| 03 مايو 2024 م

أراء و أفكار

أسامة غريب.. يكتب: أنانية مفرطة

  • | الأربعاء, 9 أغسطس, 2017
أسامة غريب.. يكتب: أنانية مفرطة
أسامة غريب

بعد التخرج فى الجامعة كان يشاركنى حلم عبور البحر والسفر لبلاد الشمال الكثير من الأصدقاء، وكان من بينهم واحد هو الأكثر قرباً من الجميع، حيث كان رفيق دراسة، وجار سكن فى الوقت نفسه، لذا فقد استرحت إلى أن يكون هو رفيقى فى الهجرة إلى أمريكا لنبدأ حياتنا هناك بعيداً عن بلاد وصفها نزار قبانى بأنها بلاد القهر والكبتِ وبأنها شبعت من الموتِ.

فى السفارة الأمريكية عرفنا أن العاطلين عن العمل يصعب جداً أن تكون لهم فرصة فى الحصول على التأشيرة، وأن المسألة تقتضى أن يكون للشخص عمل واضح ووظيفة مستقرة تمنحه دخلاً ثابتاً ينفى عنه مظنة نية الاستقرار هناك وعدم العودة. ولما كنا لا نخلو من مواهب، فلم يكن الحصول على وظائف جيدة أمراً صعباً، فوجد كل منا وظيفة معقولة ذات راتب ثابت يُرضى موظفى القسم القنصلى بالسفارة. بعد ذلك أخذنا نجتهد فى محاولة جمع مبلغ من المال يساعد فى إتمام رحلة العمر المرتجاة.كان حلم السفر لصيقاً بالجمجمة، ننام ونصحو عليه، لدرجة أننا كنا على استعداد لخوض كل ما هو ممكن لتأهيل نفسينا للحصول على التأشيرة الذهبية.

ولكن قد يبرز هنا شىء من الضرورى ذكره، هو أن الإنسان لا يشبه الروبوت، لكن له مشاعر وعواطف ونزعات، لذلك فإنه من الطبيعى بعد أن يستقر الشخص فى عمل ويذهب إليه كل يوم أن يصير لديه ارتباط بالمكان والناس، وتتكون لديه صداقات، وأن يدخل فى تحديات يثبت بها تفوقه على أقرانه، وهذا كله من شأنه أن يدعم فكرة الاستقرار والبقاء ونبذ حلم السفر الذى كان الداعى الأساسى لقبول هذا العمل!. لهذا فإننى كنت دائم التذكير لنفسى بالهدف الأصلى من الاشتغال بهذه الوظيفة حتى لا أسرح وأجد نفسى متورطاً فى حبها والارتباط بها، وكنت كذلك عند لقاء صديقى أسأله لأتأكد إذا كان لا يزال على العهد وفياً لفكرة الهجرة أم أن الاستقرار الوظيفى قد أنساه إياها. لم أكن لألومه لو أنه تعلق بموقعه لأننى أنا نفسى كنت قد أصبت نجاحاً وتقديراً جعلنى أراجع الأمر وأقلبه من حين لآخر.. لكنه كان على العكس منى صلباً لا يلين، وأكد لى أنه لن يهدأ حتى يصير من رعايا الرئيس رونالد ريجان (الرئيس الأمريكى وقتها).

كنا فى هذه الأثناء نتابع أخبار من سبقونا من الأصدقاء وانتشروا فى الولايات المختلفة، فكان منهم من وجد عملاً وزوجة وأسس بيتاً مستقراً وحياة معقولة، ومنهم من ينتظر، كما أن من بينهم من انجرف فى سكة الجريمة ودخل السجن!.

بعد مضى عامين رأيت أن الوقت أصبح مناسباً لنشد الرحال إلى نيويورك، فجلست مع صديقى من أجل وضع اللمسات الأخيرة قبل السفر، ولقد استبشرت عندما أخبرنى أن لديه خطة محكمة تضمن لنا النجاح ولا تجعلنا عرضة لتقلبات الظروف فى الغربة.. سألته عن خطته فقال: خطتى هى ألا نضع البيض كله فى سلة واحدة. قلت: بمعنى؟. أجاب: لا نسافر معاً، بل يسافر أحدنا فى البداية يستكشف الوضع ويسعى لترتيب سكن وعمل مناسب لكلينا، وبعدها يخطر صاحبه ليلحق به. سألته فى دهشة: أجاد أنت فيما تقول؟. قال: كل الجد. قلت له: وهل قررت أن تسافر أنت أولاً لتستكشف الأوضاع وتمهد الأرض ثم تخطرنى لألحق بك؟ قال: بل تسافر أنت أولاً لأننى أخشى أن يفصلونى من وظيفتى إذا انقطعت عنها!. قلت له مصعوقاً: إن الأمر نفسه ينطبق عليّ، ثم ما أهمية ذلك؟ هل نسيت أننا ما سعينا لهذه الوظائف إلا لنتأهل للحصول على التأشيرة التى تسمح لنا بالسفر؟.. قلت هذا ثم أضفت حانقاً: بإمكانك أن تبقى هنا فى وظيفتك وتنسى أمر السفر وتتعلل بأن الوظيفة جرفتك فغيرت رأيك.. بإمكانك أن تصارحنى بهذا وسوف أتفهم ولن أغضب، لكن ما يفجعنى هو أنانيتك ورغبتك فى أن تغامر بى وتجلس أنت فى الأمان تنتظر النتيجة، فإذا أصبتُ نجاحاً هرعتَ لتشاركنى فيه وإذا أخفقت دفعتُ الثمن وحدى.. ما أبأسك وما أشقاك.. هل ظننت نفسك خطيبتى أو زوجتى حتى أتغرب وأتعب فى ترتيب بيت جميل وحياة معقولة ثم أبعث فى استدعائك؟!.

اشمئزازى من نذالته جعلنى أصرف النظر عن فكرة السفر من أساسها فتغيرت حياتى وأخذت مساراً مختلفاً تماماً.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg