| 10 مايو 2024 م

أراء و أفكار

الدكتور عمار علي حسن.. يكتب "تجديد": حاجتنا إلى التنوير

  • | الخميس, 12 أكتوبر, 2017
الدكتور عمار علي حسن.. يكتب "تجديد": حاجتنا إلى التنوير
د. عمار علي حسن

لم يعد يكفي المسلمين الحديث عن «تجديد الفقه» واعتبار هذا غاية ما يصبون إليه، وأنه سيؤدى بهم إلى وضع دينى مختلف. فهذا الحد من التفكير والتدبير لن يؤدى قطعاً إلى عصر دينى جديد، إنما سيطلى العصر القديم بطلاءات فاقعة الألوان، يتخيلها الجاهلون والغافلون بناء جديداً.

إن المطلوب الآن وهنا، وبلا تردد، هو التنوير بغية تحقيق أهداف كلها نبيلة، وتروم مصلحة الدين والمتدينين وسائر الناس. وهذه الأهداف هى:

1- إنقاذ صورة الإسلام، التى تضررت كثيراً جراء أقوال وتصرفات المتطرفين الذين يستعملون هذا الدين فى تبرير القتل والتدمير، منطلقين من أن الأصل فى العلاقة مع الآخرين سواء كانوا مسلمين غير منتظمين فى هذه الجماعات المتطرفة أو غير مسلمين، هو الصراع المفتوح، والمسموح فيه استخدام كل الخدع الممكنة.

وقد سكب هؤلاء فى مجرى الإسلام الكثير من الأشياء السيئة التى لوثت واقعه وصورته، ولم تفلح بعض مراجعاتهم أو توظيف المؤسسات الدينية التقليدية فى مواجهتهم فى تنقية الدين وتصفيته من هذه الشوائب المسمومة، حيث إن هذا الجهد لم يحدث «قطيعة معرفية وأخلاقية» مع التطرف، لأنه جهد متقطع وهامشى وسطحى ومتردد ومن يقومون به محملون ببعض أثقال مما يحمله المتطرفون أنفسهم.

وسيؤثر إطلاق التنوير لمواجهة التطرف ومحاصرة الإرهاب إيجابياً على جانب من صورة الإسلام والمسلمين، التى كانت متضررة أصلاً بفعل الخطاب الاستشراقى الانطباعى والاستعمارى والمغرض، وليس ذلك الخطاب الذى استهدف البحث والدرس وتغيا الحقيقة. وقد سادت هذه الصورة السلبية فى كثير من مناهج الدراسة فى الغرب وفيما أطلقه مؤلفو الموسوعات والكتب الأكاديمية والمدرسية فى الدول الغربية على القرآن الكريم والإسلام والنبى محمد صلى الله عليه وسلم والعرب والمسلمين من أوصاف ليست فقط بعيدة عن الموضوعية والأمانة العلمية بل أحياناً كثيرة بعيدة عن الشعور والذوق والتهذيب الإنسانى، والذى بلغ ذروته مع الصور الكاريكاتيرية المسيئة للرسول الكريم، التى انطوت على تجريح كبير لمشاعر المسلمين، لأنها خاطبتهم بطريقة فجة واستعلائية واستهجانية ومقززة وعنصرية.

2- إنقاذ المسلمين، الذين يدفعون أثماناً باهظة ليس فقط بفعل خطاب المتطرفين وممارساتهم إنما أيضاً مما جناه أصحاب الرؤية الجامدة والمتسلفة على العصرنة سواء كانوا ينتمون إلى مؤسسات تقليدية أو يتبعون دعاة ووعاظاً. فالدخول إلى آفاق الزمن العصرى يتطلب الأخذ بأسباب التقدم، من التفكير العلمى، والانفتاح على الآخر، واستعمال العقل فى تدبير المعيش، والإيمان بتعدد الأفكار والثقافات داخل المجتمع، وعدم صبغ كل شىء بصبغة دينية، وجعل تصور دينى معين يتحكم فى كل ما يقول الإنسان أو يفعل مع إهمال العقل أو إغفاله، وتوسيع مساحة «الحرام» وتضييق مساحة «الحلال» ونسيان المساحة الأعرض والتى تتعلق بـ«العفو».

لقد تأخر المسلمون كثيراً نتيجة أن شيخ الإسلام فى «الإمبراطورية العثمانية» أفتى بتحريم المطبعة، وسلك شيوخ كثر فى شتى البلدان مسلكه، وعلى المنوال ذاته طالما تم تحريم أدوات التحديث ومظاهره فى المجال الاجتماعى والسياسى والعلمى.

3- كف الأذى عن أتباع الديانات الأخرى فى بلاد المسلمين، فخطاب المتطرفين والمتزمتين والمتشددين والذين يعبدون الله على حرف طالما آذاهم، بتجريح عقائدهم وازدرائها، ورميها بما ليس فيها عن عدم معرفة، وبالسعى الدؤوب لحرمانهم من حقوق المواطنة كاملة، سواء باستدعاء إجراءات تاريخية لم يعد الآن مجال لتطبيقها، أو بالتمييز ضدهم فى الوظائف أو التعليم أو تلقى الخدمات.. إلخ، أو بالاعتداء عليهم عبر استحلال واستهداف أرواحهم وأموالهم وأعراضهم، دون أدنى حد من ورع أو تحسب.

4- رفع الضرر الذى يلحق بمجتمعات غير المسلمين من المتطرفين والإرهابيين الذين يقتلون ويخربون باسم الإسلام، بعد أن قسموا العالم إلى «فسطاطين»، حسب تعبير زعيم تنظيم القاعدة الراحل أسامة بن لادن، وهى مقولة مسنودة تاريخياً على تقسيم العالم إلى «دار حرب» و«دار إسلام» لتبرير التوسع الإمبراطورى الأموى والعباسى والعثمانى باسم نشر الإسلام وحراسته. فالتنظيمات الإرهابية استهدفت العديد من الدول فى الشرق والغرب، وتمكنت من تنفيذ عمليات إرهابية ضد منشآت ومؤسسات وأرواح مواطنين ومصالحهم، وتلاحقهم بتهديد إما يتأسس على تكفيرهم، أو ينبنى على استدعاء إحن القرون الوسطى، أو عدم التفرقة بين دول تعتدى على العرب والمسلمين وأخرى لا تفعل ذلك، لكنها لا تنجو من العقاب الإرهابى لمجرد أنها دول غربية أو يدين أغلب سكانها بالمسيحية.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
3.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg