| 30 أبريل 2024 م

أراء و أفكار

الشيخ رسمي عجلان.. يكتب: وحدة الأمة من المقاصد الشرعية للحج

  • | الأحد, 20 أغسطس, 2017
الشيخ رسمي عجلان.. يكتب: وحدة الأمة من المقاصد الشرعية للحج
الشيخ رسمي عجلان

إن من المقاصد الشرعية لفريضة الحج تحقيق الوحدة بين أفراد الأمة، وبناء المجتمع على أساس من الود والرحمة والتعاون والتوافق، ومن أجل ذلك شرع الإسلام كل ما يحقق ذلك ودعا إليه، وحرم الخلاف فى غير محله والتشرذم والفرقة فقال تعالى: { وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } (الأنفال: 46)، وأمرنا بالوحدة فقال تعالى: {وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ } (آل عمران: 103)، وأمرنا بالتعاون والتكافل قال تعالى: { وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } (المائدة: 2)، ووضع قواعد لقيام الوحدة واستمرارها ونبذ الخلافات ومشتقاتها منها: (نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويرحم بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه)، وكان الإمام الشافعى يقول: (رأيى صواب يحتمل الخطأ، ورأى غيرى خطأ يحتمل الصواب).

     وتعتبر فريضة الحج من أبرز التدابير الشرعية التى وضعها الشارع لتعزيز وحدة الأمة، والعمل على استمرارها فى الحاضر والمستقبل، ورغم أن فريضة الحج لا تتقرر إلا مرة واحدة كل عام، إلا أن لها تأثيراً عظيماً فى نفوس المسلمين بل وغير المسلمين، حتى إن الدول الغربية والأمريكان يتعجبون ويسألون كيف يجتمع هذا الجمع الغفير من المسلمين فى مكان واحد وتحت إمارة إمام واحد ولا يخالفونه، وملتزمون بزى واحد، وحركات واحدة ومنتظمة ومنسقة - أى فى الطواف والسعى والصلاة - ويتكلمون لغة واحدة، وينشدون نشيداً واحداً - لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك؛ إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك - ومع ذلك متشرذمون ومختلفون ومتناحرون ومتخلفون عن ركب التقدم والتكنولوجيا والبحث العلمى، وإن تعجب فعجب أنهم لا يستفيدون من هذا المؤتمر السنوى فى جمع كلمتهم وتوحيد صفهم واستغلال قدراتهم العقلية والبدنية والمادية لتنمية هذه الثروة البشرية التى لا تقدر بمال؟ والدرس الحقيقى المستفاد من الحج الأكبر هو وحدة الأمة ويظهر جلياً فى معانى وأحكام الحج التى يلتزم بها جميع الناس ويتحرون الصحيح حتى يعودوا مغفورة ذنوبهم كيوم ولدتهم أمهاتهم وتتمثل فيما يلى:

1- جميع المسلمين يحجون فى وقت واحد: فإن الأمة على قلب رجل واحد فى بدء الحج وانتهائه، والكل يعمل بقول الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِى الحَجِّ } (البقرة: 197)، وهكذا يفعل المسلمون فى منى فى أيام رمى الجمرات فى أيام معلومات لقوله تعالى: {وَاذْكُرُواْ اللّهَ فِى أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ فَمَن تَعَجَّلَ فِى يَوْمَيْنِ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ } (البقرة: 203). أليس هذا دليلاً على وحدة الأمة؟ 

2- جميع المسلمين فى الحج يعبدون الله على نسق واحد: فالكل يخلع لباس الدنيا - لباس الزينة والتميز والشهرة -  ويلبسون قطعتين من قماش أبيض غير مخيط عبارة عن إزار ورداء، والكل يحرم من الميقات المحدد له، والكل فى ملبسهم سواء فلا فرق بين أمير وخفير أو غنى وفقير أو طويل وقصير، فالكل سواء لا فرق بين عربى ولا أعجمى ولا أحمر ولا أسود ولا ذكر ولا أنثى الكل كأسنان المشط، فكل هذه الشعائر التعبدية تطبق على جميع المسلمين بلا تمييز أو تفرقة فالكل أمام الله سواء، وهذا من شأنه  أن يعمق الشعور بالألفة والتقارب والتفاهم والانتماء ويجمع الكل على قلب رجل واحد، ويخلق مجتمعاً مترابطاً قائماً على التكافل والتعاون والمحبة.

3- الحجاج يستقبلون بيت الله الحرام: فيبدأون الطواف من عند الحجر الأسود وفى اتجاه واحد عكس عقارب الساعة، فلا تجد واحداً يطوف بالعكس، والطواف سبعة أشواط فالكل حريص على ألا يزيد ولا ينقص عدد الأشواط، بل ويأتون بعداد لضبط العدد، أليس هذا دليلاً على وحدة الأمة؟ ودرساً للسائقين الذين يسيرون فى الاتجاه المعاكس بلا مبالاة لقواعد المرور، ولا يخشون القانون، ولا بأخلاق الإسلام يعملون، وإن نصحتهم يقولون خليك فى نفسك، فهل يتعلمون الدرس؟   

4- الحجاج يسعون بين الصفا والمروة سبعة أشواط: ويبدأون من حيث بدأ الله فى قوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِن شَعَآئِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِ أَن يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ } (البقرة: 158). أليس هذا دليلاً على الالتزام ووحدة الفعل والكلمة وبالتالى وحدة الأمة؟ 

5- الحجاج يقفون بعرفة يوم تسعة ذى الحجة: الكل فى مكان واحد فى يوم واحد من طلوع الشمس حتى غروبها، ومن فاته الوقوف بعرفة فلا حج له، لقول رسول الله: (الحج عرفة). أليس هذا درساً فى الانضباط ووحدة المكان والزمان؟

6- الحجاج ينزلون بعد غروب الشمس من عرفة إلى المزدلفة: فيصلون بها المغرب والعشاء جمع تأخير، ويسمح لكبار السن من النساء والمرضى والعجزة بالخروج إلى منى من بعد منتصف الليل تيسيراً لهم ورحمة بهم، وهذا من سعة الفهم والفكر فى الإسلام، ومن باب الرحمة والعدل والتعاون وتقديم أولويات المحتاجين وتنظيم المسير. هل فهمنا الدرس؟

7- الحجاج يرمون العقبة الكبرى يوم النحر - يوم العيد - ثم يحلقون رءوسهم ويذبحون هديهم ويطوفون طواف الإفاضة ثم يتحللون، ومن عظمة الإسلام أنه لم يكن جامداً أو متحجراً بل قدم فقه الأولويات ومصالح الحجاج وقدم التيسير لوجود المشقة، فكان صلى الله عليه وسلم يقول لمن يسأله فى ذلك اليوم بم أبدأ بعد رمية العقبة؟ فيقول: (افعل ولا حرج).

   نحن فى حاجة لمعرفة لماذا فرض الله تعالى على الأمة الإسلامية الحج إلى بيت الله الحرام وليس إلى مكان آخر، لأن هذا البيت هو أول بيت عبد الله فيه على هذه الأرض من آدم إلى محمد (عليهم السلام)، ففيه بدأ الدين وإليه يحج أمة خاتم المرسلين، وهذا رمزٌ وتجسيدٌ لوحدة دين الله ووحدة الأمة، فما أحوجنا لإحياء فقه الحج حتى يحقق الحج المقاصد الشرعية لهذا المنسك العظيم - ومن أهم هذه المقاصد وحدة الأمة - ولا يكون المقصد زيارة الأماكن المقدسة والسياحة الدينية الفارغة من المقصد الحقيقى للحج.    

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg