| 04 مايو 2024 م

أراء و أفكار

د. فوزي فهمى.. يكتب: الأزهر يتصدى لخطاب الكراهية

  • | الأربعاء, 14 يونيو, 2017
د. فوزي فهمى.. يكتب: الأزهر يتصدى لخطاب الكراهية
د. فوزي فهمى

خطاب الكراهية هو خطاب يعادى حرية الآخر؛ لذا يسعى إلى حجبه بهدر استحقاقاته، وإنكار خصوصياته وجرفها بإقصائه، وأيضاً يرفض التعددية إلى حد الإنكار، بوصفها تضم أغياراً ليسوا صنوه ونظيره؛ لذا فإن خطاب الكراهية لا يعرف التكامل والتضامن؛ إذ هو مسكون بالتعصب، وغارق فى تصوراته الذاتية التى تعزز استبداده المفضوح؛ بل ومنقطع عما ينبغى أن ينتهى إليه من المعرفة الإيجابية، بأفكارها وقيمها ودلالاتها التى تحقق الانضباط الإنسانى، لذا يظل خطاب الكراهية معتصما بالتعصب، متشبثاً بممارسة الاستعداء الممنهج ضد الآخر، تتلبسه لوثة القوى المتحكمة فى طريقة فهمه لذاته والعالم، لتبديد الآخر وتسفيه قيمه باستعلاء وتمايز، فهو يقيس غيره، وكل الأغيار، ولا أحد سوى ذاته تقيسه.

إن خطاب الكراهية يتبدى كاشفاً عن حراك تعصبى هجومى بالكلام ضد الآخر، مستهدفاً الحط من قدر ذلك الآخر، والتقليل من شأنه، وتقليب الآخرين ضده، بسبب دينه أو عرقه أو غيرهما، ويتجسد خطاب الكراهية فى آراء بغيضة تمارس على نحو مستفز؛ إذ ينجرف نحو الوصم والازدراء، ويستدعى الإساءة، والتحقير والإهانة، والإدانة، ويستهدف تشجيع غيره على مماثلته فى ممارسة القصف والقذف، تجريداً للآخر من وجوده، وذلك ما يشكل للآخر ضرراً على المستوى الاجتماعي، ويعد «التعصب» إحدى هذه وسائل الإيهامات، بوصف «التعصب» شعوراً داخلياً مدمراً على المستوى الفردى أو الاجتماعى، إذ يجرى تنشيطه ذاتياً أو بالتلقين، فيستحضر أشكال العصبيات البربرية، حيث يصيب الإنسان بالعماء المتشبث المغتصب الذى يرسخ مغالاة وتضليلاً بأن الوهم بصحة ما يعتقده هو «الحقيقة» فارضاً انقلاباً فى المفاهيم؛ إذ بدلاً من أن الحقيقة هى التى تؤسس «الاعتقاد»؛ إذ بالاعتقاد يؤسس الحقيقة ويصبح لها معياراً؛ لذا يمارس المتعصبون- بوصفهم يعتبرون أنفسهم صناع الواقع، والممثلين الفعليين له- صراعاً مستمراً بين المتداول والحقيقة- دون غطاء معيارى لاستحقاقات غيرهم- ليتأسس للمتداول - كما يأملون- سلطة تجذب الولاء له، فى مواجهة الحقيقة التى يسعون إلى تدميرها.

إن المتعصبين أنصار خطاب الكراهية ينكرون المختلف، ليس حفاظاً على هوية العقل مع ذاته، ولا حرصاً على تماسك معرفي؛ بل استهدافً لاستبعاد كل تواصل مع المرفوض والغريب واللامسيطر عليه، دينياً، وعرقياً، وفكرياً واجتماعياً، ثم راحوا يورطون بلدان العالم بأعباء أفعالهم، التى يمنحونها قدسية دينية كصواب مطلق، منعاً للعقل من مناقشتها؛ لذا أصبح «خطاب الكراهية» بتعريفاته المختلفة بحكم المحظور فى عدد من الدول، كما أصدرت «الرابطة العالمية للحقوق والحريات» بجنيف، بياناً عن «خطاب الكراهية ونبذ العنف» أوردت فيه تحديداً ما يلى: «ظهرت فى السنوات الأخيرة، سلسلة من الأحداث شغلت البلدان العربية والإسلامية، وهزت استقرارها وأمنها الاجتماعى، وجرت المنطقة إلى صراعات وفوضى داخلية أودت بحياة مواطنين أبرياء، كما مست بحرمة دور العبادة، والتحريض على الانتقام والكراهية والانزلاق إلى متاهة العنف، ومن الملاحظ أن خطاب الكراهية تزايد بشكل يدعو إلى القلق فى المنطقة العربية خلال السنوات الماضية، وبموازاة ذلك تنامت مظاهر الشحن الطائفى، انجرت وسائل الإعلام إلى ذلك، كما انزلقت السلطة التنفيذية فى بعض الدول إلى التمييز الطائفى مع استعداء طائفة من المواطنين ضد طائفة أخرى».

 صحيح أن البيان طرح أربعة أسئلة، ثم أجاب عنها، وتشكل تلك الإجابة خريطة طريق لضمان حماية حقوق الإنسان من أخطار «خطاب الكراهية والتطرف» اعتماداً على رصيد إسهامات الأمم المتحدة، والرابطة العالمية للحقوق والحريات فى هذا المجال، والصحيح أيضاً أننا فى حاجة إلى إيقاف دوامات العنف، التى تتبدى ذات طابع دينى تعصباً، وعنصرية، وطائفية، حتى أصبح الاختلاف يعم كل شىء، وصار وحده هو المعيار، والصحيح كذلك أننا نريد أن يصبح الوجود الإنسانى فى العالم وجوداً حقاً، وليس الهيمنة عليه، وجوداً يؤسس لاقتدار الإنسان على الانفتاح على الآخر دون استقطاب، وذلك بزوال كل فكرة فى إمكانية قيادة الآخر، حتى يتمكن كل فرد من قيادة ذاته، دون فرض رؤية أحادية على العالم؛ بل السعى إلى تأكيد المشتركات الإنسانية دون أن يعرض أحد نفسه بديلاً لأحد؛ لذا فإن الصحيح أن تتولى مؤسسات الضبط الاجتماعى فى بلدانها بخصوصية مجتمعاتها، مواجهة تلك الظواهر تفعيلاً للعلاقة بين الراهن والذاتى، ولا شك أن مبادرة أعرق مؤسسات الضبط الاجتماعى دينياً فى مصر والعالم الإسلامى، التى طرحها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، بشأن إعداد الأزهر مشروع قانون لمكافحة وتجريم الحض على الكراهية والعنف باسم الدين، هو مشروع يعكس وعياً رفيعاً يتأسس على تواصل مجتمعى مشروع، يحفظ للدين تواصله، حتى لا يستخدم كأداة تسلط وهيمنة؛ بل يظل فتحاً مبيناً للإنسان بإعلاء شريعة الخالق وحده، وفك ارتباط الدين- تزييفاً- بالأعمال السالبة، تصدياً لخطة التجنى عليه قصداً، إنه مشروع إطلالة تكشف المنهج الاختزالى التعسفى اللامدقق، المشوب بالعداء والكراهية، وتعرى عمليات التوهم التى تلحق بالدين، فى حين أن الدين يؤسس الحياة الاجتماعية على معايير تضمن عدالة العلاقات التى تحكم الإنسان بالآخر.

 إن مشروع الأزهر يترافق معه توجه لنشر ثقافة التسامح، ذات الأثر الفاعل فى تغيير الوعى الاجتماعى دعماً للسلوك الجماعى، انطلاقاً من أن جوهر الاجتماع الإنسانى فى الوطن الواحد، يقوم على التواصل الذى يسهم فى بناء التضامن الاجتماعى، بوصف التسامح دليل الإنسان إلى إنسانيته.

الرئيس الأسبق لأكاديمية الفنون

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg