يكتب: تأملات فى المجتمع الاستهلاكى "الشرس" "1"

الناس تستقبل المناسبات الدينية الروحانية العميقة بالاستهلاك، تنشغل به، وتصرف الجانب الأكبر من تفكيرها فيه. وهكذا تمر بنا أيام لها دلالتها تضيع للأسف تحت ركام رغبة عارمة فى الاستهلاك. من هنا يكتسب ما يطلق عليه المجتمع الاستهلاكى وصف «الشراسة» فهو قاس، يجعل سعادة الإنسان ترتهن به.

وقبل أن نبدأ نقف أمام المصطلح نفسه «المجتمع الاستهلاكى». الذين درسوا علم الاقتصاد يعرفون أن الإنسان يستهلك ما ينتج حتى تستمر دورة الحياة الاقتصادية، فإذا لم يستهلك الناس ما ينتجه المجتمع ركدت البضائع، وأغلقت المصانع، وشرد العمال، من هنا فإن الاستهلاك له أهمية فى الاقتصاد تماما مثل الإنتاج. ولكن عندما يستهلك المجتمع أكثر مما ينتج، وعندما يصبح الاستهلاك ضرورة اجتماعية، وعندما يستدين الناس حتى يستهلكون نصبح إزاء تحول فى الاستهلاك من وظيفته الاقتصادية ليصبح هدفا اجتماعيا.

فى المجتمعات الرأسمالية تحول الاستهلاك إلى صانع «زائف» للبهجة بالنسبة للناس. الشعار السائد استهلك حتى تسعد، ولكن هذا لا يحدث. وعد زائف لا يتحقق. السبب بسيط أنه كلما اقتنى الشخص شيئا جديدا، وجد ما هو أفضل منه، فيسعى وراءه، وعندما يدركه يصبح قديما لأن جديدا آخر ظهر، وهكذا. التليفون المحمول أحد عناوين المجتمع الاستهلاكى. تشترى جديدا، وما أن تستخدمه يصبح قديما، وتسعى وراء شراء الجديد. فى الغرب تحولت احتفالات عيد الميلاد إلى مناسبة استهلاكية، لم يعد الناس تشعر بالمناسبة الدينية، ميلاد السيد المسيح، الذى ولد فقيرا إلا من خلال الاستهلاك. قس على ذلك كل المناسبات الدينية التى يفرغها المجتمع الاستهلاكى من معناها حتى تتحول إلى مناسبات استهلاكية.

أخشى أن يكون قد أصابنا هذا الداء.

المعلومات تشير إلى أن العالم العربى يستهلك ربع الإنتاج العالمى، فى حين أن إنتاجه أقل من ذلك بكثير. ويعانى المجتمع المصرى، شأن بقية المجتمعات العربية، من تفشى ثقافة الاستهلاك.. وإذا نظرنا إلى السلوك الاستهلاكى للمصريين سوف نجد انفاقا متزايدا على الاستهلاك، وتراجع الادخار، واكتساب الممارسات الاستهلاكية دلالات اجتماعية تجعل منها عنوانا للوجاهة، والطبقية، والهوية الثقافية فى مجتمع يعانى من اختلالات حادة، أبرزها الانقسام الطبقى الحاد بين من يملكون ومن لا يملكون. تشير الإحصاءات إلى أن المصريين ينفقون أكثر من أربعة مليارات دولار على استيراد «ورق العنب»، ولحم الطاووس، وسمك الكافيار والجمبرى والجامبو والاستاكوزا، كما يتم انفاق الملايين على استيراد «آيس كريم» من الأنواع الفاخرة. ويصل انفاق المصريين على السلع الترفيهية المعمرة وغير المعمرة إلى ما يقرب من ستة مليارات دولار، ونحو أربعة مليارات دولار على استيراد أجهزة الهاتف المحمول.

الإشكالية ليست فى استهلاك السلع فقط، ولكن أيضاً فى الخصال الاجتماعية التى تحيط به: الرغبة فى اقتناء المال، الحاجة المستمرة إلى المباهاة، المقارنة مع الآخرين، غياب القناعة، السعى إلى اقتناء الأشياء حتى لو بالاستدانة، تقييم الناس على أساس ما يملكون أكثر من النظر إلى اخلاقهم، وثقافتهم، وتدينهم. البحث فى تاريخ المجتمع الاستهلاكى «مروع» فقد غير من عادات شعوب، ومن ثقافتها، وجرفها فى تيارات من المادية، وجعل اهتمامها بالشكل على حساب المضمون، أو الافراط فى التركيز على ثقافة الجسد دون الروح..

هناك الكثير الذى يمكن أن يقال عما فعله المجتمع الاستهلاكى فى أعداد مقبلة.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg