| 07 مايو 2024 م

أراء و أفكار

الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الشريف.. يكتب: الأسرة ودورها فى حماية الأخلاق

  • | الخميس, 26 أكتوبر, 2017
الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر الشريف.. يكتب: الأسرة ودورها فى حماية الأخلاق
د. عباس شومان .. وكيل الأزهر الشريف

لم يعد يخفى على أحد التراجع الأخلاقى الكبير الذى ضرب المجتمعات الإسلامية خلال السنوات الأخيرة فى كثير من سلوكيات الناس، وذلك بسبب عوامل كثيرة تسببت بشكل مباشر أو غير مباشر فى هذا التراجع الملحوظ، ومن أهم هذه العوامل من وجهة نظرى انشغال الأسرة عن الدور المنوط بها فى تربية أولادها وبناتها ومتابعة أحوالهم نتيجة ضغوط الحياة والسعى لتحسين الدخل لتوفير الحد الأدنى من متطلبات أفراد الأسرة المالية، ففى زماننا نادراً ما تجتمع الأسرة بجميع أفرادها معاً على مائدة طعام أو شاشة تلفاز لمشاهدة شىء هادف ولو مرة واحدة فى اليوم، ناهيك باجتماع الأسرة ولو مرة واحدة فى الأسبوع فى جلسة حوارية أسرية يناقشون فيها ما يحتاج إلى نقاش، ويطمئن أولياء الأمور على أحوال أبنائهم الدراسية والعملية، ويقفون على المشكلات التى يتعرضون لها فى حياتهم ويتشاورون فى حلها، مع حرص الآباء والأمهات على غرس القيم النبيلة والأخلاق الكريمة فى نفوس أبنائهم.

لقد كانت تلك حال الأسر فى الأجيال السابقة، أما الآن فكثير من أبناء هذا الجيل لم يشهد مثل هذه الجلسات، وربما لم يسمع عنها شيئاً؛ فأفراد الأسرة فى المدينة يتواصلون فيما بينهم من خلال التليفونات، وربما فعلوا ذلك وهم فى غرف بيوتهم، ولم يعد يختلف حال الريف كثيراً عن حال المدينة؛ حيث تجد رب الأسرة فى الريف - وربما تكون معه الأم أيضاً - يكدح فى قراريط لتوفير لقمة العيش لأبنائه، وهو ما يشغله عن متابعة أولاده طوال اليوم، وتكاد تنحصر معرفة الأب بمشكلات أولاده فى المدن والقرى على السواء من خلال ما تعرضه الأم عليه فى حجرتهما الخاصة وهو يغالب النوم بعد يوم شاق، وربما يغلبه النوم قبل أن تكمل الأم عرض المشكلة، وقد تكون هى نفسها تعانى مما يعانى هو منه لكونها من العاملات، وقد تكون معاناتها بسبب خدمة أولادها والقيام على شئون بيتها طوال اليوم، فإن لم ينم الأب فى أثناء كلام زوجته فربما نهرها لتتوقف عما يعتبره ثرثرة مكتفياً بمطالبتها بالتصرف، وربما أسمعها بعض عبارات التوبيخ واللوم لسوء تربيتها لصاحب المشكلة من أبنائه!

ومع الأهمية البالغة للعمل من أجل الحصول على المال الذى به تنتظم حياة الأسرة، إلا أنه يغيب عن كثير من أرباب الأسر أن الرعاية التربوية والتوجيهية والرقابية لأبنائهم وبناتهم أهم بكثير من الأموال؛ فقلة المال مع تربية الأولاد تربية سليمة على الفضيلة والقناعة والرضا لا يؤثر على حياة الأسرة ومسيرتها، وكثرة المال مع غياب الدور التربوى والتوجيهى والرقابى لولى الأمر يفسد الأبناء ويفقدهم تحمل المسئولية.

ولعل من أخطر الجوانب الحياتية تضرراً جراء تراجع دور الأسرة فى تربية الأبناء هو الجانب الأخلاقي؛ فللأسف الشديد بات بعض الشباب من الجنسين لا يخزون من سلوكهم المنحرف، وقد يباهون به ويفخرون بين رفاقهم على الرغم من أنه لا مجال فيه للفخر ولا التباهى، والأدهى أن خرج علينا مَن يجاهر بأن الانحراف الأخلاقى هذا يدخل فى إطار الحرية الشخصية، بل أصبح الشذوذ الجنسى نوعاً من الثقافة والحقوق المطلوب من المجتمع قبولها واحترام أصحابها بعد أن ظلت طوال عهود البشرية شيئاً مقززاً تنفر منه النفوس السوية وإن لم تكن متدينة، بل إنه الفحش والرذيلة والابتذال والانحطاط وانتكاسة الفطرة فى أبهى صورها. ولا عجب فى نفور النفوس الإنسانية السوية منه ولا غرابة؛ فحتى الحيوانات لا تنتهجه سلوكاً بين أفرادها، ولا أظن أن أحداً سمع عن معاشرة جنسية بين مثليين فى عالم الحيوان!

وفوق مخالفة هذا السلوك الأخلاقى المشين لتعاليم جميع الشرائع السماوية والقوانين الوضعية والأعراف الإنسانية والعادات والتقاليد المجتمعية، وأضراره الصحية والنفسية والاجتماعية، فإن ثمة خطورة أخرى تكمن فى إخلال هذا السلوك المنحرف بالمقصود من وجود نوعين للبشر؛ حيث لكل من الذكر والأنثى خصائصه الجسمانية التى هيأها الخالق عز وجل للوظيفة المنوطة بكل منهما، فقد خُلق الذكر ليكون أباً وراعياً لأسرته ويعمل ويكدح ويدافع عن وطنه ويحمى أمنه، وخُلقت المرأة لتكون أماً ومصدراً للحنان والعطف وتخفيف الضغوط النفسية والحياتية عن زوجها وأولادها والمحيطين بها. وهذا الشذوذ الذى ينتهجه بعض الشباب سلوكاً يفسد هذا كله، فكيف لهؤلاء الشواذ إنجاب أولاد وتكوين أسرة وقد ارتبط شاب بشاب مثله أو فتاة بفتاة مثلها؟! وكيف يُتوقع من شاب ارتبط بشاب مثله وأطلقا العنان لشهواتهما بهذه الطريقة المقززة أن يتحمل مسئولية الدفاع عن الوطن وحدوده التى لا يتحملها إلا الرجال، فضلاً عن إقدامه لنيل الشهادة دفاعاً عن رفاقه ومَن خلفه من بنى وطنه؟! وكيف لهؤلاء الشواذ أن يقووا على مكابدة أعباء الأعمال الشاقة التى من دونها لا ترتقى الأوطان ولا تتقدم الأمم؟! وإذا افترضنا جدلاً أن شاباً من هؤلاء الشواذ كتم شذوذه هذا وأخفاه عن أهله وأقاربه ووافقهم مضطراً على الزواج بشكله الطبيعى، فكيف له أن يقيم علاقة طبيعية مع زوجته؟! وكيف له أن يكون رب أسرة مسئولاً عن رعاية أسرته وغرس الأخلاق السوية والقيم الفاضلة فى نفوس أولاده إن أنجب؟! فلا شك أن فاقد الشىء لا يعطيه.

ومن ثم، فقد باتت الحاجة ملحة لاستعادة الأسرة دورها فى تربية أولادها، ومراقبة تصرفاتهم بلطف وتوجيههم لتدارك أخطاء ممارساتهم فى إطار النصح والإرشاد، وحمايتهم من أنفسهم ومن أصدقاء السوء، وغرس الأخلاق الحميدة والقيم النبيلة المستمدة من ثقافتنا النقية وشرعنا الحنيف وعاداتنا وتقاليدنا المجتمعية المنضبطة فى نفوسهم، ومن الضرورى كذلك استعادة جلسات الحوار التى تناقش فيها الأسرة أحوالها وتعالج مشكلاتها، وتتدارس فيها سيرة رسولنا صلى الله عليه وسلم وصحابته رضوان الله عليهم وتستخلص منها الدروس والعِبر، وعلى أولياء الأمور حث أبنائهم على الطهارة والفضيلة واصطحابهم إلى بيوت الله لا سيما فى صلوات الجُمع والأعياد. حمى الله أولادنا وبناتنا عدة المستقبل وحملة رايته وبناة نهضته.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg