| 03 مايو 2024 م

أراء و أفكار

أحمد الصاوي.. يكتب: زمن الاحتياج العربي لـ "زايد"

  • | الجمعة, 11 أغسطس, 2017
أحمد الصاوي.. يكتب: زمن الاحتياج العربي لـ "زايد"
أحمد الصاوي .. رئيس تحرير جريدة صوت الأزهر

نادرون هم الرجال الذين لا يُختلف عليهم، والأندر أن يكونوا قادة سياسيين فى منطقة زاخرة بالجدل والاستقطاب والمعارك الكلامية كتلك المنطقة العربية التى أعياها الكلام، وأرهقها التلاسن، وتكاد تقضى عليها المحاولات المدعومة من كيانات داخلها لتفتيتها.

فى مقابل منطق التفتيت الذى تسعى إليه بعض الكيانات العربية لتستمد من هذا التفتيت والتشرذم أهميتها ونفوذها وقدرتها على الحركة، يقف منطق الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، الذى تمر هذا العام الذكرى المائة لميلاده، صامداً بالواقع والتجربة التى تؤكد أن الوحدة ليست مستحيلة، وأن الفطرة السوية للحاكم الرشيد تنزع نحو الإعمار والبناء والتشبث بكل ما يجمع ونبذ كل ما يُفرق.

عربى كنت أم غير عربى، إذا ما وضعت يدك فى هذه المنطقة فلابد أن تتحسس أثره، وإذا ما نظرت فى أى بقعة حولك من المؤكد أنك سترى هذا الأثر، وستعرف أن 100 عام على ميلاد زايد، ليست مناسبة إماراتية محلية، وإنما مناسبة عربية، فإذا كان العام المقبل هو عام زايد فى الإمارات، فإنه عامه أيضاً فى مصر وفى كل بقعة عربية لديها الإحساس بالحاجة لمنطقه الراسخ فى دعم بناء الأوطان وتلاحمها، وشجاعته فى الدفاع عن هذا المنطق، وحكمته فى الاستغلال الأمثل والرشيد لموارد لم يعتبرها يوماً إرثاً شخصياً هدفه بناء الإمبراطوريات والعبث بالخرائط، وإنما قال كلمته الشهيرة: «لا فائدة من المال إذا لم يسخر فى خدمة الشعب»، وفى قوله هذا لم يكن يقصد شعب الإمارات فحسب، وإنما كل شعوب المنطقة التى نالت من هذا الاستثمار الإنسانى النبيل فى التنمية والعمران الذى صنعته رؤيته الإنسانية.

هو رجل غير مختلف عليه، لذلك تكون الكتابة عنه واثقة، ثقة قائد استثنائى لم يمر من هنا ككل الناس، إنما كان مروره ملحمة بناء وانتقال من حال لحال، طارد خلالها حلماً ربما كان مستحيلاً بمعايير زمانه وزماننا الجديد معاً، حتى طوعه وروضه فصار حلماً طيعاً متجسداً فى دولة الاتحاد وعمرانها، وترك من ورائه العمل الصالح كما يجب، تنمية وعمراناً وتسامحاً وسلاماً، تساقطت ثماره على بلاده ومنطقته ووطنه العربى الكبير وعلى العالم أجمع.

لم يروض الصحراء بالمال وحده وإنما بالبشر.. لو أن هناك معجزة على هذه الأرض، فلا أهم من قدرته على الاستثمار فى البشر، ولأنه وضع المال فى خدمة الإنسان، كان بناء هذا الإنسان أولويته الكبرى، فأدرك أهمية الإنسان فى بناء الدولة وعمل على تطوير المواطن وتأهيله وتعزيز كفاءته وتزويده بجميع الخدمات التعليمية والصحية والمادية. كانت الوحدة بالنسبة له ليست مجرد شعار يُردد فى الخطابات الحماسية، وإنما كيان ساهم فى بنائه حجراً حجراً، مستوعباً خصوصية التجربة، وخصوصية المنطقة، وخصوصية التركيبة السكانية، فصنع وحدة تُرضى الناس ويرضون عنها، تصمد أمام الأنواء العاصفة وما أكثرها فى هذه المنطقة.

بنى زايد الوحدة بطريقته التى ضمنت لهذه الوحدة البقاء والاستمرار والنمو والتطور والصمود فى مواجهة عواصف التفتيت التى هبت على المنطقة كلها، وتجلت عبقريته الكبرى فى تحويل الولاء فى بلاده من القبيلة والمشيخة إلى الولاء للدولة وكيانها الاتحادى، وانطلاقاً من تلك التجربة الرائدة، مضى يحاول جمع الشمل وتوحيد الكلمة، مؤمناً بحاجة العرب لتضامن حقيقى يتجاوز الشعارات.

كانت كل مقادير المنطقة تثبت صدق إيمانه بالوحدة والتضامن. حتى إن نبوءته تحققت حين قال: «إن لغة التوتر والحرب وفشل المنطقة فى حل خلافاتها بالطرق السلمية سيستدعى عاجلاً أو آجلاً التدخلات الأجنبية للمنطقة من جديد».

وصدقت نبوءته، ما يجعل مناسبة عام زايد فرصة حقيقية لإعادة التدبر فى تجربته، السياسية والتنموية، ومنهجه الذى لا خلاف عليه فى تقديم الحلول السياسية للأزمات، والحوار، والبحث عن المشتركات وتنميتها، وإدارة الاختلافات برشد حقيقى، يعلى من المصالح المشتركة لأمة عربية آمن بها وعمل من أجلها بهدوء ودون صخب شعبوى، بالتوازى مع استثمار فى التنمية والعمران والتعليم فى كل أرجاء العالم العربى، وفى القلب منه مصر التى كانت قطعة من قلبه بقيمتها وتاريخها ووزنها وشعبها وأزهرها أورثها أبناءه، فصانوا الإرث.

زايد منا أهل مصر، والاحتفال بمائة عام على ميلاده فرصة للتدبر فى قدرة الحكام الملهمين على نقل شعوبهم من حال لحال، وتغيير الواقع الجاف الصعب بمفهوم واضح اسمه «الحكم الرشيد»، وهى تجربة تبدو رغم مرور مائة عام على الميلاد، وستة عقود على الحياة السياسية صالحة للاستلهام، ومُستمدة من احتياج يعرفه الحكام والمحكومون اليوم فى وطننا العربى المنهك بغياب الحكمة والحلم المشترك.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
1.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg