| 28 أبريل 2024 م

أراء و أفكار

د. عمار علي حسن يكتب: التجديد الإسلامي.. التصور والرجال "2-2"

  • | الأحد, 2 يوليه, 2017
د. عمار علي حسن يكتب: التجديد الإسلامي.. التصور والرجال "2-2"
د. عمار علي حسن

يحاول عبدالمتعال الصعيدى أن يثبت فى كتابه «المجددون فى الإسلام من القرن الأول إلى الرابع عشر» أن التجديد لا يجب أن يقتصر على الأمور المعنوية والرمزية بل يمتد إلى المسائل المادية، أى إن من الإجحاف أن تقتصر نظرتنا إلى المجددين على أنهم العلماء والفقهاء والمصلحون الاجتماعيون فقط، بل يجب أن تشمل الحركيين، ممن سعوا إلى تطبيق الإسلام، وتطوير الشرع، وإيجاد إجراءات تواكب الواقع المتغير باستمرار. ومن هنا فإن تاريخ التجديد فى الإسلام بالنسبة له هو «تاريخ نهوض المسلمين فى أمور دنياهم، قبل أن يكون تاريخ نهوضهم فى أمور أخراهم، ولا يجب أن نذكر فيه من المجددين إلا من يعمل لهذه الغاية، ولا نكتفى فيهم بما اكتفوا به فيهم من مجرد الشهرة فى العلم».

ولهذا يضع الصعيدى العديد من القادة والحكام والحركيين والثوار فى عداد المجددين، مثل الخلفاء الراشدين الأربعة، والحسين بن على وخالد بن يزيد وعمر بن عبدالعزيز، والخلفاء العباسيين المأمون والواثق والمهتدى، والسلطان العثمانى سليمان القانونى، والشاه عباس ونادر شاه، ومحمد على باشا وأحمد خان ومدحت باشا، وميرزا على محمد، وغلام أحمد، ومصطفى أتاتورك، وعبدالعزيز آل سعود. ويأتى لديه هؤلاء جنبا إلى جنب مع فقهاء وفلاسفة ومتصوفة وعلماء مثل الإمام الشافعى ومعروف الكرخى وأحمد بن حنبل والكندى والرازى وأبوالحسن الأشعرى والفارابى وإخوان الصفا وأبوحامد الغزالى وابن سينا وابن حزم وأبوالعلاء المعرى وابن رشد وفخر الدين الرازى والشريف الإدريسى وأبوالفرج بن الجوزى ونصير الدين الطوسى وابن تيمية وابن دقيق العيد ومحيى الدين بن عربى وابن خلدون وابن القيم الجوزية وأبواسحق الشاطبى وسراج الدين البلقينى وألوغ بك، والقاضى زكريا الأنصارى وابن الوزير اليمنى وشمس الدين الرملى ومحمد بن بير على البركوى وإبراهيم الكورانى والمقبلى اليمنى ومحمد بن عبدالوهاب ولى الله الدهلوى والشوكانى وجمال الدين الأفغانى ومحمد عبده ومحمد رشيد رضا ومحمد مصطفى المراغى.

ولا يعنى هذا أن الصعيدى يتفق مع كل هؤلاء فى جميع ما قالوه وفعلوه، بل هو يحرص على تخصيص مواضع ينتقد فيها بعضهم، ويفند فيها آراءهم ومواقفهم. لكنه اعتبر كل هؤلاء من المجددين باعتبار أن ما طرحوه، سواء وافق رأى جمهور العلماء أو خالفه، لاقى هوى الأغلبية الكاسحة من الناس أو خالفه، فإنه كان بمثابة الحجر الذى ألقى فى بحيرة الفقه الراكد فمنعها من التعفن، وجعل باب الاجتهاد مفتوحا، وخلق حالة من التحدى أمام العقل المسلم، جعلته يتوقد ويتفوق على نفسه أحيانا فى سبيل تحصيل إجابات على الأسئلة التى طرحا المجددون.

ويشدد الصعيدى على أن التجديد عملية مستمرة، لا نهاية لها إلا بقيام الساعة، ثم يدعو إلى إنهاء الأسباب التى حالت دون تدفق عملية التجديد واستقوائها، وقدرتها على مواكبة واقع يتغير باستمرار، ومنها الاستبداد السياسى، وعدم تشجيع الحكام لحركات الإصلاح، وقلة عدد المصلحين، وميل أغلب الناس إلى المقلدين والجامدين، ومحاربة أعداء الإسلام لحركة التجديد، حتى يصعب على المسلمين أن يستعيدوا مجدهم الضائع.

ولم يقتصر الحديث عن التجديد على المنتجين للمعرفة الإسلامية وخطابها بل كان شغلا لكثيرين من الكتاب والمفكرين العرب، قوميين وليبراليين. فعلى سبيل المثال لا الحصر، هاهو زكى نجيب محمود ينشغل بقضية «تجديد الفكر العربى» ويتحدث عن «قيم من التراث» «والمعقول واللامعقول فى تراثنا الفكرى» بعد سنوات أمضاها فى التتيم بالفكر والفلسفة الغربية، وكان يعتقد أن سواها لا يستحق النظر أو التقدير. فلما أتيح له أن يطلع على قسط وافر من التراث العربى الإسلامى، وجد أن فيه ما يجب الالتفات إليه، والعناية به، بغية تجديده ليكون ملائما لواقعنا المعيش، وراح يدلو بدلوه فى هذا الأمر، ويعطيه ما يكافئه من التفكير والإنتاج المعرفى.

لكن مصطلح التجديد عاد فى تجليه الأخير إلى الخلف خطوات عديدة ليتركز حول «تجديد الخطاب الدينى»، وإن كان هذا الرجوع لا يخص إلا فريقا، ولا يغلق الباب أبدا أمام من يرفعون سقف التجديد إلى مستويات أعلى، كما فعل الخولى والصعيدى والبنا. وقد نشطت المؤسسات الدينية عقب حادث 11 سبتمبر، وصدرت عدة كتب فى وقت قصير منها «تجديد الخطاب الدينى» لسالم عبدالجليل، و«تجديد الخطاب الدينى الفكرى والدعوى» للسعيد محمد على، و«دليل الإمام إلى تجديد الخطاب الدينى» لعدد من العلماء والشيوخ والباحثين.

وكانت الأهداف المعلنة لهذا التوجه تتمثل فى إعادة تشكيل وعى المسلم وفهمه وتصوراته ورؤاه وفق الوحى والعقل معا، لإعادة بعث النموذج الإسلامى المفقود وفق مقتضيات الحاضر ومتطلبات الأمة، واستلهام سنن التغير والتطور من التاريخ الإسلامى، وإنزال الفقه على الواقع، وإفساح مجال الاجتهاد، وتعليم الناس جوهر الدين وحقيقته بعد أن حادوا عنه، واختلت لديهم الموازين فجعلوا الفرض نافلة، والنافلة واجبا، وإبراز الوسطية الإسلامية، وتنقية التراث.

ومع هذا فإن تلك العودة إلى الوراء لم تكن سلبية خالصة، لأمرين أساسيين، الأول أن من طالبوا بالتجديد وقفوا إما عند المفاتيح أو المبادئ الأولية، وإما أخفقوا فى إعادة تركيب ما فككوه، وتقديم بناء نظرى متماسك يكافئ الطموحات التى طرحوها حول التجديد، ولذا أعطوا فرصة لمنتقديهم أن يطلقوا عليهم لقب «المبددين» وليس «المجددين». والثانى أن الطور الأخير للتجديد بدا واسعا ومتنوعا وشاركت فيه جماعات علمية ومجموعات بحثية متنوعة المشارب والمناهل والتوجهات العلمية، حيث لم تقف عند حدود المهتمين بعلوم الدين، بل امتدت إلى علماء الاجتماع والسياسة والفلسفة والتربية والأدب والتاريخ، سواء كانوا مسلمين أم مستشرقين. لكن هذا الجهد لا يزال يقع تحت طائلة رد الفعل على مطالبة الغرب لنا بتجديد خطابنا، ما ينال من قوته وتأثيره كثيرا، ويفتح الباب أمام التشكيك فى مقصده ومآله.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg