| 03 مايو 2024 م

أراء و أفكار

الدكتور عمار علي حسن يكتب: التجديد الإسلامي.. التصور والرجال 1- 2

  • | الأحد, 18 يونيو, 2017
الدكتور عمار علي حسن يكتب: التجديد الإسلامي.. التصور والرجال 1- 2

التجديد لغة ينحدر من الجديد وهو ما لا عهد لنا به، لأنه خلاف القديم الذى نعرفه. أما اصطلاحا فإنه أمر مرتبط بالاجتهاد والتحديث والإبداع، يقوم على مزاولة نشاط ذهنى ونفسى وميدانى خلاق، من أجل التصدى للأمور العظيمة والمهمة من النوازل والحوادث. وقد ولد هذا الاصطلاح من رحم الفقه والفكر الإسلامى، حتى بات مقرونا بهما.

لكن درجة التجديد ومستواه تفاوتت من مفكر إلى آخر، ومن فقيه إلى نظيره، وتدرجت حسب تصور كل من هؤلاء عن مدى التجديد وجدواه. فهناك من شدد على أن التجديد يكون فى المسلمين لا فى الإسلام، وهناك من ضيق فى المفهوم والقائمين عليه وحصرهم فى رموز إسلامية خالصة.

ويطرح عمر فروخ تصورا محافظا إلى درجة أن يبدأ بالقول إن «الجيد من كل شىء هو القديم الذى يظل على الدهر جديدا»، ثم يؤكد أن التغير يطرأ على فروع الأحكام ولا يمتد إلى أصولها، وأن عمل المصلحين يقتصر على تقريب تعاليم الدين من أذهان الناس، على طبقاتهم، لا أن يجعل من الدين نفسه حقل اختبار، كأنه بذلك ينشر على الناس فى كل يوم دينا جديدا. وهذا يعنى أن التجديد ينصب على المعاملات والصلات الاجتماعية بين البشر التى تتغير بتغير الزمان والمكان. أما العبادات فإن الدين نفسه قد جعل لها نطاقا من الرُّخص التى يلجأ إليها المؤمن بحسب الأحوال التى نص عليها الدين نفسه. أما العقائد فهى الأسس التى تجعل من كل دين مختلفا عن الدين الآخر من حيث أصوله، وانطباقه على الحياة.

وفى نظر أصحاب هذا الاتجاه فإن تجديد الدين معناه تقديم الإسلام كما أنزله الله تعالى على رسوله صلى الله عليه وسلم أيام نزول الرسالة. ومن مقتضيات هذا التجديد إرجاع الفهم والتطبيق الإسلاميين إلى الأصول والمصادر الشرعية المعتبرة، ونفى ما علق بالدين من زوائد وإخلال وبدع وحيل وأساطير وغير ذلك. ولا ينبغى أن يفهم من تجديد الدين تغيير بعض الأحكام القطعية الثابتة، إو إحداث أمور، فى الفهم أو التطبيق، مخالفة الدين وقواعده ومقاصده.. وبذلك يبقى التجديد هو نفى ما ليس من الإسلام فى شىء، والرد إلى الله والرسول عند الفهم والاستنباط، وعند الاختلاف والتنازع، والاستجابة لمستلزمات المسايرة والمعاصرة بإرادة قوية، وعلم نافع، واجتهاد أصيل.. . ومن هنا يتحدد التجديد حسب المحتوى والمضمون، فإن كان المراد به الإحياء والتفعيل والإعمال والدفع فلا بأس، أما إذا كان يراد بالتجديد لدى البعض التغيير والتبديل والتبطيل، فمن المحتمل أن يصرف هذا إلى دعوى تبديل الأصول والقواطع وتعطيل الثوابت والروابط، وتبطيل الإسلام جملة وتفصيلا تحت هذه التعلة والدعوى.

وهناك من يحرك هذا التصور خطوة قليلة إلى الأمام فينتقد من أساءوا فهم التجديد على أنه مجرد إظهار أضابير الكتب والمخطوطات الإسلامية، التى أخرجتها عقول الفقهاء والمفكرين الإسلاميين فى الزمن القديم، من دون أى محاولة للاستفادة منها فى أحوال معاشنا الراهن، بصورة أو بأخرى، وكأنهم يكتفون بأن يكون إحياء التراث هو عامل استنفار انفعالى فحسب يحفزنا إلى العمل.

ثم يدفع الشيخ أمين الخولى المفهوم خطوات أوسع بحديثه عن أسس التطور فى الإسلام، منطلقا من أن الرسالة المحمدية الخاتمة بما هى دين ونظام اجتماعى عملى تحمل أسسا للتطور تهيئه لذلك، وتعده لتحقيقه فى يسر، ودون مصادمة لشىء من تطور الدنيا حوله نظريا وعمليا، ليحدد هذه الأسس فى:

1- امتداد دعوة الإسلام وحياته رأسيا فى الأزمنة، وأفقيا فى الأمكنة، لتستهدف شعوبا وقبائل وأجيالاً متعاقبة، وأصحاب ثقافات متنوعة، وأجناسًا شتى.

2- اقتصاد دعوة الإسلام فى الغيبيات وإجماله لها وتحديده للإيمان بها، ونهيه عن التفكير فى دقائقها. وهذا جعل العقيدة الإسلامية تصرف ما توفر لها من طاقة كبيرة إلى التفكير الحر الملائم فى كل جديد من خفايا الكون، تعرفه الحياة، ويقدره العلم على مدى الأيام، دون أن تحتاج إلى تفاصيل أو بيانات جزئية، لم تعد تناسب الحياة.

3- بعد تيسيره الحياة الاعتقادية، اقتصر الإسلام فى شئون العبادات على الأمور الكلية والأصول العامة الشاملة، ليفتح الباب أمام اجتهادات حول الصلاة والزكاة والصيام والحج، يتغير بعضها بتغير الأحوال، وهى مسألة ظاهرة فى تاريخ الفقه الإسلامى ومحتواه.

4- عدم تورط الإسلام فى نصه المؤسس (القرآن الكريم) فى تفاصيل حول نشأة الكون والحياة والإنسان وعمر وجوده على الأرض، ومساره ومصيره، وذات الله وصفاته. وهذا لم يجعل الإسلام فى مواجهة أبدا مع الاكتشافات العلمية للكون، كما حدث مع أديان أخرى. لكن المسلمين شغلوا أنفسهم بهذه القضايا وبحثوا عما يجيب عن أسئلتهم حولها فى الإسرائيليات. ونحتاج فى الوقت الحالى إلى التخلص من هذه الدخائل الأجنبية، التى تسربت إلى أحاديث منسوبة إلى الرسول الكريم من مرويات الآحاد، وإلى بعض تفاسير القرآن.

5 -عدم التورط فى شىء من التفاصيل حول تاريخ الأمم والرسل، التى عرض القرآن أحوالها جملة أو مع بعض التفصيل، بيانا لسنن الاجتماع فى حياة الرسل. ومن هنا لا يخشى الإسلام من الرواية المادية للتاريخ التى يقصها علينا العلم عبر علم الحفريات والآثار، بل يستطيع أن يطور عرضه لتدينه مع هذا العلم المتقدم.

6- جعل الإسلام الاجتهاد أساسا للحياة، بما يفى بحاجاتها المتغيرة والمتقدمة. ومن هنا أقر الفقهاء أن الحياة لا تخلو من مجتهد، وطلبوا بأن يتوفر للناس فى كل عصر من المجتهدين عدد التواتر.

وهذه الأسس الستة جعلت الخولى يدخل بجرأة إلى الحديث عن تطوير العقائد والعبادات والمعاملات، قاصدا بهذا التطوير طبيعة الخلافات التى نشأت طيلة التاريخ الإسلامى حول هذه الأعمدة الثلاثة. فالخلاف حول العقائد امتد إلى ذات الله وصفاته، وطبيعة القرآن، مخلوق أم لا، وتنازع أهل السنة والمعتزلة حول السببية وأفعال العباد. أما العبادات فإن هناك اختلاف المذاهب الفقهية العملية لا يخفى على المتابعين والتابعين، وهناك اجتهادات لا تنتهى حول أركان الإسلام العملية الأربعة، الصلاة والزكاة والصيام والحج، بما يلائم احتياجات الواقع المتطور بلا هوادة. والأمر فى المعاملات أهون وأيسر، وتطور العرض فيها واضح عيانا بيانا.

وينتهى الخولى من هذا إلى القول: «التجديد الدينى هو تطور، والتطور الدينى هو نهاية الاجتهاد الحقيقى»، لكنه لا يعنى بالتطور مفارقة أصل الدين، وإيجاد دين جديد، بل يربط التجديد بالعودة إلى الأصل، لأن كل ما دخل على العقائد من جدل، لا ينتهى إلا إذا نحيناه جانبا، ورجعنا لإيمان الفطرة، وتجنبنا الخوض فى مسائل الغيب، التى لا يمكن لعقل أن يبلغها، ولا طائل من الاحتراب حولها. أما العبادات فأحكامها وتفاصيلها عرضة لتطور دائم، ويتسع النطاق على المعاملات، وهذا من صميم الإسلام. لكن الخولى فى رؤيته هذه يفكك الكثير من التركيبات التراثية المغلقة، بفعل جمود الفقه، ويشكك فى العديد من المسلمات التى ركدت فى أذهان المسلمين جراء غلق باب الاجتهاد، أو تضييقه حتى صار مجرد ثقب إبرة.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg