| 30 أبريل 2024 م

أراء و أفكار

أسامة غريب.. يكتب: سياحة تُوجع القلب

  • | الأربعاء, 16 أغسطس, 2017
أسامة غريب.. يكتب: سياحة تُوجع القلب
أسامة غريب

يزخر العالم بالأماكن السياحية التى تستحق الزيارة، ومع هذا فتلك الأماكن فى الدول المتقدمة تختلف عنها فى البلاد التعيسة. فى انجلترا مثلاً توجد مجموعة أحجار صخرية، ملقاة فى قطعة أرض فضاء، حوّلها الإنجليز إلى مزار سياحى تم وضعه داخل البرامج التى تضم جولات داخل إنجلترا، وقد قمت شخصياً بزيارة هذه البقعة المسماة «ستون هينج» ضمن فوج سياحى ولم أفهم أبداً معنى أن تقوم بعمل سياج من سلك معدنى حول بضعة حجارة من الطوب وتقوم بتحصيل إثنى عشر جنيهاً استرلينياً ممن يريد أن يقترب من الحجارة داخل السياج!.. الأكثر طرافة أنهم حوّلوا المكان إلى سوق تجارى تباع فيه العاديات والتذكارات والمظلات الواقية من المطر والمأكولات الخفيفة والمشروبات.. كل هذا فى مكان ليس له أى معنى سياحى أو قيمة تاريخية مميزة!

على العكس من هذا تماماً وجدتُ مدينة إسنا التى توقفت عندها الباخرة السياحية التى أبحرت من أسوان إلى الأقصر، وجدتها أسوأ مما كانت عليه يوم بنى الفراعنة معبداً بهياً على هذه البقعة، فعلى الأقل منذ ثلاثة آلاف عام لم يكن هناك تلوث ولا روث يملأ الشوارع ولا كان الغبار يسد الأنوف ولا كان العمل الوحيد للسكان هو قيادة حناطير قديمة متهالكة لتوصيل السياح من مرسى السفن على النيل إلى المعبد فى زيارة سريعة لا تستفيد فيها المدينة من الحركة السياحية إلا فى ثمن ركوب الحنطور والملاليم القليلة المدفوعة فى تذكرة دخول المعبد!.. فى هذا المكان تصورت لو أن الله قد منح هذا المعبد لأناس آخرين فى دولة أخرى، فإنهم كانوا ليبنون مجموعة فنادق فى البلدة ويقيمون صناعة تذكارات ويفتحون مطاعم ومقاه وملاهى ودور سينما ويجعلون من هذا المكان جنة ولا يتركون به متسولاً أو عاطلاً عن العمل.. كل هذا يمكن عمله حول المعبد المهمل المحاط بالخرائب والذى لا يوجد بالمدينة التى تضمه فندقاً واحداً ولو درجة سابعة أو دورة مياه آدمية يمكن أن يستخدمها إنسان!.

وما ينطبق على مدينة إسنا ينطبق على مدينة إدفو ومدينة كوم امبو التى يقع بكل منها معبد مشابه فى قيمته وعظمته، يقبع فى بقعة منبوذة. الطريق كله الذى تسلكه المركب من أسوان للأقصر والعكس يعرض الجمال الفقير على طول شاطئ النيل.

لقد زرت أماكن كثيرة فى بلدان فقيرة ورأيت الإهمال الذى يقترب مما لدينا، وشاهدت الفقر فى صورة فولكلور يتم تسويقه لامتاع السائح بمشاهدة الإنسان الأول على حاله القديم من آلاف السنين.. شكله وملابسه وبيته وأدواته وطريقة حياته، لكن هذا لم يفزعنى أو يسبب لى غصة لسببين، الأول أن الإهمال كان معقولاً ولم يكن موغلاً فى العبثية والحُمق، والثانى أن هذه البلدان ليست بلدى وضياعها لا يؤذينى مباشرة، أما عندما تكون سياحة الإنسان الأول هى الأساس فى بلدنا فهذا يكسر القلب، خاصة وأنا أرى الحل سهلاً، لكنى أعلم أنه بعيد المنال.

لقد قمت بالتقاط الصور التذكارية مع المتسول الهندى والتايلاندى والكينى واعتبرتها جزءا محبباً من ذكريات كل رحلة، لكننى لا أستطيع أن أفعل هذا مع المتسول فى بلادى لأن وجوده يكسرنى ويشعرنى بالعار ويجعلنى أتضاءل وأنا أرى السياح يحتفون بقذارته ورقة حاله ويلتقطون معه الصور التى ستكون مصدراً للثرثرة مع الأصدقاء لسنوات طويلة.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg