| 10 مايو 2024 م

أراء و أفكار

الدكتور عبدالحليم منصور.. يكتب "ونواصل": توثيق الزواج في ضوء قواعد المصالح والمفاسد

  • | الجمعة, 20 أكتوبر, 2017
الدكتور عبدالحليم منصور.. يكتب "ونواصل": توثيق الزواج في ضوء قواعد المصالح والمفاسد
د. عبد الحليم منصور

من المعلوم أن عقود الزواج حتى ما قبل عام 1931 من القرن الماضى كانت تبرم بصدور صيغة عقد الزواج من طرفيها، مصحوبة بشهادة الشهود، والولى، ولم يكن توثيق الزواج إلى ما قبل هذا التاريخ أمرا ضروريا. ثم تدخل المشرع بالمرسوم بقانون رقم 78 لسنة 1931 م ونص فى المادة 99 /4 على أنه: «لا تسمع عند الإنكار دعوى الزوجية، أو الإقرار بها، إلا إذا كانت ثابتة بوثيقة زواج رسمية فى الحوادث الواقعة من أغسطس سنة 1931 م.. »

والسؤال الذى يطرح نفسه الآن هل هذا التدخل التشريعى باشتراط توثيق عقود الزواج يعد مخالفا لأحكام الشريعة الإسلامية أو لا؟

الذى يبدو لى أن تدخل المشرع باشتراط التوثيق أمر غاية فى الأهمية وهو يتفق مع الشريعة مائة بالمائة، وأن خلاف ذلك ينافى مقصود الشرع الحنيف، ذلك أن هذا التدخل له ما يبرره، ويمكن تأصيل ذلك من الناحية الشرعية على الآتى:

أولا - تحقيق المصالح، ودرء المفاسد: ويتجلى ذلك من خلال الحفاظ على حقوق الزوجين، وحقوق الأطفال من ناحية إثبات نسبهم، وحقوقهم فى النفقة وغيرها وكذا من ناحية إثبات الزواج أمام المجتمع، وعدم القدرة على جحده، أو التنصل منه ومن تبعاته، وكل هذه حقوق مهمة يكفل التوثيق تحقيقها، ويؤدى عدم توثيق العقد إلى جحد الزواج وإنكاره، وربما الهرب من الزوجة وإنكار نسب الأطفال وجحدهم، وضياع حقوق الرجل والمرأة على حد سواء.

ثانيا - رفع الضرر: ويتجلى ذلك من خلال رفع الضرر عن المرأة وإثبات حقها فى التطليق للضرر، أو حقها فى أن تفتدى نفسها خلعا، إن لم تقدر على الاستمرار فى الحياة الزوجية، وتخشى ألا تقيم حدود الله عز وجل، وفضلا عن ذلك الحفاظ على النظام العام والآداب فى المجتمع، بحيث لا يدعى اثنان الزواج بمجرد الكلام، حتى لا تنشر الفاحشة والرذيلة عن طريق الادعاء من البعض دون أن يكون هناك زواج حقيقى معترف به من المجتمع.

ثالثا - القواعد العامة فى الشريعة تدعو إلى التوثيق، خشية جحد الحقوق وإنكارها، كما هو الشأن فى أمر الدين، قال تعالى: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ» وإذا كان هذا فى أمر المال، فإنه يكون آكد فى شأن العلاقة الزوجية، التى سماها القرآن بالميثاق الغليظ، ووصفها بعقدة النكاح، التى يستسهل الكثيرون التلاعب بها، وانتهاك أمرها، والتغرير ببعض نساء المسلمين.

رابعا - رفع التنازع والحد من الخصومات: إذا كانت المحاكم اليوم تضج بملايين القضايا بسبب الزواج الموثق لدى الدولة، فما بالنا لو أن التوثيق غير موجود أصلا؟ كانت الفوضى ستعم أرجاء المجتمع، وستجحد الحقوق، وينكر النسب. ويعيش الناس حالة فوضى لا مثيل لها، لذا كان تدخل المشرع بالمعالجة التشريعية أمرا فى غاية الأهمية قال السيوطى فى الأشباه والنظائر: «القاعدة الخامسة: تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة «هذه القاعدة نص عليها الشافعى، وقال: «منزلة الإمام من الرعية منزلة الولى من اليتيم».

خامسا - من خلال ما تقدم يتضح بجلاء أن توثيق عقود الزواج يحقق مقصود الشرع بحفظ النسل، وحفظ النسب، وحفظ سائر الحقوق المتعلقة بالزوجية، فضلا عن حقوق المجتمع، ويمنع التلاعب بأمر الزواج، وجحد الأبناء، وسائر الحقوق، ومن المعلوم أن كل نصوص الشريعة تهدف فى الجملة إلى الحفاظ على مصالح الخلق، ومصالح الشرع، وكل ما يؤدى إلى ذلك فهو مشروع، والقاعدة الأصولية أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. وإننى لأرجو من المشرع أن يتدخل بإضافة نص عقابى يجرم فيه الزواج غير الموثق، وينزل عقابا رادعا بكل من له علاقة بذلك، حتى يتحقق الردع العام والخاص فى المجتمع، وفضلا عن ذلك لا بد من التنصيص على أن أى زواج يتم خلافا لما نص عليه ولى الأمر فهو غير معتبر شرعا، ولا معترف به من الدولة، ويستحق فاعله العقاب المقرر من قبل ولى الأمر.

حفظ الله مصر    حفظ الله الأزهر الشريف.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg