| 14 مايو 2024 م

أراء و أفكار

د.عمار علي حسن.. يكتب "تجديد": الكرامة الإنسانية (4 -5)

  • | الأربعاء, 27 سبتمبر, 2017
د.عمار علي حسن.. يكتب "تجديد": الكرامة الإنسانية (4 -5)
د. عمار علي حسن

لا يكتفى البشر بعيش الحياة، لكنهم يجدون أنفسهم فى حاجة ماسة إلى تقييم وجودهم، وتحديد ما إذا كانوا يحيون حياة كريمة أم حياة بشعة رخيصة، وهم دوما يسعون إلى الحكم على قيمة الأهداف التى يسعون إلى تحقيقها، والغايات العريضة الكامنة وراء ما ينهضون به من أفعال

ويريد البشر دوما معرفة ما إذا كان مسلكهم حسنا أم رديئا، منصفا أم ظالما، معقولا أم ينطوى على حماقة وجنون، لأنهم يريدون تبرئة ساحتهم فى نظر أنفسهم أولا، ويتيقنون من أن أسلوب المعيشة الذى اختاروه، يتصف بالخيرية، ويتم على أساس صائب أخلاقيا.

ويقود الشعور بالكرامة إلى ميلاد اتجاهات وقيم سياسية إيجابية، لا غنى عنها لأى مشروع وطنى يقوم على الممانعة والمقاومة. فهذه القيم وتلك الاتجاهات والتوجهات تحصن الإنسان نفسيا وعقليا ضد العناصر التى تعمل على تآكل روحه وتداعى قدرته على الصمود، وهى تسهم بطريقة جلية وملموسة فى صنع الإطار العام الذى يحكم نظرة الإنسان إلى الأمور، وحكمه على المواقف والأحداث والشخصيات والأفكار.

وكلما كان هذا الإطار متماسكا منيعا، تضاعفت إمكانيات التصدى لـ”الآخر المعادى”، سواء كان العدوان متجسدا فى جيوش وعروش، أو متمثلا فى أفكار ورؤى، أو متضمنا فى استراتيجيات وخطط وحيل ومكائد.

وأول الاتجاهات التى يصنعها شعور الإنسان بالكرامة هى حيازته “الاقتدار السياسى”، الذى يبدأ بتقدير الذات Self Esteem، وهو يقوم على حكم الفرد على أهميته الشخصية، فإن رفع من قدرها، واعتز بها، امتلأ شعورا بأهميته، وجدارته بالاحترام والتقدير، وامتلأ ثقة فى صحة أفكاره وميوله. وعلى العكس من ذلك فهو رن أبخس نفسه، وحط من منزلتها، فسيتضاءل شعوره بقيمة شخصيته، وسيصاب بإحساس بأن الآخرين يلفظونه، وأنه عاجز عن فعل ما يريد. والحاجة إلى التقدير تشير إلى معنيين رئيسيين الأول هو الحاجة إلى القوة والإنجاز والكفاية والتمكن، والثانى هو الحاجة إلى السمعة والمكانة والشهرة والفخر والأهمية، فإن أشبع الإنسان هذه الحاجات امتلك الشعور بالثقة، وأحس بأن له قيمة فى الحياة، وليس مجرد رقم فى طابور طويل لا ينتهى، أو عالة على الدنيا.

وحيازة الاقتدار والثقة السياسية تؤدى بالإنسان إلى “المشاركة السياسية”، أى انخراطه فى الأنشطة التطوعية التى يهتم بها مجتمعه المتعلقة باختيار الحكام، وصياغة السياسة العامة، وذلك ابتداء من البحث عن المعلومات، والمساهمة فى الجدل العام القائم، وانتهاء بالانخراط فى حزب أو تيار سياسى معين أو الترشح للانتخابات، مرورا بحضور الاجتماعات والتبرع بالمال، والتواصل مع الشخصيات السياسية، والمشاركة فى الحملات الانتخابية. وهذا الصنف من المشاركة له خصائص تتمثل فى “الفعل” الذى يعنى حركة الجماعة حيال تحقيق أهدافها ومقاصدها العامة، و”التطوع” الذى ينجم عن شعور الفرد بالمسئولية الاجتماعية تجاه هذه الأهداف، و”الاختيار” الذى يضمن للفرد أن يساند الفريق السياسى الذى يحقق مصالحه، وصالح الوطن.

وتعد المشاركة على هذا النحو نوعا من “المقاومة الإيجابية” لأنها تصب فى التيار العام الذى يرفض الاستبداد، من خلال التمسك بمباشرة الحقوق السياسية. والفرد المشارك إيجابيا، أو المنتمى، يكون متهيئا للانخراط فى صفوف المقاومة والدفاع عن الوطن، إن تعرض لغزو أو اعتداء خارجى.

(ونكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى)

 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg