| 14 مايو 2024 م

أراء و أفكار

رجائي عطية.. يكتب "رأي ورؤى": على هامش المؤتمر العالمي للأزهر.. في مواجهة المفاهيم المغلوطة(8)

  • | الأربعاء, 27 سبتمبر, 2017
رجائي عطية.. يكتب "رأي ورؤى": على هامش المؤتمر العالمي للأزهر.. في مواجهة المفاهيم المغلوطة(8)
رجائي عطية

خصص المؤتمر المحور الرابع “للمواطنة والتعايش السلمى”، وشارك فيه وكيل الأزهر الدكتور عباس شومان ببحث عن “حقوق غير المسلمين فى ديار الإسلام”، تناوله برؤية فقهية أكاديمية دراسيةٍ مطولة، وقداسة الكاثوليكوس “آرام الأول” بكلمة فى التعايش ومفهومه، والمرحوم الدكتور محمد مختار المهدى عضو هيئة كبار العلماء بالأزهر، بمبحث فى “المواطنة والتعايش السلمى”، والعالم صفوت البياضى رئيس الطائفة الإنجيلية بمصر، ببحث بعنوان “الجار أولى بالمعروف”، والأستاذ السيد على الهاشمى مستشار الشئون القضائية والدينية، وعضو من خارج مصر بمجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وتحدث عن: “المواطنة والتعايش السلمى فى ظل القيم”، والبطريرك “ماردنخا الرابع “بطريرك كنيسة المشرق الأشورية فى العالم، وألقى” كلمة عن التعايش”، والدكتور محمد عبدالفضيل عبدالرحيم، المشرف العام للمرصد العالمى بمشيخة الأزهر، وقدم دراسة بحثية بعنوان: “غير المسلم بين ذمية الماضى ومواطنة الحاضر” دعوة لتأصيل مفهوم المواطنة فقهياً، والسيدمحمود الصميدعى الرئيس السابق لديوان الوقف السنى بالعراق، وألقى “كلمة فى التعايش السلمى”، والأستاذ محمد عبدالغفار الشريف أستاذ الفقه وأصوله بجامعة الكويت: كلية الشريعة والدراسات الإسلامية، وتحدث عن “نحن والآخر”، والسيد / أحمد السيد تركى مدير عام بحوث الدعوة بوزارة الأوقاف المصرية، وعضو المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وقدم دراسة بحثية مطولة عن: الإسلام والآخر: من الاختلاف إلى التسامح؛ نصاً وتطبيقاً”، والسيد / يوسف جمعة سلامة خطيب المسجد الأقصى والنائب الأول لرئيس الهيئة الإسلامية العليا بالقدس، ووزير الأوقاف والشئون الدينية السابق، وتناول "احترام الاختلاف والتنوع والتعايش".

                                                                                                                الحرية ومزية التنوع

وربما حفل هذا المحور أكثر من غيره، لحكمة مفهومة، بالمزيد من التنوع بين المشاركين، فشارك من المسيحيين ثلاثة من كبار رجال الدين العلماء من الطوائف المختلفة، وشارك علماء من الأردن والكويت، وآخرون من القدس، فضلاً عن علماء الأزهر الشريف، ومدير عام بحوث الدعوة بوزارة الأوقاف المصرية.

وقد أتاح هذا التنوع تعدد الجوانب التى جرى بها معالجة موضوعات المواطنة والتعايش السلمى، وهى الغاية التى تنشدها وتسعى إلى تحقيقها كافة محاور المؤتمر على تنوعها.

وواضح من البحوث المقدمة، والكلمات التى ألقيت، أن هذا التنوع اقترن بحرية واسعة لكل باحث فى عرض رؤيته، دون أن يُفْرض توجه أو أسلوب بعينه للتناول قد يخالف ما يستحسنه الباحث المشارك.

على أنه على ما فى هذا من سنة محمودة، إلاَّ أنه ملاحظ أن بعض المشاركين تركوا الاستخلاص وإبداء الجوهر، إلى تقديم دراسات أكاديمية أو فقهية واسعة، وربما استسهل البعض نقل “أبواب” من مؤلفات لهم، تقدموا بها كبحث للمؤتمر، ومع الإقرار بقيمة هذه الأبواب من الناحية الفقهية والعلمية وتضمنها دراسات أكاديمية رفيعة ومتوسعة، إلاَّ أن مكان إلقائها وعرضها ومناقشتها هو فى قاعات التعليم والدراسة، بينما يحتاج المؤتمر تحقيقاً لخطته المفترضة وبلوغاً إلى غايته، أن يستصفى العالم أو الباحث من علمه ما يتوجب طرحه فى المؤتمر تحقيقاً لهدفه وغايته، لاسيما والمؤلفات المنقول أبواب منها متاحة لمن يريد الاطلاع عليها، من قبل المؤتمر وبعده، أما المطلوب فى مثل هذا المؤتمر فهو استخلاص الزبدة والجوهر، لتوظيفه فى خدمة الغاية والهدف.

ومع ذلك، فإن هذه الملاحظة، لا تنفى عمق وعراضة ما قدم إلى المؤتمر من بحوث، استهدفت برؤية شاملة ومتنوعة، تناول قضية "المواطنة والتعايش السلمى"، وهى لب الغاية المنشودة من مناقشة وتصحيح المفاهيم المغلوطة.

                                                                                                                    كلمة فى التعايش

على إيجازها، وصلت كلمة قداسة الكاثوليكوس آرام الأول إلى غايتها المحمودة، من أقصر طريق، فبعد شكر الأزهر وسماحة شيخه الجليل أحمد الطيب على عقد هذا المؤتمر الإيجابى فى أوانه، انتقل إلى بيان أن الكنيسة الأرمنية التى ينتمى إليها، تتفق بل والمسيحية عموماً، مع الإسلام، وأن هاتين الديانتين السماويتين تشتركان فى الجذور الواحدة، والقيم والتقاليد المشتركة.

وأنه برغم الاختلاف فى بعض الأمور اللاهوتية، فإن القيم الأخلاقية المشتركة قد وفرت بين الديانتين علاقة قوية، توجب عليهما النظر والبحث لمعالجة الشرور غير الأخلاقية الآخذة فى الانتشار.

ولمس كيف أن القرآن الكريم والكتاب المقدس، يدعوان إلى السلام والتعايش، ولا يسمحان بالعنف والإرهاب، وأنه فى إطار هذه القيم المشتركة كانت هناك مواقف موحدة للديانتين: الإسلام والمسيحية، ضد العنف والإرهاب والتطرف، والدعوة للتعايش.

إن واجب الدين، ودوره، هو فيما أبدى تقريب الإنسان لربه، والحرص على تطبيق الحقائق والقيم والمبادئ السماوية فى حياة الإنسان، فالدين هو أكبر مكافأة وهبها الله للإنسان.

وأمام هذا الانتشار للعنف والتطرف والإرهاب، فإن الإسلام والمسيحية لا يمكنهما السكوت على هذه الظاهرة المريضة، أو عدم المبالاة بها، وهما فى رفضهما للعنف ونشدانهما للتفاهم المتبادل، يرفضان الحقد بكل صوره، ويعظان بالمحبة.. لانهما يرفضان الشر وينشران الخير للعالم.

إن التنوع هو فى حقيقته مكافأةٌ وهبةٌ من الله، ومن هنا فإن أوجب ما ينبغى أن تنشده الديانتان هو تعايش الديانات والحضارات.. هذا التعايش يشهد على وجوبه هذا التناغم الموجود برغم الاختلاف فى حياة المجتمعات.

وتناول كيف أن الإسلام والمسيحية داومتا على التعايش رغم المرور ببعض الصعاب، وأن هذا التعايش قام ويقوم على الاحترام المتبادل.

وبعد هذا البيان، عرض لما تعرض له الشعب الأرمينى من إبادة، إلاَّ أنه لم يواجه صعوبات أساسية مع الإسلام، رغم أن الدولة العثمانية كانت تتسمى بالإسلام.

وليس صحيحاً أن الآخر يجب أن يكون عدواً، فذلك من أهم وأخطر شرور العصر، والملاذ إنما هو فيما أعطته الديانتان المسيحية والإسلام من أهمية بالغة للتنشئة والأخلاق، فحينما تصح التنشئة وتبذر القيم الصحيحة، وترعى الأخلاق تتقلص تلقائياً كل دعاوى العنف والتطرف والإرهاب، وتتقدم قيم النبل والاحترام والتعايش بين بنى الإنسان.

                                                                                                            المواطنة والتعايش السلمى

كان هذا هو موضوع ما تناوله المرحوم الدكتور محمد مختار المهدى، الذى توفى إلى رحمة الله بعد المؤتمر، فى سنة 1437هـ / 2016م، وقد عرفته عن قرب إبان تزاملنا فى مجمع البحوث الإسلامية، قبل أن ينتقل منه إلى هيئة كبار العلماء.

وتناول رحمه الله فى بحثه “مفهوم المواطنة” لغويا واصطلاحيا، وانتقل إلى وجوب احترام الاختلاف والتنوع والتعايش، وكيف أن هذه الحقيقة الواجبة نبه إليها القرآن الكريم فى قوله سبحانه وتعالى: “أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِى الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِياً وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ..الزخرف 32.

وانتقل رحمه الله إلى الحضارة الإنسانية ونشأتها على قيم مراعاة حقوق الآخرين، وكيف بعث خاتم الرسل عليه الصلاة والسلام بدين الفطرة رافعاً شعار الإخاء الإنسانى، معلناً أن إرادة الخالق سبحانه من خلقه الإنسان، أن يعيش مع غيره فى تراحم، مرتبطاً لديه قيمة الإنسان بتقواه بالمعنى العام الشامل الذى يتقى به العبدغضب الله.

لقد تواترت النصوص الإسلامية قرآناً وسنة على الحث على السلام الاجتماعى ومراعاة الاختلاف العقائدى بين البشر بحيث لا يتحول هذا الاختلاف إلى عداوة، وصرح القرآن الكريم بأن الاختلاف سنة كونية، فقال تعالى: وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ .. هود 118.

وأن إدارة الله تعالى شاءت أن تتفق الديانات السماوية فى الأسس والمبادئ، وأن اختلاف الشرائع لا يوجب ولا يبرر العداوةقال تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً .. المائدة 48، وأن ما نزلت به رسالات السماء يتجه إلى أمة واحدة، فيقول سبحانه: يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحاً إِنِّى بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ، وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ.. المؤمنون 51، 52، ويتحدث عز وجل عن الرسل السابقين وأولياء الله الصالحين، مرتباً على ذلك أنهم جميعاً أمة واحدة: “إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ..الأنبياء 92.

وقد كانت معاملة الرسول عليه الصلاة والسلام لغير المسلمين، قائمة على الحكمة والموعظة الحسنة، ومعاملتهم بالحسنى والخلق الجميل، ولم تمنعه يهودية الغلام الذى كان يخدمه من أن يعوده فى حالة الاحتضار، وكان تحليه بالحلم والصبر آية على ما يتعلق به نجاح الدعوة. قال عز وجل: “وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ  ..فصلت 35.

ثم تناول رحمه الله الحوار والجدال بالحسنى، كمعلم أساسى من معالم الإسلام وحرصه على السلام والتعايش، يتجلى ذلك فى العديد من آيات القرآن الكريم..

ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ..النحل 125.

وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ ..العنكبوت 46.

فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ..آل عمران 159.

يا أيها الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِى السِّلْمِ كَآفَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ .. البقرة 208.

وختم رحمه الله بأن الإسلام مرتبط بالسلام، وأن السلام هو تحية المسلمين، والجنة دار سلام، والمسلم من سلم الناس من لسانه ويده، وأن التعايش السلمى هو آية الإسلام إلى الدنيا.

                                                                                                                      نحن والآخر

صاحب هذا البحث هو الأستاذ محمد عبدالغفار الشريف، أستاذ الفقه وأصوله بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الكويت، يستهله بالآية13  من سورة الحجرات، وينقل فيه تجربته الشخصية، فى التعامل مع دين غير الإسلام، أو مذهب مخالف لمذهب السنة والجماعة.

تجربته الأولى كانت مع وفد الكنائس الكاثوليكية فى الشرق الأوسط، والذى زاره بمكتبه للتعارف والمجاملة، وخلالها تطرق الحديث إلى سبل ومجالات التعاون المشترك، فاتفقا معاً على التعاون من أجل محاربة الإلحاد الذى بدأ ينتشر فى الغرب والشرق، ويسبب كثيراً من الأمراض النفسية والخلقية، والقضاء على الجهل الذى يؤدى إلى كره الآخر نتيجة القصور فى معرفة أصول دياناتهم الأصلية وأسلوب وكيفية التعامل مع الآخرين، ومحاربة الفقر الذى يكاد يؤدى إلى الكفر، وعلاج الانحلال الخلقى، إلى غير ذلك من القضايا التى تتفق عليها مبادئ الديانات السماوية.

وتناولوا معاً أزمة التعاون الناجمة عن حرص كل طرف على اختطاف أتباع الديانة الأخرى، مما يشحن الجو بما يولد البغضاء ويعوق التعاون. وأثمر هذا الحوار اقتناعاً مشتركاً كان توطئة لتعاون فعلى فى هذا الصدد.

وتجربته الثانية كانت بمناسبة إنشاء إدارة للوقف الجعفرى بالأمانة العامة للأوقاف فى الكويت، ومنذ تشكيل مجلس نظارة مكون من وجهاء المذهب الجعفرى وعلمائه، تشعب الحوار معهم إلى القواسم المشتركة الكثيرة بين السنة والشيعة، فكلاهما يؤمن برب واحد، ويتبع رسولاً واحداً، ويؤمن بقرآن واحد، ويستقبل ذات القبلة، ويصلى ويصوم ويحج، ويتفقان فى الإيمان بالواجبات وإنكار المحرمات القطعية، بغض النظر عن الاختلافات الجزئية التى لا يخلو منها المذهب الواحد.

ودعا صاحب البحث إلى التعايش وتناول القضايا المشتركة، اقتداءاً بما صنعه الرسول عليه الصلاة والسلام حين قدم مهاجراً إلى المدينة، فآخى بين المهاجرين من ناحية، وبين المهاجرين والأنصار من ناحية أخرى، ومد حبال التعاون إلى اليهود بالمدينة لولا نكولهم عن الصدق وإيثارهم للعداء والنفاق.

وختم بوجوب التعايش بين السنة والشيعة، دون استقطاب أو مصادرة أو إيذاء، استمساكاً بالعروة الوثقى التى لا انفصام لها وحث عليها القرآن الكريم فى الآية256  من سورة البقرة.

 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg