| 13 مايو 2024 م

أراء و أفكار

د.عبدالحليم منصور.. يكتب "ونواصل": أزمة الضمير

  • | الأربعاء, 27 سبتمبر, 2017
د.عبدالحليم منصور.. يكتب "ونواصل": أزمة الضمير
د. عبد الحليم منصور

يطلق الناس كلمة الضمير ويريدون بها، الإخلاص فى العمل، وتحرى الحلال، وأداء الواجب والأمانات على النحو الذى يوجبه الشرع والقانون، وإن شئت قلت: الضمير هو واعظ الله فى قلب كل إنسان، بحيث يحثه على الخير، ويبعده عن الشر، ويلومه على ما قصر فى جنب الله، وجنب مجتمعه.

إن الملاحظ لسلوكيات كثير من الناس فى هذه الآونة يجد أنها تخلو من الضمير، فالكثيرون منهم لا يذهبون لعملهم، ويطالبون بزيادة رواتبهم، والبعض لا يعملون أصلا، إلا فى الأوكار الخاصة بهم، سواء فى العيادة، أو المكتب الاستشارى، أو الهندسى، أو مقر الدروس الخصوصية - من رحم ربي - ، أما المؤسسات العامة والحكومية، فمكان للراحة وليس العمل، نتعلل أمامه بآلاف الحجج والأعذار بهدف التفلت منه، وفى المقابل لا تجد بعضا من هؤلاء المعتذرين يتغيب يوما عن مكان عمله الخاص.

كثيرون ممن يدعون التدين، وغيرهم أيضاً، يتفننون فى تضييع وقت المؤسسة بشتى الوسائل والطرق، وربما يذهب الواحد إلى عمله ويعود منه، ولم ينجز عملا واحدا يحلل به راتبه سوى التوقيع فى كشوف الحضور والانصراف.

التذرع بصلاة الضحى، وصلاة الظهر، والإفطار فى المكتب، وقراءة الجرائد، وإلقاء التحايا، والمشاوير الخاصة، والتزويغ لاصطحاب الولد أو البنت للمدرسة، أو الدرس، كل هذه الأمور مجتمعة أو منفردة، هى وسائل لتضييع وقت المؤسسة، والهروب من العمل فى وقت قلت فيه الرقابة، والمتابعة، والإشراف، من الرؤساء، والمديرين، فأضحى العمل فى كثير من المؤسسات ينذر بكوارث لا حصر لها.

فى الوقت الذى ننادى وينادى الكثيرون بضرورة العمل والإنتاج من أجل بناء مصر الحديثة، بعد الهزات الاقتصادية التى تعرضت لها مصر فى الآونة الأخيرة، نجد كثيرين قليلى الضمير، بل وإن شئت قل منعدمى الضمير، وهم أول من يطالب بزيادة الأجور، وهم أول من يهرب من العمل، وهم أكثر الناس تضييعا لمصالح الأمة.

نحتاج فى هذه الآونة من تاريخ مصر تفعيل ثقافة العمل المتقن الذى دعا إليه النبى عليه الصلاة والسلام فى قوله: «إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه» نحتاج إلى عمل يستحق أن يراه الله عز وجل على النحو الذى أشار إليه فى قوله: «وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون» ونحتاج أيضاً إلى إيقاظ الضمائر، وإشعالها حبا، فى الوطن، وإقبالا على العمل، بدلا مما أصابها من موات فى الحقبة المنصرمة.

اختلال منظومة القيم فى المجتمعات فى الآونة الأخيرة رغم - ادعاء كثيرين التدين - هو سبب هذه الكوارث التى نعانى منها فى مصر وخارجها، ذلك أن منظومة القيم هى جوهر الرسالات السماوية جمعاء، وجاءت رسالة النبى عليه الصلاة والسلام إكمالا لهذا البناء الذى شيدته الرسالات السماوية مجتمعة.

إننا نحتاج فى هذه الحقبة لمعالجة أزمة الضمير تفعيل الرقابة الإدارية من كل المديرين والرؤساء من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل، وتفعيل مبدأ الثواب والعقاب فى المؤسسات، وأيضاً نحتاج إلى تفعيل مبدأ سيادة القانون، وتطبيقه على كل أفراد المجتمع، الكبير قبل الصغير، وفضلا عن هذا وذلك نحتاج إلى ترسيخ ثقافة العمل، وترسيخ منظومة الأخلاق لدى الأطفال منذ نعومة أظفارهم، حتى يشبوا على حب العمل وتقديسه، وحب الخير، والنفرة من الشر، لا بد من تربية طلابنا على مبدأ الانتماء للوطن، وحب ترابه، والذود عنه، من خلال هذه الوسائل مجتمعة نستطيع أن نبنى مصر الحديثة التى ننشدها، ونضع كنانة الله فى أرضه فى الموضع اللائق بها بين الدول، لأنها تستحق الكثير والكثير من أبنائها المخلصين.

حفظ الله مصر ** حفظ الله الأزهر الشريف.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg