| 03 مايو 2024 م

أراء و أفكار

الدكتور جمال سعد محمود يكتب "في المليان": مكانة العدل فى الإسلام

  • | الأحد, 2 يوليه, 2017
الدكتور جمال سعد محمود يكتب "في المليان": مكانة العدل فى الإسلام
د. جمال سعد محمود

العدل فضيلة من أهم الفضائل الإسلامية التى لا يمكن لمجتمع ما أن يستقيم بدونها، ونظراً لأهمية العدل وأثره فى حياة الأفراد والمجتمعات فإن علماء الإسلام قد وضعوا له تعريفات متعددة وشروط متنوعة، ومن أبرز هذه التعريفات أنهم قالوا العدل هو ميل قوى فى النفس يدفع صاحبه إلى أن يعطى لكل إنسان ما له من حقوق ويأخذ ما عليه من واجبات، ويُعرف أيضاً بأنه هو: احترام حقوق الناس وإعطاء كل ذى حق حقه، والعدل فى الإسلام هو أن ينال كل إنسان ثمار عمله ويتحمل تبعة فعله، وهذا المعنى هو ما يمكن أن يسنبط من قوله تعالى: «ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان الإ ما سعى» سورة النجم: 38-39، فينبغى أن يعطى كل ذى حق حقه وأن يؤخذ كل إنسان بذنبه.

فالعدل فى الإسلام شامل لكل شئون الحياة، والمسلم ملتزم به فى كل ميادين حياته الروحية والمادية والعدل الحقيقى لا يلتمس حقاً فى غير شرع الله تعالى الذى يمثله الإسلام إلى يوم القيامة، لأن شريعة الله تعالى هى العدل، وأيا ما كان الأمر فإن العدل فى الإسلام ليس فكرة نظرية مجردة ولكنه فكرة عملية طبقها المسلمون خاصة فى العصر الأول فى حياتهم، فقد كان كل منهم يقدر لنفسه من الحقوق بمقدار ما يقدره لغيره دون زيادة على الناس فى حق بل قد يفرض على نفسه الزيادة فى الواجب وهذا العدل النفسى يقوى بناء الجماعة وهو ينفذ ديناً من غير قهر ولا حكم مسيطر، بل يكون الحكم من ذات الضمير وقد نصت أقوال النبى صلى الله عليه وسلم على العدل، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: «حب لأخيك ما تحب لنفسك» ولكى تحقق العدل لابد من توافر شروط كثيرة فيه أهمها: 1- المعرفة المتبصرة بالحقوق والواجبات، فلكى يكون لدى الإنسان المقدرة على إعطاء كل ذى حق حقه، لا بد أن تكون لديه معرفة كاملة بما هو حق لهذا وما هو واجب على ذلك، 2- عدم التميز. والتميز هو الميل إلى أحد المتساويين وذلك بإعطاء أحدهما فوق ما يستحق فى مقابل انتقاص الآخر بعض ما يستحق فالحاكم لكى يكون عادلاً يجب ألا يتميز إلى أحد من الرعية ضد آخر كالتميز لقريب أو صديق أو التميز لأهل قرية لأنه نشأ فيها.

3- سعة الأفق والاهتمام بجواهر الأمور فلا يصح أن يحصر المرء همه في منفعته الشخصية متناسياً حقوق الآخرين، فيميل عليهم كل الميل أو بعضه فيكون جائراً لا عادلاً، والحاكم العادل لا بد أن يكون واسع الأفق فلا يعطى أهله وأعوانه ما ليس من حقهم، والقاضى لا يجوز أن يقتصر على سماع أحد المتخاصمين، بل لا بد أن يسمع من كليهما وأن يقدر ظروف كل منهما كما يجب أن يقيم حكمه على حقيقة العدل، والباعث عليه وليس مصدره الخارجى، والعدل فضيلة من أمهات الفضائل التى يقوم عليها سعادة الفرد والجماعة وصلاحها، وهى فضيلة تشتمل على فضائل كثيرة كالمساواة والأمانة والصبر والعفة والشجاعة، ولا نبالغ إذا قلنا إن العدل سمة الإسلام وميزان الاجتماع به يقوم بناء الجماعة وكل تنسيق اجتماعى لا يقوم على العدل لا بد أن ينهار مهما تكن قوة التعظيم فيه لأن العدل هو الدعامة وهو النظام الحقيقى وهو التنسيق السليم لكل بناء وهو ميزان الله المبرأ من كل زلل وبه يستتب أمر العالم، ولهذا قال الله تعالى: «الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان» سورة الشورى الآية :17.

وقال عز وجل : «والسماء رفعها ووضع الميزان» » الرحمن :7، وعبر عن العدل بالميزان لأن من أثره ومن أظهر أفعاله للحاسة وقد اعتبر الله العدل بين الناس من أقرب القربات إليه، والمسلم مطالب بأن يقيمه لله تعالى فهو أقرب للتقوى، قال تعالى: يا أيها الذى آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجر منكم شنآن قوم على ألا تعدلوا آعدلوا هو أقرب للتقوى » سورة المائدة من الآية 8 ومن الآيات الجامعة لمعانى العدل فى القرآن الكريم قوله تعالى : «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى يعظكم لعلكم تذكرون» سورة النحل:90، والعدل هدف من الأهداف التى أرسل الله رسله لإقامتها بين الناس وقد صرح الله بذلك فى قوله تعالى: «لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط» سورة الحديد من الآية 25، ولا شك أن هذا يكشف عن أهمية العدل وأثره فى حياة الناس، ومن آثار العدل في حياة الناس أنه يعتبر من أقوي الدوافع التى تدفع الإنسان إلى السعى والإقدام على العمل بجد وإخلاص ومثابرة عليه، وذلك لأن الفرد يعتقد- إذا قامت الحياة فى المجتمع على العدل- إنه يأخذ حقه كاملاً ويجنى ثمرة جهده دون ظلم وهذا من شأنه أن يدفعه إلى مضاعفة الجهد كى يزيد أجره وهذا بالتالى يؤدى إلى زيادة الإنتاج وتحقيق الرخاء للمجتمع- ولما كان للعدل هذه الأهمية فإن الإسلام اهتم به اهتماماً كبيراً ويتجلى ذلك فى أمور أهمها ما يلى: 1-إن الله تعالى أمر الناس جميعاً به، بل إنه سبحانه أمر رسوله صلى الله عليه وسلم به، قال تعالى على لسان نبيه: «وأمرت لأعدل بينكم» سورة الشورى من الآية 15، والعدل واجب «وإذا قلتم فاعدلوا » سورة الأنعام من الآية 152 كما إنه واجب فى الحكم والقضاء قال تعالى: «وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل»  سورة النساء من الآية 58، وواجب مع الزوجات فى قوله تعالى : «فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة» سورة النساء من الآية 3.
2- إن الإسلام قد وضع للعدل مكانة كبيرة حين دعانا القرآن إلى وجوب التزامه حتى فى معاملة الأعداء يشير إلى ذلك  قوله تعالى: «إن الله يأمركم أن تؤدو الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل» سورة النساء من الآية 58، وقوله تعالى: «إن الله يأمركم بالعدل والإحسان وإيتاء ذى القربى» سورة النحل من الآية 90. كما أمرتنا السنة النبوية بالالتزام بالعدل وبيان فضله حين جعلت الإنسان العادل من السبعة الذين يظلهم الله فى ظله يوم لا ظل إلا ظله.

3- وقد أمر الإسلام بالعدل وحارب التفرقة العنصرية، وحدد حقوق الراعي والرعية وواجبات الحاكم والمحكومين، وأوجب الزكاة، وجبب في صدقة التطوع، وشرع الصيام ليشعر الغنى بالفقير، وأوضح حقوق الزوجين والأولاد، وفصّل أحكام المواريث وغير ذلك مما له أثره فى تأصيل قواعد العدل فى المجتمع. 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg