| 03 مايو 2024 م

أراء و أفكار

وكيل الأزهر الشريف يكتب "رؤية فقهية": التجديد واسترداد الديون "1"

  • | الأحد, 25 يونيو, 2017
وكيل الأزهر الشريف يكتب "رؤية فقهية": التجديد واسترداد الديون "1"
د. عباس شومان .. وكيل الأزهر الشريف

الإقراض الحسن من دون فائدة من أعمال البر والصلة المندوب إليها فى الإسلام، فهو مشروع بأطول آية فى كتاب الله عز وجل، وهى آية الدَّيْن، ولأهميته أطلقه الشارع على سائر أعمال البر والصلة التى يباشرها المسلم طلبا لمرضاة الله عز وجل، يقول تعالى: «مَنْ ذَا الَّذِى يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً». ونظرا لضرورة القرض الحسن فى تيسير حياة بعض الناس وقضاء حوائجهم ورفع العنت عنهم؛ زاد أجره على أجر الصدقات التى يتقرب بها العبد إلى ربه عز وجل، فإذا كانت الصدقة بعشر أمثالها فإن ثواب القرض بثمانية عشر كما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - مكتوباً على باب الجنة، وحين تعجب من ذلك وسأل رفيقه فى الرحلة جبريل عليه السلام: «ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال لأن السائل يسأل وعنده، والمقترض لا يقترض إلا من حاجة»، فنظراً للفائدة المتحققة حتماً للمقترض من القرض خلافاً للصدقات التى قد تُدفع لمتسول محترف لا يستفيد منها فى الحقيقة لامتلاكه أموالاً تفيض عن حاجته؛ كان ثواب القرض أكبر من ثواب الصدقات.

وعلى الرغم من أن الإقراض الحسن مندوب إليه وعمل من أعمال البر التى يثاب فاعلها وتنشر الحب والود بين الأغنياء المقرضين والفقراء المقترضين؛ فإنه تجدر الإشارة إلى ثلاثة أمور تتعلق بهذا الموضوع:

الأمر الأول: توثيق الديون:

قضية توثيق الديون بالكتابة أو الإشهاد أو الرهن من المندوبات التى يعلمها الناس ولا تحتاج إلى اجتهاد، فتوثيق الديون ثابت بقوله تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ»، والأمر فى الآية على سبيل الإرشاد والندب لا على سبيل الوجوب، لوجود قرينة تصرفه عن الوجوب وهى قوله تعالى: «فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِى اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ»، ومع ذلك فإن غالب المقترضين يتألمون من طلب المقرضين لهم توثيق الدين عند إقراضهم، حيث يرونه نوعاً من عدم الثقة فى ذممهم لا سيما إن كان المقترض معروفاً أو صديقاً لمقرضه، وهذه ثقافة ينبغى تغييرها، فما لا ينتبه إليه كثير من الناس أن المصلحة المتحققة من التوثيق فى حق المقترض أكثر من تلك المتحققة للمقرض، حيث إن فائدة التوثيق بالنسبة للمقرض تنحصر فى ضمان ثبوت حقه فى الدنيا وقدرته على ملاحقة المقترض واسترداد ماله إن كان للمقترض مال يُستوفى منه دَينه، وقد لا يتحقق الاستيفاء مع ثبوت الدين إذا بقى المقترض مفلساً حتى الموت ولم يترك مالاً يوفى ديونه. ومن ثم، فغاية ما يترتب على ترك التوثيق بالنسبة للمقرض هى خسارة مبلغ القرض فى الدنيا، وهى خسارة مؤقتة وزهيدة مقارنة بما يكون فى الآخرة، حيث استرداد الدائن لدَينه حسنات من رصيد المدين، فإن لم يكن للمدين حسنات حمل عن دائنه من سيئاته بمقدار الدين، أما المقترض فإن لم يوثق القرض الذى اقترضه فمات فقد ينكره الورثة ولا يدفعونه للمقرض، فهم لا يجبرون عليه ما لم يكن معروفاً لهم بتوثيق أو إخبار من قبل المدين قبل موته، ومن ثم يبقى الدين فى ذمته يستوفيه الدائن منه فى الآخرة!

ولذا ينبغى على المدين أن يسعى لتوثيق الديون التى عليه ويحرص على ذلك أكثر من حرص الدائن، لأنه إن وثَّق دينه فقضاه فى حياته فقد برئت ذمته، وإن مات لزم ورثته من تركته إن كان له تركة وكان مقدماً على حقهم فيها، حتى إن بعض الفقهاء يجعلون قضاء الدين من التركة الحق الأول فى ترتيب الحقوق المتعلقة بالتركة، فيقدمونه على تجهيز الميت ودفنه، فإن مات شخص ولم يترك من المال ما يكفى قضاء دَينه وتجهيزه ودفنه كان قضاء دينه أولى، ويكون تجهيزه ودفنه على عامة المسلمين، بينما يرى آخرون أنه الحق الثانى بعد تجهيزه ودفنه، ولكنهم يجمعون على أن قضاء الدين مقدم على استحقاق الورثة حتى لو لم يبق لهم شىء من التركة.

الثانى: رد الديون الناشئة عن الاقتراض أو غيره:

إذا كان الإقراض من دون فائدة مندوباً إليه فى الإسلام، فإن رد الدين واجب على المقترض عند حلول الأجل لقوله تعالى: «فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِى اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ»، وعدم الوفاء بالديون أمر فى غاية الخطورة، لقوله - صلى الله عليه وسلم: «من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه، ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله»، وقوله - صلى الله عليه وسلم: «نفس المؤمن معلقة بدَينه حتى يقضَى عنه»؛ أى إن عدم رد الدين يحول بين المدين ودخول الجنة، ولذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا مات مسلم سأل: هل عليه دَين؟ فإن قالوا إنه مدين، قال: صلوا على صاحبكم. ولا يصلى عليه ما لم يكن ترك تركة تكفى لقضاء ديونه، أو يتكفل بسداد دَينه قرابته أو غيرهم، حتى فتح الله على المسلمين البلدان فأصبح إذا مات مدين وفَّى دينه من بيت المال وصلى عليه، قال - صلى الله عليه وسلم: «أيما مؤمن مات وتَرك مالاً فليرثه عصبته مَن كانوا، ومن ترك دَيناً أو ضياعاً فليأتنى فأنا مولاه».

الأمر الثالث: سداد الدين بالقيمة:

هذا الأمر هو ما يحتاج إلى اجتهاد ورؤية عصرية فى تناوله، وهذا ما سنكمله فى المقالة المقبلة إن شاء الله تعالى.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
3.5

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg