| 26 أبريل 2024 م

أراء و أفكار

رئيس التحرير.. يكتب "عابر سبيل": دم القبطي مش رخيص

  • | الخميس, 19 أكتوبر, 2017
رئيس التحرير.. يكتب "عابر سبيل": دم القبطي مش رخيص
أحمد الصاوي .. رئيس تحرير جريدة صوت الأزهر

كيف ستنظر المحكمة لقاتل القمص سمعان؟

إجابة هذا السؤال التى تعرفها ويعرفها كل المصريين على مدار أكثر من 500 عام، أن أوراق القضية هى التى تحكم تلك النظرة وما فيها من وقائع وقرائن ويقين عن الاستهداف والتربص والتعمد لقتل إنسان والإصرار على إزهاق روحه ومحاولة التمثيل بجثته.

قانون العقوبات إذن هو الذى سيطبق فى تلك الحالة أحكامه ومواده، لا أقوال الفقهاء ولا اجتهادات المجتهدين، وقانون العقوبات ينظر للجريمة ولا ينظر لديانة الجانى ولا المجنى عليه.

هل معنى ذلك أن القانون الذى ستُعرض عليه القضية دون تركيز على ديانة الجانى والمجنى عليه، أحكامه غير مستمدة من الشريعة الإسلامية؟

على العكس من ذلك تماماً، كل أحكام الشريعة الإسلامية الثابتة والمستقرة والمتوافقة مع النصوص الكريمة فى القرآن الكريم تحمى النفس البشرية، ولا تسمح بإزهاق أرواح الناس بغير نفس وفى غير موضع حرب أو قصاص يتولاه القضاة والقانون، ولا تفرق فى ذلك بين مسلم وغير مسلم، وتوجب القصاص من أى قاتل متعمد لأى مجنى عليه غير محارب مهما كانت ديانته.

هذا ما أفهمه، وما استقر عليه الأمر فى مصر طوال قرون طويلة، من حسم واضح ومباشر لجدل فقهى دار فى زمان مضى، ليس على جُرم القتل وإنما على عقوبته، فذهب البعض لوجوب القصاص، والبعض الآخر لتغليظ الدية، وفهم منه البعض أنه لا يجوز القصاص من مسلم قَتَل «غير مسلم»، فيما استقر الفهم لقرون طويله أن الأصل القصاص، وأن النص الواضح «من قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً»، تحدث عن الناس، كل الناس، ولم يميز بين الناس حسب اعتقادهم أو دياناتهم.

وأياً كان هذا الجدل الفقهى أو الخلاف فى التقدير الذى كان قائماً، فإنه من غير المفهوم إثارة قضية كتلك فى وضع مستقر لنحو 500 عام، تبنت فيه مصر وأزهرها ومشايخها المعتبرون المعتمدون مبدأ عدم التمييز، وتساوى المواطنون أمام القانون بغض النظر عن دياناتهم.

ووسط مناخ الاصطياد يذهب البعض للإشارة إلى قضية مقتل رئيس الوزراء المصرى الأسبق بطرس باشا غالى فى العام 1910، والتى نال فيها المتهم إبراهيم الوردانى حكم الإعدام، وقيل إن مفتى الديار المصرية وقتها الشيخ بكرى الصدفى رفض إعدامه لأسباب شرعية تستند إلى عدم جواز القصاص من مسلم فى غير مسلم.

لكن طرح هذا الأمر بهذا الاقتطاع من سياق أوسع وأعم يمثل تدليساً مقصوداً وفاضحاً، لأن قضية مقتل «بطرس غالى» كانت قضية وطنية وليست طائفية، فلم يقدم الوردانى على قتله لأنه رئيس وزراء مسيحى، وإنما لأنه الرجل الذى ارتبط اسمه بمذبحة دنشواى وموالاة الإنجليز ومعاهدة السودان وتمديد امتياز قناة السويس وغيرها من المواقف التى جعلته وقتها وفى أذهان طلاب الحركة الوطنية «خائن».

وبالتالى كان قتله - رغم عدم إقرارى به، وبمعايير هذه الفترة - «فعلاً وطنياً»، وكانت محاولة المفتى لإنقاذه من الإعدام يحركها شعور وطنى مع مشاعر وطنية فى الشارع تؤيد إنقاذه من الإعدام، وهى مشاعر كان يتوحد فيها المصريون - مسلمين ومسيحيين -، وتصد وبقوة محاولات الإنجليز تصوير المسألة وكأنها طائفية، وإحداث وقيعة بين المسلمين والمسيحيين فى تلك الفترة الملتهبة بالمشاعر الوطنية والتوحد ضد الاحتلال الإنجليزى، وكانت أيضاً تنطلق - فى نظرى - من اعتبار بطرس باشا «محارباً» بسبب وقوفه ضد المصالح الوطنية وانحيازه للإنجليز، كما كانت القناعة الكاملة عنه فى الشارع المصرى فى تلك الفترة، حتى إن محامى الوردانى «المسيحيين» ومنهم ناصف أفندى جنيدى منقبادى قال: «إننا جميعاً قد ضاقت صدورنا من السياسة المنحازة للإنجليز التى كان يدافع عنها بطرس باشا، وإننى لأصرح بصفتى مصرياً قبطياً أن حركتنا إنما هى حركة وطنية ترمى إلى الحرية».

ومع ذلك جرى تطبيق القانون على الوردانى وتم إعدامه، وتحول لأيقونة وطنية تجلت فى غناء المصريين له يوم أن حُدد إعدامه: «قولوا لعين الشمس ما تحماشى.. لأحسن غزال البر صابح ماشى»، وقبل ذلك التنفيذ بقرون وبعده يُطبق القانون فى مصر على كل قاتل أياً كان دينه وأياً كان دين القتيل، ويؤيد الأزهر ومؤسساته وهيئاته ودار الإفتاء المصرية هذا النهج تأييداً لا لبس فيه.

فإذا افترضنا أن كل منتفضٍ أو منتقدٍ غير متربص يسعى لتغيير أمر يراه «معوجاً» فما الذى يسعى إليه من يفتحون ملفاً محسوماً تماماً بكل وسائل الحسم القانونية والشرعية والإنسانية؟!

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg