| 30 أبريل 2024 م

أراء و أفكار

د. جمال سعد محمود .. يكتب "في المليان": منهج القرآن الكريم في الاستدلال على وجود الله تعالى

  • | الأحد, 24 سبتمبر, 2017
د. جمال سعد محمود .. يكتب "في المليان": منهج القرآن الكريم في الاستدلال على وجود الله تعالى
د. جمال سعد محمود

من أهم القضايا التي تعرض لها القرآن الكريم وجود الله تعالى ووحدانيته، فوجود الله تبارك وتعالى حقيقة لا تقبل النقاش والجدل، لأنها ضرورة تسرى فى الأحاسيس والمشاعر وتتغلغل فى أعماق النفس الإنسانية، وما من شك فى أن مسألة الاستدلال على وجود الله لم تكن فى يوم من الأيام هدفاً من أهداف القرآن ولم تكن فى يوم من الأيام هدفاً من أهداف الرسول صلى الله عليه وسلم أو أحد أصحابه وذلك لأن الإيمان بوجود الله مسألة فطرية مركوزة فى النفس البشرية، ونحن هنا نسير على أنه يمكن أن يؤخذ من القرآن أدلة على وجود الله وإن لم يكن ذلك هدفاً من الأهداف القرآنية.

 ونظراً لكثرة الأدلة القرآنية فى الاستدلال على وجود الله تعالى وما يقتضيه الحال والمقام من الاختصار قدر الإمكان وعدم التطويل، آثرنا أن نورد نماذج من الأدلة القرآنية فى هذا المقام لتحقيق المطلوب.

ومن أبرز هذه الأدلة البرهان النفسي وهو من أقوى الدلالات النفسية على وجود الله الذى أشار إليه القرآن الكريم أمام المقادير العليا وضرورة تسلمه لها، وذلك فى قوله تعالى: "أم للإنسان ما تمنى فلله الآخرة والأولى "  "سورة النجم: ٢٤ - ،٢٥ " ، "وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة"  سورة القصص الآية ٦٨ .

ومن أعظم الدلالات النفسية على الألوهية أيضاً ما يخبر به القرآن الكريم من تحول الإرادات الإنسانية عن أهدافها حين تنقلب كراهيتها محبة وعداوتها ألفة واستهجانها واستمساكاً وثورتها سكوناً من غير أن يكون للأسباب الطبيعية مدخل معقول فى هذا التحول، وفى ذلك يقول الله عز وجل: "واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم" " آل عمران الآية: ١٠٣" ، "لو أنفقت ما فى الأرض جميعاً ما ألفت بين قلوبهم ولكن الله ألف بينهم"  "الأنفال الآية: "٦٣ ، ويجمع ذلك كله قوله سبحانه وتعالى: "واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه " الأنفال الآية: ٢٤ .

ونحن لا نجد فى أنفسنا ولا فى أية مجموعة أخرى من الكائنات الفردية، السبب الكافى لوجودنا ولا غايته النهائية المعقولة، ولذلك نجد أنفسنا مضطرين إلى أن نبحث عن هذا السبب وهذه الغاية خارجاً عنا فى الوجود العام، وما التدين إلا الاعتراف بهذه التبعية فى تسليم وخضوع هذا الشعور بالتبعية هو الأساس التجريبي للعقيدة الإلهية، ومن هذه الأدلة التي أوردها القرآن الكريم على وجود الله تعالى برهان الخلق والإبداع وهو ما يسميه ابن رشد دليل الاختراع، ويقوم هذا الدليل على مقدمات بديهية تستلزم بالضرورة وجود خالق لهذا الكون وذلك حيث  يثبت القرآن الدلالة الضرورية من المخلوق على الخالق، ومن المصنوع على الصانع، ونجد هذا الاستدلال فى آيات كثيرة من القرآن الكريم منها قوله تعالى: "أفى الله شك فاطر السماوات والأرض " إبراهيم الآية: ١٠ ، "أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت، وإلى السماء كيف رفعت، وإلى الجبال كيف نصبت، وإلى الأرض كيف سطحت" الغاشية: ١٧ - ١٩ ، ومناط البداهة والضرورة فى مبنى هذا الدليل ودلالته على وجود الخالق: أنه يقوم على مبادئ مقررة يعترف بها كل إنسان بالتفكير البسيط لوجودها فى فطرته وهى التي يرشد إليها قوله تعالى: "أم خلقوا من غير شيء، أم هم الخالقون " الطور، فمن البين الواضح الذى لا يتأتى لأحد أن ينازع فيه، أن الشيء لا يمكن أن يوجد بدون علة، وأن المصنوع سيتلزم الصانع ومن الواضح كذلك: أن الشيء الموجود لا يمكن أن يكون علة فى صياغة نفسه، وإيضاح ذلك: أن الآية المذكورة قد أشارت إلى دليل عقلى مؤداه أن وجود الإنسان ومثله العالم لا يخلو فى تعليله وتفسيره من فروض ثلاثة: إما أن يكون عن خالق أوجده وصانع أبدعه، أو يكون هو الذى أوجد نفسه أو يكون وجوده بدون صانع، والفرض الثالث باطل عقلاً لاستحالة وجود أثر بدون مؤثر، وكذا الثانى لاستلزامه كون الشيء سابقاً لنفسه متأخراً عنها فى وقت واحد وهو تناقض محال.

"للحديث بقية"

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg