| 27 أبريل 2024 م

أراء و أفكار

د. سامح فوزي يكتب "كلمة حق": المجتمع العليل

  • | السبت, 8 يوليه, 2017
د. سامح فوزي يكتب "كلمة حق": المجتمع العليل
د. سامح فوزي

تستعير العلوم من بعضها البعض مصطلحات تمنحها جنسيتها، وتضمها إليها. أحد أبرز هذه المصطلحات «الجسد»، الذى يعتبر من صميم العلوم الطبيعية، لكن استعارته العلوم الاجتماعية، وجعلته أحد مصطلحاتها. نسمع من يقول «الجسد السياسى»، أى المجتمع بمواطنيه ومؤسساته، وهناك من يستخدم مصطلح «الجسد الاجتماعى»- وتعنى حالة المجتمع ككل، صحة ومرضا.

المجتمعات مثل الاجساد البشرية، هناك جسد اجتماعي صحيح، متعاف، لديه مناعة. وفى المقابل، هناك جسد اجتماعى عليل، مريض، مصاب بضعف المناعة.

وكما أن الجسد البشرى إذا أصابه مرض يحتاج إلى تدخل جراحى أو دوائى، فإن الجسد الاجتماعى يحتاج أيضاً إلى تدخل دوائى متدرج أو باتر عن طريق مبضع جراح، المهم أن يتخلص من دائه. الفارق الأساسى بين الجسد البشرى والجسد الاجتماعى هو فى دقة التشخيص.

فى عالم البشر تقدم معامل التحاليل والأشعة عونا كبيرا للطبيب فى تشخيص الداء، وبالتالى اقتراح الدواء. أما فى الجسد الاجتماعى فإن الداء عادة ما يكون معقدا، تتداخل فى صناعته عوامل متعددة، مما يجعل الدواء مركبا، وقد يكون هناك دواء ملائم وآخر غير ملائم تبعا لدقة التشخيص، وهو ما يقوم به باحثون اجتماعيون. كلما كان حال البحث الاجتماعى متقدما، كان التشخيص قريبا من الدقة، والتدخلات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية المقترحة ذات تأثير وفعالية. أحد الأمراض، وربما أخطرها، التى يعانى منها الجسد الاجتماعى فى مصر ما نسميه «الانفصال الاجتماعى»، أى انعزال الشخص، واكتفائه بالحوار مع ذاته عبر وسائل التواصل الاجتماعى.

أزمة كبيرة أن نلجأ إلى عالم افتراضى حتى نفر من عالم واقعى، والسبب أن الناس لا تعرف كيف تستمتع بالواقع الذى تعيشه. بات الإنترنت فى أحيان كثيرة بمثابة مخدر إلكترونى، ترامادول افتراضى، ساحة تنفيس، مجال لاستنشاق هواء مغاير. أعرف أسرا بدأت تشكو أن أبناءها انفصلوا عن الواقع، ولم تعد الحياة بالنسبة لهم سوى شاشة يجلسون أمامها، أو هاتفا محمولا يمسكونه فى أيديهم، بينما شواغل الحياة لم تعد فى مخيلتهم. وأعرف أيضاً أسرا تشكو الزوجة بأن زوجها مستغرق فى «الشات» أو الحكايات والتواصل، أو التقليب فى مواقع الإنترنت أو إرسال الرسائل المستمرة للأصدقاء.ينزوى وحده فى ركن من أركان المنزل، بينما يجلس أبناؤه فى أركان أخرى دون حوار..  المجتمع واقع حى ملموس، وليس سباحة إلكترونية.

التواصل مع العالم الافتراضى أحد مميزات العصر، ولكن لا يجب أن تحرمنا من التفاعل الإنسانى المباشر، وهو ما يتحقق من خلال المشاركة، سواء الاجتماعية (التنمية، المشروعات الإنسانية، جهود التغيير الاجتماعى)، أو السياسية (المشاركة فى عضوية الأحزاب، والجمعيات، والنقابات، والمشاركة فى الانتخابات العامة)، أو الثقافية «الارتباط بالحركة الثقافية من خلال الاطلاع على المنتجات الثقافية المتنوعة من كتاب، مسرح، وسينما، وآدب وشعر. الواقع لا يتغير بالهجرة إلى عالم تخيلى افتراضى، ولكن من خلال الالتحام الواقعى مع الحياة».

تحد قاس، ينبغى أن نخرج منه، ولا سبيل سوى أن نزرع المشاركة فى وجدان طلاب المدارس بما نطلق عليه «التربية المدنية».

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg