| 30 أبريل 2024 م

أراء و أفكار

الدكتور عبد الحليم منصور.. يكتب: الإهمال وآثاره في الفقه الإسلامي

  • | الأحد, 20 أغسطس, 2017
الدكتور عبد الحليم منصور.. يكتب: الإهمال وآثاره في الفقه الإسلامي
د. عبد الحليم منصور

الأمة الإسلامية تعنى فى دينها وقرآنها الكريم بالعمل، قال تعالى (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون)، وفى كثير من آى الذكر الحكيم، ربط الحق سبحانه وتعالى الإيمان بالعمل، وجعله قرينا له، مما دل دلالة واضحة وجلية على أهمية العمل فى حياة المسلمين.

وإذا كان العمل يمثل أساسا فى الحياة على النحو المشار إليه، فإن المراد به ليس أى عمل ينجزه الإنسان، وإنما يراد به عمل متقن، يستحق أن يراه الله ورسوله والمؤمنون كما ذكرت الآية سالفة الذكر، لذا قال النبى عليه الصلاة والسلام عن العمل: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه».

والعمل المتقن هو الذى يتحلى بأعلى مواصفات الجودة، وتحقيق النفع العام للإنسانية بأسرها، هو العمل المقترن بالإخلاص المنبثق من القلب، العمل الذى يراقبه الضمير الحى فى قلب كل إنسان، العمل الذى يقومه واعظ الله فى قلب كل إنسان، وهو ما يسمى فى عرف الناس وعادتهم بالضمير.

فى هذه الحقبة من تاريخ مصر ونحن نبنى وطنا جديدا، مر بمراحل مد، وجزر، وتعثر، تعرض فيه لأشد أنواع الشدائد ولا يزال عصيا على الكسر أو السقوط، ترعاه عناية الرحمن، وخير أجناد الأرض.

ولكن البعض لا يزال مصرا على اللامبالاة والإهمال، الذى يؤدى إلى كثير من أسباب الفشل، فنرى البعض لا يعمل أصلا، ويقف فاغرا فاه على أشده مطالبا بالحقوق من هنا ومن هناك، وهو فى الواقع ونفس الأمر، لا ينجز عملا يستحق عليه راتبا، وإن أدى عملا فهو من ناحية الظاهر والشكل فقط فى صورة العمل، لكنه فارغ من كل مضمون، فارغ من الإتقان، الأمر الذى يؤدى إلى كوارث كبيرة ومصائب جمة، على النحو الذى رأيناه فى مشكلة القطارات التى حدثت الأسبوع المنصرم، بسبب إهمال عامل، أو موظف، أو مسئول لا يدرك حجم الوطن، ولا حجم أخطاره، فيقع هؤلاء أو بعضهم فى أخطاء جسيمة، تودى بأرواح العديد من المواطنين الأبرياء بسبب الإهمال، وبسبب اللامبالاة، وبسبب قلة الضمير، وقلة الوازع الدينى، وبسبب الإهمال فى حق الوطن، تقع مثل هذه الكوارث التى أقضت مضجع المصريين جميعا.

إن المسئولية فى نظر الإسلام تعنى الكثير والكثير نحو الوطنِ، والمجتمع، ونحو المواطنين الذين نؤدى لهم حقوقا يجب أن توفى على النحو المنشود.

إن قول النبى عليه الصلاة والسلام: «كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته» لم يستثن أحدا من مجموع المواطنين فى وجوب أداء الواجب على النحو الذى يتطلبه الشرع والقانون، فضلا عن ذلك لم يستثن أحدا من المسئولية، سواء أكانت جنائية أم مدنية.

إن هذا الخطب الجلل، الذى أحدق بنا نحن المصريين يحتاج منا إلى أن نفعل ونطبق مبدأ سيادة القانون، وتطبيقه على الجميع كبيرا كان أو صغيرا على النحو الذى يحقق الردع العام، والخاص فى المجتمع بحيث لا تتكرر مثل هذه السلوكيات مرة أخرى.

إن الإسلام فى مثل هذه الحوادث يوجب المسئولية الجنائية وهى القصاص على مرتكب هذا الحادث إن كان متعمدا، أما فى حال عدم التعمد فتكون المسئولية هنا مدنية تتمثل فى التعويض، وهو فى نظر الشرع، الدية لكل مواطن قتل فى هذه الحادثة، وتوزع على أولاده، فضلا عن استحقاق ذويه للتعويض المدنى الكائن فى الضرر الذ أحدق بهم بسبب فقدانهم لأبيهم، أو أخيهم، أو ابنهم، أو غير ذلك، وفوق كل ذلك العقوبة التعزيرية التى يوقعها الحاكم على المقصر والتى تتمثل فى الحبس، أو السجن، أو غير ذلك من العقوبات التى يرى ولى الأمر أو رئيس الدولة أنها محققة للردع العام والخاص فى المجتمع.

لابد من الضرب بيد من حديد على أيدى جميع المقصرين، والمهملين الذين يستخفون بالوطن وأبنائه، إذا أردنا أن نبنى وطنا جديدا، قائما على العمل المتقن، والمواطنة، والتعايش الإنسانى المشترك، بين جميع فئات المجتمع.

حفظ الله الأزهر.. حفظ الله الجيش.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg