| 10 مايو 2024 م

أراء و أفكار

أحمد الصاوي.. يكتب: انتصرنا على أنفسنا

  • | الخميس, 5 أكتوبر, 2017
أحمد الصاوي.. يكتب: انتصرنا على أنفسنا
أحمد الصاوي .. رئيس تحرير جريدة صوت الأزهر

لا نحتفل بذكرى حرب أكتوبر المجيدة فقط لأننا انتصرنا على عدو استباح كل شىء فجأة وفى غفلة من الزمن، وظن ومعه العالم أنه عصى على الهزيمة، وإنما قبل كل شىء لأننا انتصرنا على أنفسنا قبل أن ننتصر على العدو، غيَّرنا ما بأنفسنا، فاستجاب الله لدعوات ملايين المصريين والعرب والمسلمين.

انتصرنا على العشوائية، بأداء منضبط وتخطيط عالى المستوى لا يترك شيئاً للصدفة ولا يترك أحداً لاجتهاد يغرد به خارج السرب.

أى إنجاز عسكرى تحقق فى هذه الحرب يمكن أن تعتبره معجزة فى مجاله، يتضاءل أمام «مهنيتها»، وهى فى تقديرى المعجزة الأهم فى هذه الحرب الخالدة..

يُمكن أن تعتبر العبور معجزة، وتحطيم خط بارليف معجزة، وهما كذلك، لكنهما يبقيان فى إطار النتائج التى سبقتهما مقدمات جعلت ما تحقق طبيعياً ومنطقياً، وبرهاناً عادياً لمعطيات غاية فى الدقة..

انتصرنا على الانقسام والتفتت بتوحد إقليمى كبير على ذات الهدف، وتوحد داخلى أكبر، وضع الوطن كله أمام هدف واحد بجميع مؤسساته جيش الشعب فى مقدمتها، ومن خلفه الشعب كله -مؤسساته وأزهره وكنيسته ومدارسه ومصانعه وفلاحيه وعماله وموظفيه- الذين شدوا البطون ليوفروا ثمن كل رصاصة خرجت من فوهتها إلى مكانها الصحيح.

انتصرنا على الفردية بأداء جماعى مبهر، حركته قيادة متنوعة فى خبراتها وقدراتها المهنية وموحدة على الهدف -عسكريين ودبلوماسيين ورجال دولة - مع مجموعات هائلة من الجنود والضباط والمتطوعين حتى ربات البيوت والأمهات تضرعن لله العادل أن ينصر فئة قامت لرد العدوان كما أمرها صاحب الأمر.

انتصرنا على كل محاولة تقسيم حين توحدنا جميعاً خلف نداء «الله أكبر»، لأنه كذلك «أكبر» عند كل اعتقاد مصدره السماء، ولأن قذائف العدو الغادرة التى تساقطت على المدارس والمصانع والمنشآت لم تفرق وهى تصطاد الشهداء والضحايا بين مسلم ومسيحى. كانت مصر عفية بهؤلاء الرجال ومن كانوا معهم «فؤاد عزيز غالى، وشفيق مترى سدراك، وثابت إقلاديوس، وباقى زكى يوسف، ونعيم فؤاد وهبة» وغيرهم كثيرون، من سقط منهم شهيداً ومن عاد مصاباً، لم تفرق قذائف العدو وصواريخه بينهم، حملوا الهم نفسه وتجرعوا المرارة نفسها وعاشوا الألم نفسه، وحين نزفت دماؤهم على الرمال لم تفرق الأرض الطيبة بين من «رقد على رجاء القيامة» ومن «انتقل إلى رحمة الله»، ولم تجد اختلافاً بين دم «صليب» ودم «هلال»، كلاهما كان له نفس اللون والطعم والرائحة.

اليوم نحتفل بالأبطال وبنصر جلبوه مع آلاف الضباط والجنود، حين كانت مصر عفية برجال يستولدون النصر من رحم المستحيل، ولاؤهم المطلق لها، للوطن: التاريخ والجغرافيا والبشر، لا يشغلهم عنه شاغل، ولا يعطلهم عن بلوغ أحلامه مُعطل، ولا يحيد بهم عنه هوى، أبطال أسماؤهم تستحق أن نحفظها وأن نحررها من كل تأثير سياسى، أولئك الذين ضمدوا الجراح بعد النكسة، وعلى رأسهم القائد الشهيد عبدالمنعم رياض، والذين خططوا للانتصار ونفذوه، القائد الأعلى محمد أنور السادات، والقائد العام أحمد إسماعيل، ورئيس الأركان سعد الدين الشاذلى ورئيس هيئة العمليات محمد الجمسى، وقائد القوات الجوية حسنى مبارك، وقائد القوات البحرية فؤاد ذكرى، وقائد الدفاع الجوى محمد على فهمى، ومدير سلاح المدفعية محمد الماحى، ومدير سلاح المدرعات كمال حسن على، ومدير المخابرات العسكرية محمد فؤاد نصار، ومدير سلاح المهندسين العسكريين جمال على، وقائد قوات الصاعقة نبيل شكرى، وقائد قوات المظلات محمد عبدالله، وقائد الجيش الثانى سعد مأمون، وقائد الجيش الثانى عبدالمنعم خليل، وقائد الجيش الثالث عبدالمنعم واصل وغيرهم من القادة والضباط والجنود الذين يستحقون جميعاً أن تُذكر أسماؤهم دون أن نفرق بينهم لا بسبب رتبة أو اختيار سياسى لاحق، أو أخطاء متروكة لحكم التاريخ.

اليوم أيضاً نتذكر الأزهر الذى كان طوال الوقت فى ظهر قواته المسلحة داعماً ومسانداً، ومنبره التاريخى الذى انطلقت من عليه كل محطات النضال فى العصر الحديث كان مبشراً بالنصر ومحفزاً وزارعاً عقيدة النصر أو الشهادة فى صدور الجنود، ونتذكر منهج الأزهر فى تعريف الجهاد والتأكيد على أنه رد العدوان والدفاع عن الأرض خلف الدولة وتحت لوائها وقيادتها، وهو المفهوم الذى يعبر عنه الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب فى كل محفل رداً على اختطاف التكفيريين لمفهوم الجهاد واستغلاله فى النيل من الناس فى مشارق الأرض ومغاربها.

اليوم نجدد التدبر فى هذه الحرب وذلك الانتصار الذى أنجزه هذا الجيش المحترف الذى كان وما زال ولاءه لهذا الوطن، والجندى الفرد المعجزة فى هذه الحرب، والشعب الذى تحمل وضحى بأبنائه وقوته وأحلامه ليبلغ انتصاراً خالداً، ونؤكد أن هذا الجبل الذى لا يموت الذى يسمونه الشعب قادر على أن يكرر عبوره، وأن يصنع مع جيشه وأزهره من جديد انتصاراً أهم على الإرهاب والتشدد والتكفير، فى حرب يخوضها المصريون نيابة عن العالم ضد عدو غادر يهدد كل العالم.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
5.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg