| 04 مايو 2024 م

أراء و أفكار

الدكتور عبدالفتاح العواري يكتب "ردود هادئة": الصوم وأثره فى تربية النفس وتهذيب السلوك

  • | السبت, 17 يونيو, 2017
الدكتور عبدالفتاح العواري يكتب "ردود هادئة": الصوم وأثره فى تربية النفس وتهذيب السلوك
د. عبدالفتاح العواري

فرض الله على أمة الإسلام الصيام كما فرضه على الأمم من قبل، والغاية المرجوة منه والهدف الأسمى المقصود من تلك العبادة تحقيق أمر التقوى وهو مفهوم مشتق من الوقاية وهي مطلق الصيانة وفى الشريعة، صون النفس عما يوقعها فى غضب الله ومقته.

ولما كانت النفس الإنسانية تحتاج دائما إلى الرعاية والعناية بما يحقق لها حمايتها وما يصونها ويحيطها بسياج منيع كانت تشريعات من خلقها على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام حاملة فى سلك نصوصها عوامل سلامتها متضمنة سبيل بقائها محافظة عليها مما يدسيها ويدنسها، ففى التزكية فلاحها وفوزها، وفى التدسية خيبتها وخسارته (ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها)، وعبادة الصوم متى احتملت النفس مشقة الطاعة فيها وأدتها كما يريدالله لها أن تؤدى كانت خير عامل على تزكية النفس وتربيتها وتهذيب سلوكها واستقامة أمرها، فتراها أمينة على كل شىء لأنها حققت معنى الأمانة فى عبادة السر القائمة على الإخلاص لله رب العالمين كماجاء ذلك فى قول النبى صلى الله عليه وسلم؛ (كل عمل ابن آدم له إلا الصيام الحسنة بعشر أمثالها الى سبعمائة ضعف يقول الله عز وجل، «إلا الصوم فإنه لى وانا أجزى به» أرايتم رقيا فى تربية النفس وتهذيبها وتقويمها أعظم من عبادة تحقق فيها معنى المراقبة لله تعالى فلا رياء ولا مباهاة ولا مفاخرة بل إخلاص ومناجاة وسرية تامة بين العبد وربه.

ان عبادة الصوم بكل ما تحمله من معان سامية وغايات نبيلة وأهداف شريفة حصن حصين وحرز أمين لكل خلق كريم وسلوك قويم ومجتمع ربانى فى عبادته هكذا يكون حاله مع ربه، بدهى سينعكس سلوكه القويم واخلاقه الفاضلة على مجتمعه الذى يعيش فيه ووطنه الذى يأويه وشعبه الذى هو فرد من أفراده لا يمكنه أن يعيش بمعزل عنه.

الصائم عبد صالح طائع لمولاه وقاه صومه من البغض والكراهية وغسل صدره من أدران الحقد والأنانية وأصبح أمينا على نفسه وعلى أسرته وعلى وطنه واهله لا يخادع ولا يغش ولا يخون ولا يستغل ولا يحتكر ولا يحتقر ولا يغتر ولا يظلم ولا يشهد زورا ولا يعين عليه ولا يعمل لصالح أعداء وطنه ولا يكشف سرا استئمن عليه ولا يأكل حراما ولا يخرب عمارا ولا يدمر بنية ولا يهدم عمرانا ولا يفسد ارضا اصلحها الله له لأنه يعلم علم اليقين أن هذه الخصال المنهى عنها شرعا والمبغوضة طبعا وعقلا تتنافى مع فريضة الصوم التى أداها حسبة لله دون أن يطلع عليه لانبى مرسل ولا ملك-بفتح اللام -مقرب -فالصوم جنة كما جاء عن النبى صلى الله عليه وسلم، (الصوم جنة- أى وقاية-فإذا كان صوم يوم أحدكم فلا يصخب ولا يفسق وإن سابه احد أو شاتمه فليقل إنى امرؤ صائم) نعم عباد الله صائمون لله بقلوبهم وجوارحهم فلا يجوز لهم أن يهتكوا ما بينهم وبين الله من حرمات لأن الصوم له ومادام له فعليهم أن يتحلوا بما يليق بهم كعباد لله.

وإلا لو هتكوا الستر الذى به أصبح الصوم جنة -بضم الجيم-فما قيمة حرمانهم لانفسهم وتعذيبهم لها بترك الطعام والشراب وسائر الشهوات التى احلها الله لهم فى غير وقت الصيام؟ ما كان الله سبحانه يريد بفرض التكاليف على عباده تعذيبهم وعنتهم وانما يريد الله لعباده تربيتهم وتهذيبهم ليكونوا عباد الله كما أرادهم الله.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg