| 10 مايو 2024 م

أراء و أفكار

رجائي عطية.. يكتب: خطاب الدين ورعاية الإسلام للأغيار

  • | الأحد, 8 أكتوبر, 2017
رجائي عطية.. يكتب: خطاب الدين ورعاية الإسلام للأغيار
رجائي عطية

الوفاء بالوعد والعهد وبالمواثيق، مبدأ عام أوصى به القرآن المجيد: «وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئولاً» (الإسراء 34).. وقيل فى صفات المؤمنين: «وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ» (البقرة 177).. العهد المتغيا هو كل عهد.. فى أى صورة من صورة، وبأى شكل من أشكال إبدائه أو إثباته.. العهد الشفوى كالكتابى، والعهد بصيغته العامة وبأى عبارة يُقال، كالعقد الذى يبرم ويعقد بين أطراف.. فى القرآن الحكيم: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ» (المائدة 1).. يمتد هذا الوفاء المأمور به إلى وجوب أن تصادق الأفعال الأقوال..

حق العهد والوفاء به مقدم فى الإسلام حتى على حق الدين.. ففى القرآن المجيد:

«وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يُهَاجِرُواْ مَا لَكُم مِّن وَلاَيَتِهِم مِّن شَيْءٍ حَتَّى يُهَاجِرُواْ وَإِنِ اسْتَنصَرُوكُمْ فِى الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُم مِّيثَاقٌ» (الأنفال 72).. قدم القرآن بصريح وآمر لفظه، احترام ورعاية العهد والوعد والميثاق على نصرة من يستنصر المسلمين فى الدين.. وفى الحديث النبوى: «إن حسن العهد من الإيمان».

دل الإسلام على أن الوفاء بالوعد هو خلق الأنبياء والرسل الصالحين: «وَاذْكُرْ فِى الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَّبِياً» (مريم 54).. الجنة هى ثواب الوفاء بالعهد: «وَالَّذِينَ هُمْ لأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ» (المؤمنون 8 11)..

لا شىء يبرر نقض العهود والمواثيق فى أحكام الإسلام، حتى خيانة من اتفق وعاهد وخان.. لا يزيّن الإسلام للمسلمين بل يأبى عليهم أن يتخذوا من خيانة المعاهد ذريعة للتردى فى مثلها، وإنما لهم فقط أن يواجهوا خيانته بما يردها عليه ودون أن يتعدوا ذلك إلى الجور والتنكيل.. وفى القرآن الحكيم: «وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ» (النحل 126).. وفى حديث رسول القرآن: «من كان بينه وبين قوم عهد، فلا يحلنّ عهداً، ولا يشدنه، حتى يمضى أمده أو ينبذ إليهم على سواء»..

تقدم الإسلام وعاش، بوفائه ووفاء رسوله ووفاء المسلمين بالعهد.. وكان هذا الوفاء والإصرار عليه وعلى أمان الجوار للمسلم هو الأداة الرئيسية لنشر وانتشار دعوة الإسلام..

أمان الجوار

أمان الجوار للمسلم، لا يخرج منه أحد.. يعطى ويبذل للمسلم وللكتابى ولغير الكتابى، وللعربى ولغير العربى، الطريق الفسيح لأولئك أو غيرهم لاعتناق الإسلام والحرص عليه هو الثقة التامة فى كلمة المسلم ووعده وعهده، وفى جيرة وجوار يمنحه المسلم لإنسان يخاف حتى يبلغ مأمنه.. «وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ» (التوبة 6).

أى آدمى يدخل إلى هذا العالم، مصحوبا بهذا الوفاء والأمان، يدخل إلى عالم جديد مختلف عما يتركه وراءه فى العالم الآخر المشوب من قديم بالخديعة والغدر والخسة التى يتداولها الخلق فى دنيا الناس!

التيسر والتسامح

والتيسير والتسامح واجبان، كلاهما يتجه عناية ورعاية إلى الآخر.. كلاهما من حزمة الخصال التى تنصرف معانيها وأصداؤها وعبقها إلى الآخرين.. ففى القرآن «وَإِن كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَن تَصَدَّقُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ» (البقرة 280).. وفى الحديث الشريف: «رحم الله رجلا سمحاً إذا باع سمحاً إذا اشترى سمحاً إذا قضى سمحاً إذا اقتضى». وحماية الآخر الضعيف حماية واجبة، تمتد إلى المسلم وغير المسلـم، ولا تشترط صك تدين معين، ولا تلفظ من رحابها أبناء الديانات الأخرى، بل هى لا تطرد الكافر من حظيرتها حتى يسمع كلام الله ثم يُبلغ مأمنه.. «وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ» (التوبة 6).

دين مفتوح، يتعانق مع الدنيا

هذا دين مفتوح، يتعانق مع الدنيا، ويفتح أبواب رحمته وعطائه للناس جميعا.. دين أراد لبنيه أن يكونوا نفحة عطاء وعطراً للآخرين.. انظر ماذا يقول القرآن فى وصـل الفقير واليتيم والمسكين والأسير.. «يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ» (البقرة 215). «وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَذِى الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً» (البقرة 83).. هذا هو الإيمان، وهذا هو عطاء وصفة المؤمن.. المسلـم شحنـة عطاء ونفع ومودة للآخرين.. لا يلفظ المسلم أحداً ولا يقسو على أحد، وإنما هو عبد ربانى يعلم مما وصاه رسول القرآن أن خير الناس أنفعهم للناس، وأنه لا يبادر أحداً بعداء.. ولا بكراهة، ولا مقت.. هو نفحة عطاء ورفق ومودة للآخرين.. يصلهم ويعنى بهم ويرعاهم.. يقول القرآن المجيد فى وصف المؤمنين.. «وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً» (الإنسان 8).. «فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ، وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ. فَكُّ رَقَبَةٍ، أَوْ إِطْعَامٌ فِى يَوْمٍ ذِى مَسْغَبَةٍ، يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ، أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ» (البلد 11 : 16)..

ومن منظومة الأخلاق الإسلامية التى ترعى الآخر، الكرم والسخاء والجود.. لا يجنب النار وعذابها إلاّ الأتقى الذى يتزكى ويجود بماله على الآخرين.. «وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى، الَّذِى يُؤْتِى مَالَهُ يَتَزَكَّى، وَمَا لأحَدٍ عِندَهُ مِن نِّعْمَةٍ تُجْزَى، إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ رَبِّهِ الأَعْلَى، وَلَسَوْفَ يَرْضَى» (الليل 17ـ21).

ومن هذه السجايا، إكرام الضيف (الذاريات 24 27، هود 69).. وغض البصر عن التطلع المذموم إلى الآخرين.. المسلم مأمور بغض البصر.. «قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ» (النور 30)، ومأمور بالاستئذان قبل الدخول على الآخرين: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنكُمْ ثَلاثَ مَرَّاتٍ مِن قَبْلِ صَلاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعْدِ صَلاةِ الْعِشَاء ثَلاثُ عَوْرَاتٍ لَّكُمْ» (النور 58).. «أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا» (النور 27).. وكما تبدو رعاية الغير فى السجايا والأخلاق والشمائل المندوب إليها، تبدو فى الرذائل المنهى عنها.. فالمسلم منهى عن الكذب الذى هو عدوان على الحقيقة وعلى الآخرين، وجزاء الكاذبين: «أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَاباً شَدِيداً إِنَّهُمْ سَاء مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ « (المجادلة 15).. وعن الافتراء على الغير: «وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى» (طه 61).. «وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللّهِ كَذِباً» (الأنعام 21).. وعن التباهى بالصدقات. «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى» (البقرة 264).. ومنهى أيضاً عن سب وقذف الآخرين أو إشاعة الفاحشة.. «إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِى الدُّنْيَا وَالأخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيم» (النور 23).. «لاَّ يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوَءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ»

(النساء 148).. لا يجـوز للمسلم أن يغتـاب الناس.. ولا أن يخـوض فـى حق الناس بمـا يكرهون.. «وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ» (الحجرات 12).. ولا الهمز واللمز والتنابذ بالألقاب.. «وَيْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ لُّمَزَةٍ».

(الهمزة 1).. المسلم بأدبه لا يسخر بالآخرين، ولا يسىء إليهم.. «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ». (الحجرات 11).. فى النهى عن شهادة الزور وقول الزور يقول القرآن المجيد: «وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّور» (الحج30).. وعن كتمان الشهادة.. «وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُه «ُ (البقرة 283).. وعن مخالفة الأعمال للأقوال.. «كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ».(الصف 3).. وفى النهى عن سوء الظن بالناس.. «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ» (الحجرات 12).. وعن النميمة.. «وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ. هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ».(القلم 10، 11).. وفى النهى عن الاندفاع فى اتهام الناس بغير بينة واستيثاق.. «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ « (الحجرات 6).. «وَلا تَجَسَّسُوا».. (الحجرات 12).. وفى النهى عن التكبر على الغير.. «أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ» (الزمر 60)، .. «كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبَّارٍ » (غافر35).. «فَادْخُلُواْ أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ» (النحل 29).. «سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ».. (الأعراف 146).. «وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيد» (إبراهيم 15) … وفى النهى عن التباهى والخيلاء على الناس. «وَلا تَمْشِ فِى الأرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُور» (لقمان 18).. «وَلاَ تَمْشِ فِى الأَرْضِ مَرَحاً إِنَّكَ لَن تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَن تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً». (الإسراء 37).. وفـى الزجر والنهى عن الظلم.. «أَلاَ لَعْنَةُ اللّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ « (هود 18).. «وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً أَلِيماً» (الإنسان 31).. «أُوْلَئِكَ لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ».. (الشورى 42).. وعن البخل فى البذل والعطاء للآخرين.. «وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى، وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى، فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى، وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى» (الليل 8 11)..

«وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَآ آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» (آل عمران 180).. «الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَآ آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُّهِيناً» (النساء 37).. «وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (الحشر 9).. وفـى الزجـر والنهى عن خيانة الغير.. «إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً» (النساء 107).. «إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبُّ الخَائِنِينَ» (الأنفال 58).. «إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُور» (الحج 38).. «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ» (الأنفال 27).

ما تندح به أسماء الله الحسنى

يدرك المسلم السوى الفاهم العاقل أن أسماء الله الحسنى معبرة عن صفاته، تدعوه ويدعوه إيمانه بالواحد الماجد إلى المجاهدة لاكتساب ما يستطيع ببشريته أن يكتسبه منها.. يدرك بفهمه أن اسمى «الرحمن الرحيم « مشتقان من الرحمة، وأن الرحمة تستدعى مرحوماً يحتاجها وتبذل إليه، تكفكف عنه وتحنو عليه.. يفهم المسلم مما هداه القرآن المجيد أن حظ العبدمن هذه الصفة الإلهية أن يرحم عباد الله.. لا يستثنى منهم أحداً.. حتى الغافلين، فإن رحمتهم تكون بصرفهم بالرفق والحسنى، لا بالبطش والصلف والاستعلاء عـن طريق الغفلـة والضياع.. أن يفتح لهـم طريقاً إلى الفهم والاتعاظ باللطف لا بالعنف.. بعين الرحمة لا بعين الإيذاء.. يدرك المسلم الفاهم أن حظه من هذه الصفة الربانية أن لا يدع فرصة إلاَّ اغتنمها للكفكفة عن مكروب أو محتاج أو مريض أو ضعيف أو مظلوم أو مغبون أو ضال أو مضلل أو تائه أو ضائع أو شارد أو محزون..

يدرك المسلم السوى الفاهم العاقل من اسم «السلام» أن حظه منه فى سعيه ومجاهدته، أن يكون سلما للآخرين.. قلبه خال من الغش والغل والحقد والشر.. هذا هو الذى يأتى الله تعالى بقلب سليم ويكون سلاماً يسلم الناس من لسانه ويده.. مثلما يدرك من اسم «المؤمن « أن حظه البشرى منه أن يأمن الآخرون جانبه بل ويرجو أن يلوذ به كل خائف ليعتضد به فى دفع الهلاك عن نفسه فى دينه ودنياه كما قال له رسول القرآن: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليأمن جاره بوائقه».. يدرك المسلم الفاهم العاقل أن مناه الذى يرجوه لنفسه من صفة «الغفار» «الستار» أن يستر من غيره ما يحب أن يستر من نفسه.. أليس نبى الإسلام يقول: «من ستر على عبد عورته ستر الله عورته يوم القيامة».. ويدرك المسلم من صفة «اللطيف» أن ينهل منها مستطاعه ليكون على حظ من الرفق بعباد الله تعالى والتلطف بهم فى الدعوة إلـى الله والهداية إلى سـعادة الآخـرة بلا ازدراء ولا عنف ولا تعصب.. هذه السجايا والشمائل بارزة ندية فواحة واضحة للمسلم أينما اتجه بنظره فى واحة الإسلام الوارفة الظليلة..

أنداء وعطر الأخلاق الإسلامية

هذه المنظومة الأخلاقية الإسلامية، منظومة بديعة رائعة، شاملة جامعة مانعة.. أرادت للمسلم ورسمت له وحضته وأكدت عليه وأرشدته كيف يكون فى الدنيا ينبوع خير ومحبة وألفة ورفق وعطاء وتواصل.. كيف يكون نوراً يهدى، وصديقاً يؤاخى، وصادقاً ينصف، وأمينا يفى، وعادلاً يعدل، وشاهداً يؤتمن ويصدق وينصف.. وتاجراً يقسط ولا يبخس، ومتعاملاً سمحاً.. إذا باع سمحاً إذا اشترى سمحاً إذا قضى سمحاً إذا اقتضى.. كيف يعدل ويعطى الحق للآخرين من نفسه ولا يدفعه ظلم الآخرين أو شنآنهم ليظلم مثلهم.. كيف يتواضع للناس ولا يتكبر عليهم، وكيف يخفض لهم الجناح ويألفهم ويؤالفهم فلا خير فى الإسلام فيمن لا يألف ولا يؤلف.. كيف يكون رفيقاً يحب الرفق فى الأمر كله لأن الرفق فيما حدث به رسول القرآن لا يدخل فى شىء إلاّ زانه ولا يخرج منه إلاّ شانه.. كيف تكون يده للآخرين هى العليا منحاً ووصلاً وعطاءً.. كيف يحسن ويبر بالآخرين.. بالوالدين، والجيران، والأقربين، والأبعدين، واليتامى والمساكين وابن السبيل.. بالمريض والضعيف.

المسلم المعطر بهذه الشمائل والخصال هو رسالة الإسلام إلى الدنيا وإلى الناس.. يدرك المسلم السوى الفاهم أنه مثلما كانت الرسالة المحمدية رسالة إلى العالمين اصطفى الله لها محمداً عليه الصلاة والسلام، وأدبه سبحانه فأحسن تأديبه، وقال فيه: «وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيم» (القلم 4).. وأرشده تعالت حكمته ونوه بأنه لو كان فظاً غليظ القلب لانفضوا من حوله.. فإن المسلم الحامل للشمائل الإسلامية هو رسالة الإسلام إلى الدنيا فى كل مكان وعلى امتداد الزمان.. يفهم أن الإسلام دين جاذب جامع لا طارد، ويفهم أنه يخرج بالإسلام عن رسالته الكبرى من يعبث أو يشوه هذا الوجه البهى الجميل البديع الجاذب المعطر لهذا الدين.. يعرف أنه مؤتمن بأخلاقه وخصاله وسجاياه التى زرعها وبثها الإسلام فيه على هذه الصورة الندية الفواحة التى تشد القلوب والأفئدة إلى هذا الدين، وتجعله حقاً ديناً للعالمين.. يعرف المسلم السوى الفاهم العاقل أن الإسلام لن يكون عالمـياً للعالمين إذا ما نفّر الناس منه وانعطف به إلى زقاق وشوهه على غير جوهره وروحه وحقيقته، وأبداه للناس خنجراً يدمى أو مدفعا يقتل أو قنبلة تدمر وتنسف.. يعرف المسلم الفاهم السوى العاقل أنه رسالة فواحة للإسلام إلى الدنيا ما بقى على هذه السجايا والشمائل التى زرعها ويبثها الإسلام فيه.. آلف ومألوف، رفيق وحانٍ.. معطاء وغياث.. مهجته محبة الناس وتعطير الإنسانية والحياة بهذه النفحات الإسلامية التى هى كفيلة بأن تملأ الدنيا ضياءً ونوراً، وتنشر الإسلام فى الدنيا بأسرها وإلى آخر الزمان.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg