| 02 مايو 2024 م

أراء و أفكار

الدكتور جمال سعد محمود يكتب "في المليان": قيمة الصدق وأثره في بناء الفرد والمجتمع

  • | الثلاثاء, 1 أغسطس, 2017
الدكتور جمال سعد محمود يكتب "في المليان": قيمة الصدق وأثره في بناء الفرد والمجتمع
د. جمال سعد محمود

الصدق فضيلة من أهم الفضائل التى يقوم عليها صلاح الفرد والمجتمع, وقد عرفه علماء الإسلام بأنه «الإخبار عن الشىء بما هو به، كما عرفه علماء اللغة بأنه مطابقة الخبر للواقع»، وهذا التعريف وإن صح لغوياً لا يصح فى علم الأخلاق ذلك لأننا لا نتكلم عن حقيقة الشىء المخبر به مجردة عن كل اعتبار، ولكننا  نتكلم عن حقيقة ذلك الشىء بالنظر إلى اعتقاد الشخص المخبر وهذا هو المعتبر فى الصدق كفضيلة وليس كلفظ مجرد من ألفاظ معاجم اللغة، كما عرفه الإمام القشيرى إيضاً بقوله «إن الصدق هو موافقة السر النطق، وإن أقل الصدق استواء السر والعلانية، والصادق من صدق فى أقواله، والصديق من صدق فى جميع أقواله وأفعاله وأحواله».

وقد ذكر الإمام الغزالى أن «من حفظ لسانه عن الإخبار عن الأشياء على خلاف ما هى عليه فهو صادق».

وينبغى أن نشير إلى أن هناك فرقاً بين الصدق والحق، ذلك أن الصدق يقتضي التطابق بين الاعتقاد والتعبير، وقد يكون ذلك متفقاً مع الواقع الحقيقى وقد يكون مخالفاً له، أما الحق فإنه يقتضي التطابق بين الاعتقاد والواقع، وقد أشار أحد العلماء إلى نقطة مهمة تلقى الضوء علي الفرق بين الصدق والحق، فذكر أن «الحق هو الحكم المطابق للواقع، ويقابله الباطل، وأما الصدق فقد شاع فى الأقوال خاصة ويقابله الكذب» ولكن إذا كان هناك فرق بين الصدق والحق فهذا لا يعنى أن الصلة بينهما منقطعة تماماً، وإنما الصلة بينهما قائمة، وهى صلة وثيقة لأن الصدق يستند إلي الحق لأنه بدون الاعتماد علي الحق يفقد كثيراً من قيمته ويصبح فضيلة شكلية، لأنه عندئذ يقوم على معرفة غير مطابقة للواقع ويؤدى إلى تضليل الآخرين بتقديم معرفة غير صحيحة لهم، أما إذا قام الصدق على الحق أى المعرفة الصحيحة التى تطابق الواقع فإنه يقدم للآخرين الخير الذى يتمثل فى المعرفة الصحيحة التى تنفعهم، وهذه الصلة الوثيقة بين الصدق والحق هى التى أدت إلى الخلط بينهما حتى إننا نجد كثيرين لا يلمحون الفرق بينهما، ومهما يكن من أمر فإن الصدق يشيع غالباً فى الأقوال والأفعال، وقد يكون بالإشارة والإيماء بالرأس ونحوهما، وقد يكون بالسكوت من غير قول ولا فعل، والصدق من الفضائل الأساسية التى تجب على الإنسان، وقد حث عليها الإسلام وأمر بها، قال تعالى: «ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً» سورة الأحزاب: 70.

وقال تعالى: « ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين» سورة التوبة:119، والصدق من مكارم الأخلاق التى أثنى الله تعالي بها على أنبيائه فقال تعالى: «واذكر فى الكتاب إبراهيم إنه كان صديقاً نبياً» سورة مريم: 41، وقال عز من قائل: «واذكر فى الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبياً» سورة مريم:54، وقد مدح الله تعالى الذين تحلوا بها فقال: «من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه» سورة الأحزاب: 23، ويقول عز وجل: «والذى جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون» سورة الزمر: 33، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الصدق يهدى إلى البر والبر يهدى إلى الجنة، وإن الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا وإن الكذب يهدى إلى الفجور والفجور يهدى إلى النار ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذاباً» أخرجه الإمامان البخارى ومسلم فى صحيحيهما، وروى صفوان بن سليم قال: قيل للنبى صلى الله عليه سلم: «أيكون المؤمن جباناً؟ قال : نعم: قيل أيكون بخيلاً؟ قال نعم: قيل: أيكون كذاباً قال لا» أخرجه الإمام مالك فى الموطأ. ولقد كانت فضيلة الصدق مند القدم خلق الأنبياء والحكماء الأفاضل، وقد كان أول جهر النبى صلى الله عليه سلم بالدعوة معتمداً على الصدق الذى عرف به بين قومه، إذ قال لهم: «أرأيتم لو أخبرتكم أن خلف هذا الوادى خيلاً تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقى؟ قالوا نعم ما جربنا عليك كذبا، قال إنى نذير لكم بين يدى عذاب شديد» أخرجه الإمام أحمد فى مسنده، والصدق مصدر من مصادر طمأنينة النفس والقلب، أما الكذب فإنه يوقع الإنسان فى القلق والحيرة والشك وسوء الظن، روى أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «دع ما لا يريبك إلى ما لا يريبك فإن الصدق طمأنينة والكذب ريبة» أخرجه الإمام الترمذى فى سننه.

ومعناه أن يترك الإنسان كل ما يشك فى أنه من الحلال ويتوجه إلى الأمور التى لا شائبة فيها من حرام.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تحروا الصدق وإن رأيتم فيه الهلكة فإن فيه النجاة وتجنبوا الكذب وإن رأيتم أن فيه النجاة فإن فيه الهلكة» الحديث أورده الإمام المنذرى فى كتابه الترغيب والترهيب.

ويعتبر الصدق من أعظم الفضائل لأنه أهم الأسس التى تقوم عليها المجتمعات الفاضلة ولولاه ما بقى المجتمع يتسم بالرقى والفضيلة ذلك لأنه لابد للمجتمع من أن يتفاهم أفراده مع بعض ومن غير التفاهم لا يمكن أن يتعاونوا ويتجلى ذلك فى المجتمعات الصغيرة كالأسرة منبت الطفل وبيئته الأولى والمدرسة مقر غذاء عقله وتثقيفه فكلاهما لا يؤدى رسالة كاملة إلا بالصدق الذى يجب أن يكون دعامته الأولى.

والمجتمع الذى ينفث فيه الكذب سمومه فإنه يعود عليه من الضرر بقدر ما فيه من الكذب وقد يبقى إذا غلب فيه الصدق على الكذب ولكنه يكون فاسداً منحطاً، وهل هناك أدل على ضرورة الصدق من أن أكثر المعلومات التى تناهت إلينا عن طريق الكتب والسماع سداها الصدق ولحمتها الحق، وعليها نعتمد فى معاملاتنا وتصرفاتنا؟

ولو أن يد الكذب عبثت به لكانت النتيجة شراً وضلالاً ولأصبحنا فى حاجة إلى تحقيق جديد وتجربة أخرى، والعمر أقصر من أن يتسع لتجربة كل شيء، ومن هنا نستطيع أن نقول: إن الصدق فضيلة أساسية ضرورية للاجتماع الإنسانى ولولاها لما قامت شريعة ولا استنارت سبل الهداية ولا دون علم ولا ارتقى فن.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg