| 03 مايو 2024 م

أراء و أفكار

الدكتور جمال سعد محمود يكتب: أهمية الأخلاق وأثرها في بناء الفرد والمجتمع

  • | الثلاثاء, 15 أغسطس, 2017
الدكتور جمال سعد محمود يكتب: أهمية الأخلاق وأثرها في بناء الفرد والمجتمع
د. جمال سعد محمود

لقد كان الهدف الأسمى الذى تصنعه الأخلاق هو أنه يرد للإنسان كرامته ويحرك ما فيه من عنصر سمو وجلال ويسمو به فوق المستوى الطبيعى البحت، إلا أن ذلك لا يتحقق على الوجه الأكمل إلا إذا كانت هذه الأخلاق مستوحاة من الدين، وقائمة على أساس من العقيدة الصحيحة التى تتمثل فى الإسلام وإذا كان الإنسان فى حاجة إلى الأخلاق فإن المجتمع لا يقل عنه فى حاجته إليها، فكما أن الفرد يصيره ويفسده أن يكون كاذباً حسوداً فاتناً ماكراً ظالماً كذلك يفسد المجتمع بشيوع هذه الصفات بين أفراده ومعنى هذا أن للأخلاق آثارها على المجتمع كما أن لها آثارها على الإنسان أو الفرد فالمجتمع مجموعة من الأفراد إن حسنت أخلاق كل فرد حسنت أخلاقه الفاضلة وتحققت سعادته ولذا فإن قادة الإصلاح وفلاسفته يدعون أول ما يدعون إلى الأخلاق الفاضلة لأنها الدعامة الأولى فى بناء كل مجتمع سليم ولم يبالغ «شاتو بريان» حين قال «الأخلاق أساس كل مجتمع» لأن سعادة المجتمعات والأمم تتحقق بأبنائها الذين تثقفت عقولهم، واستنارت بصائرهم واستقامت أخلاقهم ففى هؤلاء سعادتها الحقة.

ومهما يكن من أمر فإن الأخلاق وخاصة فى الإسلام وسيلة للتنسيق بين الرغبات المختلفة للأفراد الآخرين ولو تركنا لكل فرد أن يحقق رغباته بصرف النظر عن رغبات من حوله، لوقع الصدام الحتمى والتعارض الضرورى بين الأفراد وتفتت وحدة الأمة أو المجتمع وانقلب إلى مجموعة من المتصارعين بل لعجز كل فرد عن أن يدبر شئون نفسه ولذا تحتم أن يتنازل كل فرد عن بعض مطالبه أو منافعه رجاء التمتع بقدر معقول من الأمان والحرية والسلامة، وذلك عن طريق تشريع أخلاقى وهذه هى فكرة «العقد أو الميثاق الاجتماعى» ونعتقد أننا لا نعدد الصواب إذا قلنا إن الأخلاق ألزم للإنسانية من العلم فقد توجد الأمة وتسعد بدون العلم ولكن لا توجد أمة سعيدة مترابطة دون الأخلاق مهما بلغت من التقدم العلمى، ولذلك فإن الحضارة التى تقوم على العلم وحده لايمكن أن تكون حضارة خالدة بل إنها حضارة قصيرة الأمد، سريعة الزوال كذلك فإن الحضارة لا يمكن أن تحقق السعادة والاستقرار النفسى لأصحابها وها نحن نرى البشرية تعانى من الحضارة الحديثة لأن هذه الحضارة ركزت على العلم وأهملت الأخلاق والقيم وسلبت من الإنسان الإيمان واليقين وسلبت من النفس الأمان والاستقرار وسلبت من القلوب الطمأنينة والسكينة.

وإذا كان القرآن الكريم قد أشار إلى كثير من الأمم البعيدة التى سقطت أو هلكت بسقوط أخلاقها فإن التاريخ قد ذكر لنا كثيراً من القصص فى هذا المجال ولكى تزيد هذه الحقيقة إيضاحاً علينا أن نتصور حياة مجتمع أهملت فيه الأخلاق الفاضلة وسادت بين أفراده الخيانة والفسق والكذب والغش والنميمة والسرقة وسفك الدماء والتعدى على الحريات والحقوق وزالت المعانى الإنسانية فى علاقات الناس من المحبة والمودة والنزاهة والتعاون والتراحم والإخلاص والوفاء كيف يمكن أن تكون هذه الحياة، أعتقد أن هذه الحياة تكون جحيماً لا يطاق إذ إن الناس سوف يتخلون فيها عن كل المعانى الإنسانية ويتحولون إلى وحوش ضارية وسوف ينتشر السلب والنهب والفجور والفسق والضعة والانحطاط، سوف تسفك الدماء وتزهق أرواح الأبرياء وتضيع حقوق اليتامى والضعفاء وتنتهك الأعراض والحرمات وهكذا فإن مثل هذه الحياة ستخلو من المعانى النبيلة ويسيطر عليها الشقاء وذلك لأن الإنسان سيكون فى هذا المجتمع أداة هدم وتدمير، سيكون وحشاً ضارياً لا يهمه إلا تحقيق أطماعه وإشباع غرائزه.

ولا شك أن هذا الإنسان إذا استخدم قواه فى الفساد أهلك الحرث والنسل وصدق الله العظيم إذ يقول: «وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد» سورة البقرة: 205، ومن ثم كان الإنسان بحاجة إلى نظام خلقى يحقق له حاجته الاجتماعية ويقف أمام ميوله ونزعاته الشريرة ويوجهه إلى استخدام قواه فيما يعود نفعه عليه وعلى غيره بالخير، كما أن فى الأخلاق الإسلامية الإلهية يستطيع الإنسان أن يكون ربانياً صحيح النسبة فى اعتقاده وسلوكه إلى خالقه كما يستطيع أن يكون إنساناً صحيح النسبة إلى الفطرة البشرية لأن الإسلام يضع المعايير الدقيقة لثبات الفطرة الإنسانية وتطورها ولإيجابيتها وسلبيتها كما يبين للفرد ميدان تفكيره وتعليله وبحثه عن الحكم ومجال انقيادة وتسليمه عن تعقل وإحسان ما يلبى له حاجة المنفعة الشخصية مع النزوع إلى قمة التجرد الخالص فى الفعل لوجه الله سبحانه وتعالى، ولا شك أن الطابع العام للإسلام إنما هو الطابع الأخلاقى لأن الأخلاق هى ثمرة العقيدة والشريعة ومتغلغلة فيها وكانت مهمة الرسول الكبرى صلى الله عليه وسلم أن يتم مكارم الأخلاق فيقول صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» الحديث أخرجه الإمام البيهقى فى السنن الكبرى كتاب الشهادات.

والإسلام فى مفهومه العام حسن الخلق، يقول صلى الله عليه وسلم: «الإسلام حسن الخلق» الحديث أورده علاء الدين السندى فى كنز العمال، وفى جانب العقيدة يرتبط حسن الخلق بالإيمان فيقول الرسول صلى الله عليه وسلم «أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم أخلاقاً» الحديث أخرجه أبوداود فى سننه، وفى جانب العبادات نجد أن الأخلاق نتيجتها وثمرتها، فالصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر والزكاة تطهر النفس من الشح وتنمى فى الإنسان روح التضامن والتكافل، والصوم يهذب النفس ويخلصها من الأمراض النفسية كقول الزور والعمل به، فمن لم يترك قول الزور والعمل به فليس له من صيامه إلا الجوع والعطش، والحج يدعو إلى ترك الرفث والفسوق والجدال فيه، فى جانب المعاملات نجد الروح الأخلاقية سارية فيها، ويوضح ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه» الحديث أخرجه الإمام البخارى كتاب الرقاق، وفى جانب الفضائل والقيم نجد أن الإسلام قد اشتمل على معالم النظام الأخلاقى الكامل فوضع الفضائل وحث عليها مثل فضيلة الصدق، وبين الرذائل ونهى عنها مثل قول الزور والكذب.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
.5

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg