| 02 مايو 2024 م

أراء و أفكار

د. عمار علي حسن يكتب "تجديد": سنة أولى إخوان

  • | الثلاثاء, 1 أغسطس, 2017
د. عمار علي حسن يكتب "تجديد": سنة أولى إخوان
د. عمار علي حسن

بعد أربع سنوات على سقوط حكم جماعة الإخوان لا تزال أسرار سنة حكمهم المريرة تتوالى، بعضها تكشفه الأجهزة الأمنية، وبعضها يظهر فى ثنايا تحقيقات يجريها القضاء حول اتهامات متنوعة، وبعضها يكتبه أعضاء ينشقون تباعا عن الجماعة، وتلتقطهم وسائل الإعلام، وهناك شهادات يكتبها غيرهم سواء من منافسيهم الحزبيين، أو النشطاء السياسيين، إلى جانب الكتاب والصحفيين.

فى هذا الإطار، لم يستطع الأستاذ سعد القرش، الروائى والكاتب الصحفى، أن يقف صامتا حيال الزلزال الرهيب الذى هز مصر، بل تنقل بين الميدان والمكتب، ناهلا مما يجرى بين الناس وما استقر فى رأسه من فهم وعلم ودراية وما عركته تجربته الذاتية الخالصة، ليسطر، بلغة أدبية فياضة، ثلاثة كتب ولدت تباعا هى «الثورة الآن.. يوميات من ميدان التحرير» و«أيام الفيس بوك.. مسائل واقعية فى عالم افتراضى» ثم جاء كتابه الثالث: «سنة أولى إخون.. وقائع وشهادة على 369 يوما قبل اختفاء التنظيم»، ليغطى به سنة حكم جماعة الإخوان، ويهديه إلى «شهداء الثورة، وجرحاها.. مصابين وقابضين على الحرية، مراهنين على استكمال الطريق، وإلى أرواح الشيخ محمد عبده ويحيى حقى وطه حسين وجمال حمدان ويوسف إدريس.. وأرواحنا»، ويبدأه بعبارة دالة للصوفى الكبير النفري تقول: «إنما أحدثك لترى، فإن رأيت فلا حديث».

ويفاجئنا القرش بحكاية تحت عنوان «فتى يبحث عن يقين» تبين أنه كان من الممكن أن ينضم يوما إلى صفوف جماعة الإخوان، ففى أول الصبا قرأ لأقلام من الجماعة فاهتز قلبه وفاض وجدانه وتعاطف معها، سالكا الطريق الذى قاد كثيرين إلى قلب الإخوان، حين واصلوا السير فيه مستسلمين لما طالعوه أو مصدقين إياه أو متواطئين معه، وهنا يقول: «فى أبريل 1979 جمادى الأولى 1399، وقفت ببداية طريق كان يفترض أن ينتهى بى إلى مكتب الإرشاد، اشتريت مجلة (الدعوة) الشهرية الناطقة باسم جماعة الإخوان». ليخرج القرش من هذه التجربة مدركا الأسباب والدوافع والخلفيات التى تجعل الإخوانى على الهيئة التى ظهر عليها بعد ثورتى يناير ويونيو، فها هو يقول: «يتأكد لى الآن كيف تكونت عقيدة فتى فى الثالثة عشرة، رأى العالم، كما يريد له الإخوان، مجرد فساطاطين، مسلم ينتمى بالضرورة إلى جماعة الإخوان، وآخر مسلم لا ينتمى إلى الإسلام الحق من وجهة نظر الإخوان، أو غير مسلم». وبعد هذه السنين الطويلة يقول: «إعادة قراءة مجلة الدعوة الآن تجعلنى أكثر إشفافا على أى إخوانى، باستثناء القيادات التى تتخذ الجماعة والدين قناعا لتوجه رأسمالى متوحش».

وأتصور أن هذه التجربة الذاتية مهمة وكاشفة، لأنها تكررت فى حياة الملايين ممن حاول الإخوان أن يصطادوهم فى ميعة الصبا، ولكل منهم حكاية، داخل أسوار المدارس أو فى حرم الجامعات أو مبانى المدن الجامعية أو المساجد ومعسكرات الكشافة والأندية الاجتماعية والرياضية والجمعيات الخيرية. بعضهم استجاب، لاسيما أولئك الذين لم يمتلكوا عقلا نقديا أو تميل نفوسهم إلى التعصب أو من وجدوا الرعاية المادية فى كنف الجماعة، أو من ظنوا أن بقاءهم فى صفوف الإخوان يمنحهم فرصة الدفاع عن الدين فى وجه المتربصين به من كل جانب، كما صور لهم قادة الجماعة، وبعضهم غادر هذه المرحلة غير آسف عليها، ومن بينهم كتاب ومفكرون كبار نقدوا الجماعة بشدة، ويتذكرونها الآن، بعد كل ما جرى، بمزيد من التأمل والتدبر، مثلما فعل القرش، وهؤلاء لم تكسبهم الجماعة، ولم تكن حريصة عليهم لأنهم لن يمتثلوا لمبدأ السمع والطاعة ويجاروا ما يتم ويكونوا مع القطيع، ولهذا صار تنظيم الإخوان بمرور الأيام جسدا هائلا بلا عقل، ودفع ثمنا باهظا، كما رأينا ونرى، واستحق بالفعل اللقب الذى كان يطلق عليها دوما بأنه يمتلك «جسم فيل وعقل عصفور».

لم يكتف الكتاب، الذى صدر عن الدار المصرية اللبانية، بهذه التجربة، التى احتلت نحو خمس صفحاته المائة والأربعة والسبعين، بل راح يوثق أحداثاً كان الإخوان طرفا فيها أو تماسوا معها منذ جمعة الغضب 28 يناير 2011 حتى يوم إسقاط حكم مرسى فى 3 يوليو 2014 بعد ثورة شعبية ثانية. ولم يستسلم الكاتب للتصورات الجاهزة التى تقول بأن الإخوان قد انحرفوا عن طريق مؤسسهم واقعين فى فخ أفكار سيد قطب المتطرفة والمتزمتة والتى مثلت إطارا لأعمال عنف وإرهاب، بل يرى أن الدودة فى أصل الشجرة، وأن أفكار البنا نفسها خلقت أرضية لهذا العنف وذاك التعصب، وهنا يستعرض الكاتب ما فعله التنظيم الخاص، الذى أسسه البنا نفسه ووضع لائحته الداخلية، من اغتيال معارضين للجماعة وهنا يقول فى عبارة لافتة: «كشفت الكلمات عما يدور فى الصدور، فلم تكن الدولة والشعب والثورة من مفردات جماعة كان سيد قطب نفسه يرى أن مؤسسها حسن البنا نسخة عصرية من مؤسس حركة الحشاشين الإسماعيلية».

ما يميز كتاب الصديق سعد القرش، هو أنه يزاوج فى توثيقه بين ما رآه عيانا بيانا وما سمعه بأذنه همسا وصراخا، وشارك فيه عن رغبة ورضا، وبين ما كتبه آخرون فى الصحف أو الدراسات والكتب أو ما قالوه له فى جلسات ولقاءات خاصة، وهو المنهج ذاته الذى اتبعه فى كتابه «الثورة الآن»، تلك الثورة التى جذبت أديبا، أنتج خمس روايات ومجموعتين قصصيتين، ليكتب عنها ثلاثة كتب، محاولا بها أن يلاحق أحداثها التى تتدفق بلا هوادة، وجعلته يعود إلى كتب ومراجع ولا يكتب بشكل انطباعى، أو بطريقة باردة، بل ينسب الكثير إلى الإخوان أنفسهم كى يدينهم، منطلقا فى خاتمة المطاف من أن وصولهم إلى الحكم ربما كان رحمة بمصر والعالم العربى، لأنهم انكشفوا فى الوقت المناسب قبل أن يتمكنوا من المجتمع تماما، وهو ما يعبر عنه قائلا: «خرجنا من تجربة الإخوان جرحى، وربما يستمر النزيف بعض الوقت، تلك ضريبة الاختيار بين التنظيم والدولة، كان عام حكم الإخوان فاتحة خير»، ثم يقتبس عن عباس العقاد عبارة وردت فى كتابه الشهير «إبليس» تقول: «يوم عرف الإنسان الشيطان كانت فاتحة خير.. كانت فاتحة خير بغير مجاز وبغير تسامح فى التعبير».

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg