| 03 مايو 2024 م

أراء و أفكار

الدكتور سامح فوزي يكتب "كلمة حق": فائض تدين

  • | الأحد, 18 يونيو, 2017
الدكتور سامح فوزي يكتب "كلمة حق": فائض تدين
د. سامح فوزي

هناك تعبير شاع فى العلوم الاجتماعية اسمه «فائض التدين»، ويعنى أن تدين المجتمع ظاهر، وطاغ، وواضح أمام الكافة. الدين مؤسسات عبادة، وزى، وجمعيات وروابط، وسلوك جماعى للمواطنين، ومناسبات دينية. هناك مجتمعات تعانى من «شح التدين» حيث تغيب الرموز الدينية، وتغلب الروح المادية فى المجتمعات، وينسحب التدين إلى المساحة الشخصية وليست الجماعية.

ولكن فائض التدين الذى نحبه، ونفخر به بالحديث الدائم عن «المجتمع المتدين» و«المصريون متدينون بطبعهم».. الخ، فى أوقات كثيرة لا يعبر عن قيم دينية حقة بقدر ما ينحصر فى مظاهر شكلية.

ويمكن أن نقف أمام عدة أشكال للتدين:

التدين الأول: هو تدين فرسان المعبد، الذين يظهرون بمظهر المدافعين عن العقائد، والمحاربين ضد البدع، والهرطقات، وينزلقون لمهاجمة العقائد الأخرى بدعوى الدفاع عن عقيدتهم. هذا اللون من التدين عبء على المجتمع، يتسبب فى مساجلات، ومعارك كلامية، دون أن تظهر ممارسات حقيقة للمتدين.

التدين الثانى: هو تدين المنافقين، الذين يظهرون شكل التعبد دون ممارسة عمق الإيمان، يهتمون بالشكل، ورأى الناس، التمسك بمظهر الورع والتقوى، فى حين أنهم فى ممارستهم لا يعرفون إيمانا ولا دينا. يثرثرون عن التدين، فى حين لا يتورعون عن تقاضى رشوة، أو الكذب أو الإساءة للغير، أو الادعاء خلاف الحقيقية، أو خيانة الأمانة، الخ.

التدين الثالث: هو الاكتفاء بالديانة فى بطاقة الرقم القومى فى حين يعيش الشخص حالة من حالات الابتعاد عن الدين، ويجاهر بذلك أو يدارى مشاعره، لكنه فى النهاية «غير متدين» بالتعبير الدارج.

أزمة المجتمع المصرى فى الأشكال الثلاثة من التدين. تدين الفرسان الذى ينشر الغضب والبغضاء، وتدين المنافقين الذى يفسد شكل الدين، وغياب التدين الذى يفسد قيم المجتمع.

التدين الحقيقى يتسم بالتقدم، وله نظرة إنسانية متفائلة متعلقة بالإنسان، ونشر القيم الإنسانية الرفيعة، والتطلع العميق نحو الاستمتاع بالحياة، والاحتفال بالتعددية الإنسانية. التدين الذى يقدمه فرسان المعبد «عابس»، والتدين الذى يقدمه المنافقون «مراوغ»، وبينهما العابثون الذين يديرون ظهورهم للدين، ولكن التدين الذى نريده فى المجتمع هو تدين المواطن الذى يريد العدالة واحترام الحقوق، ويحافظ على النظام، ويسعى إلى تحقيق النقاء فى المجتمع، لا ينظر للدين على أنه ساحة حرب بل مساحة حب ومودة وعمل ورحمة، ولا ينظر للدين على أنه تكئة لتحقيق المكاسب الشخصية، ولكنه تدين منفتح، يرى فى كل المعتقدات قيما جميلة يمكن تعلمها، وفى كل المذاهب ومضات مشعة يمكن التقاطها، وبالمؤمنين بها تنوعا حرص عليه مبدع الكون والإنسان..

إننى أشعر بالأسى من حال مجتمع يؤرقه أن يصادق أو يهنئ المرء شخصا مختلفاً معه فى المعتقد الدينى فى حين يتسامح مع مشاهد الفساد والانحلال كل لحظة، ويرتكب بنفسه سوءات مروعة. لم يكن يوما الدين مدعاة لكراهية، ولم ينتدب الله متحدثا باسمه، ولم يدع البشر لقتال بعضهم بعضا لنصرة معتقد، ولم يدع ابدا، وحاشا لله، أن يكره إنسان آخر لأى سبب من الأسباب. دعاة الكراهية، والمنافقون، والنصابون باسم الدين، والمدعون، هؤلاء جميعا ابتلى بهم المجتمع، ولا أمل فى التقدم إلا بالثورة على أنفسنا لنرى فى أى مستنقع نهوى، فالدين جمال ونور، وليس كراهية وغضب.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg