| 20 مايو 2024 م

أراء و أفكار

د.عمار علي حسن.. يكتب "تجديد": في معنى التسامح "1 -4"

  • | الجمعة, 20 أكتوبر, 2017
د.عمار علي حسن.. يكتب "تجديد": في معنى التسامح "1 -4"
د. عمار علي حسن

ربطت الفلسفة السياسية بين «القبول» و«الالتزام السياسى» حين ذهبت للإجابة على تساؤل مفاده: لماذا يتعين علينا إطاعة الحكومة؟ وهو السؤال الذى أثاره العقل الأوروبى حين شرع فى مراجعة فكرة «الحق الإلهى للملوك» وراح يضربها من كل جانب حتى تهاوت صريعة تحت أقدام فكرة «العقد الاجتماعى» الذى يعد المفكر الإنجليزى جون لوك من روادها. وتطالب هذه الفكرة بإبرام عقد بين الحاكم والمحكوم، يحدد الواجبات والحقوق المتبادلة. فيصبح من الواجب على المواطنين طاعة الحاكم ما دام الأخير ينفذ بنود هذا العقد، فإن أخل بها بات الطريق مفتوحا ومباحا أمام التمرد عليه، والخروج على سلطانه.

وأفاض المفكرون السياسيون المعاصرون فى ترميم الشروخ التى وردت على فكرة «العقد الاجتماعى» فى طورها الأول، فأنهوا معضلة التناقض بين انتماء الفرد للدولة وبين رفضه للنظام السياسى القائم من خلال القول بأننا حين نتخذ موقفا سياسيا معارضا، أو نمتنع عن التصويت للحكومة الموجودة فى السلطة، فإن هذا لا يعنى أبدا رفضنا للإجراءات التى تم بموجبها اختيار تلك الحكومة، وهى إجراءات تنطوى على الاعتراف بحق المعارضة فى التعبير عن رأيها والوصول إلى السلطة، وهذا ما تتيحه النظم الديمقراطية.

عند هذا الحد بدأت فكرة قبول الآخر، بوصفه هنا يمثل السلطة أو الحكومة، لتسيح فى الجهات الأربع بحثا عن مناطق جديدة لإنشاء روافد المصطلح وتجلياته وتطبيقاته، فظهرت تعبيرات مثل «الرأى الآخر» و«عدم إقصاء الآخر» و«عدم إلغاء الآخر» و«التعايش مع الآخر».. الخ. وراح البعض يتوسع فى تعريف الآخر إلى درجة وصفه بأنه «هو غيرك بعد عنك أم قرب»، ولذا فقد يكون أباك، وأمك، وأخاك، وابنك، وزوجك، وابنتك، وابن عائلتك، وجارك، وابن بلدك، وأخاك فى الدين، وفى الإنسانية. وطفق آخرون يتساءلون عن المعنى الواسع لقبول الآخر: هل هو قبول الاستماع إليه والدخول فى حوار معه؟ أم قبول التعامل معه؟ أم قبول التعايش برفقته؟ أم التزاوج والمساكنة؟ أم المحبة والتآخى؟ أم التساوى فى كل شىء؟ أم التساهل فى كل ما لديه من اعتقادات وسمات وأفكار وتصورات وتصرفات؟

وكل هذه أسئلة مشروعة فى إطار المساجلات التى يخشى أصحابها من أن تكون فكرة «قبول الآخر» تعنى بالضرورة التنازل له، والانسحاق أمامه، والتسليم بكل ما يعتقد فيه أو يفكر به، والتساهل أمام سلوكه مهما كان معوجا، وأمام أقواله مهما كانت مغلوطة. أو أنها تعنى أن يتخلى الإنسان عما هو منوط به من تغيير أوضاع بائسة، أو محاربة أفكار هدامة، أو الأخذ بيد الناس إلى ما هو أفضل وأرقى دائما.

ومثل هذه الهواجس تنبع من خلط أصحابها بين فكرة «القبول» وفكرة «الاتفاق»، فالأولى لا تعنى الثانية فى كل الأحوال والأوضاع. فالاتفاق يعنى تحديد النقاط التى يجمع عليها أشخاص يهتمون بموضوع أو موقف مشترك. وقد يعبر عن مجموعة القيم والمعتقدات والاتجاهات التى يتخذها أعضاء ثقافة معينة، وتمثل إطارا متفقا عليه، بغية تحقيق التكامل الاجتماعى. ولذا فإن من الضرورى أن يوجد قدر ما من الاتفاق حول شرعية النظام السياسى، وتوزيع الأدوار، وتحديد المسئوليات، وبناء المكانة.

والاتفاق نوع من التضامن والمشاركة فى القيم والأهداف والقواعد التى تحكم النسق الاجتماعى، وهو شعور بالوحدة أو الكيان الكلى، لكن هذا لا يعنى بالضرورة أن الاتفاق يأتى كاملا داخل هذا النسق فى كل الأوضاع والظروف والأحوال. وهو قد يكون كبيرا فى موضوعات معينة أو مواقف محددة، وصغيرا أو محدودا بالنسبة لأخرى. كذلك تختلف نسبة السكان الذين يشتركون فى الاتفاق حول نقاط مرجعية محددة. ومن العسير تحقيق اتفاق أو إجماع مطلق فى المجتمعات الكبيرة المعقدة، التى توجد بها طبقات مختلفة المصالح، وجماعات سلالية، ومذاهب دينية، وثقافات فرعية متنوعة، ومجتمعات محلية متعددة، وتوزيع غير متعادل للقوة والسلطة، والدخل، وتباين القدرات، وفرص التعليم، والموارد، والمهن والوظائف.

(ونكمل الأسبوع المقبل إن شاء الله تعالى)

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg