| 14 مايو 2024 م

أراء و أفكار

الدكتور غانم السعيد.. يكتب: الإسلام فطرة.. تَتَشَرَّبُهُ فطرة

  • | السبت, 4 نوفمبر, 2017
الدكتور غانم السعيد.. يكتب: الإسلام فطرة.. تَتَشَرَّبُهُ فطرة
الدكتور غانم السعيد

فى حى المعادى، وفى أحد المساجد التى أؤدى فيها بعض خطب الجمعة يتردد عدد من الأجانب من أصحاب البشرة السمراء لصلاة الجمعة فيه، لفت انتباهى فى هؤلاء الأجانب شاب قوى البنية فارع الطول، جميل المحيا، باسم الثغر، تعود بعد كل صلاة أن يقْبِل على هاشا باشاً ليسلِّم ويحرص على أن يقبِّل على يدى ورأسى، وكنت كلما تأملته أقول فى نفسى: سبحان الله!! لما أراه من طغيان النور الربانى المنبعث من سمو الروح وصفاء القلب على سمرة البشرة، وكنت أظن فى بادئ الأمر أنه أحد أبناء أفريقيا الذين يحلون ضيوفا علينا لطلب العلم أو للتجارة، وقد دعانى الفضول يوما ما أن أقترب منه وأتعرف عليه.

سألته: ما اسمك؟ قال: قبل الإسلام أم بعده؟؟، فأخذتنى الدهشة من إجابته حتى أدركها فى وجهى، فقلت له: قبل وبعد، فقال: أما قبل ف (جون)، وأما بعد والآن وإلى أن ألقى الله ف (محمد).

فسألته: وما جنسيتك؟ فقال: أمريكى من نيويورك ولكن جذورى أفريقية من نيجيريا، كل ذلك يقوله بلغة عربية فصيحة حتى لتشعر أنك أمام عربى بدوى قح وفد عليك من صحراء السماوة التى أنطقت المتنبى بفصيح الألفاظ، وغريب الكلمات وصحراوية الصور والخيالات، سألته: متى وكيف دخلت الإسلام؟؟ قال: أما متى؟ فمنذ خمسة أعوام.

أما كيف؟؟ ردد على نفسه السؤال ووجه تلوح منه ابتسامة حيية متحرجة، ولكن سرعان ما ابتلع ريقه، وعادت لمحياه ملامح الجدية، ثم قال: قصة عجيبة وغريبة ياشيخى: حيث تعرفت فى جامعتى على زميلة لى مصرية ومن أسرة مسلمة، وما كنت أظنها أنها ستبادلنى مشاعر الحب لسمرة بشرتى ولأمور أخرى، ولكنها وافقت وعشنا قصة حب رائعة لمدة سنتين، ولما عرضت عليها الزواج رفضت لأن أسرتها المسلمة لن توافق على زواجها من رجل على غير دينها وأنا مسيحى، فقلت لها: أريد الذهاب إلى بيتكم والتعرف على أسرتكم كصديق، فوافقت، وفعلا ذهبت ولقيتها أسرة متدينة طيبة تصلى صلاتها فى موعدها وتصوم بعض أيام الأسبوع، وتتحدث بصدق، وتلتزم الأمانة، وترتدى الأم الحجاب وتقرأ القرآن.

وكان مما يثير دهشتى وتعجبى بأن زميلتى بنت هذه الأسرة لا ترتدى الحجاب ولا تصلى كأمها، تعلق قلبى بهذه الأسرة وأردت أن أتعرف على هذا الدين الذى يعتنقونه أكثر وأكثر، فذهبت إلى أحد المراكز الإسلامية وجلست إلى بعض شيوخ الأزهر هناك فشرحوا لى قيم الإسلام وأخلاقه وسننه وفرائضه وفى كل يوم يقبل قلبى وعقلى على الإسلام حتى حانت اللحظة الحاسمة فى حياتى، فذهبت إلى المركز الإسلامى ونطقت بالشهادتين ودخلت فى الإسلام.

وذهبت من المركز مباشرة إلى أسرة حبيبتى أحمل بين جنباتى أعظم فرحتين فى حياتى، فرحتى بأننى أصبحت مسلما وفرحتى بارتباطى بمن جعلتنى مسلما، طرقت الباب وكانت فى انتظارى، لفت انتباهها تلك الفرحة الغامرة التى تتهلل على وجهى، فسألتنى بلهفة: ما الأمر، فقلت لها: حبيبتى، لقد آن لحلمنا أن يتحقق، لقد آن لى أن أكون زوجا مسلما لزوجة مسلمة، لقد أعلنت إسلامى الآن حبيبتى!!، وهنا رأيت الخبر يقع عليها كالصاعقة، فاغبر وجهها واسود محياها، ثم قالت بصوت عال متهدج وهى فى شدة الغضب:

قالت له: أرجوك لا تدخل الشقة ولا تخبر والدى ووالدتى بإسلامك حتى نتفاهم فى الأمر خارج البيت... انتظرها محمد فى كافيه على ناصية الشارع وهو فى دهشة من تصرفها، فلما جاءته لم تهنئه على اعتناقه الإسلام فأسرها فى نفسه، ثم بدأت تحدثه بانفعال عن شروطها للزواج بعد أن دخل فى الإسلام، ومن أهمها أن لا يجبرها على حجاب ولا صلاة، فقال لها هذه أول شروطى وتبقى شروط أخرى، قالت له: لا تقلها لأننى لن أقبلها، ثم تركته بلا استئذان وانصرفت.

يقول محمد: أخذتنى لحظة تأمل نظرت فيها فى حالى وفى حالها، فحبى لها هو من جذبنى إلى الإسلام فعرفته، وعدم فهمها للإسلام هو الذى فرق بينى وبينها، فحمدت الله وشكرته بعد أن شعرت أن نور الإسلام قد ملأ على جنبات قلبى ولم يعد لها مكان فيه، ثم نهضت من على مقعدى وأنا أردد قول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: ((إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء)).

ثم يواصل محمد حديثه قائلا: وبعدها شغلت بتعلم العربية واعتبرت أن من أول الواجبات على أن أتعلمها كما كان ينطقها رسول صلى الله عليه وسلم حتى أحفظ القرآن وأتعلم السنة، وانصرفت إلى طلب العلم الشرعى من شيوخ الأزهر فى المركز الإسلامى، وبينما أنا كذلك وبعد عدة شهور، رأيت فتاة تدخل المركز يبدو من ملامحها أنها متحيرة تبحث عن الحقيقة التى كنت أبحث عنها، نهضت مسرعا إليها، عارضا خدماتى عليها، وفعلا صدق حدسى فيها، فقد قالت لى إنها قرأت عن الإسلام كثيرا حتى اقتنعت به، وإنها تريد شيخا أزهريا تعلن إسلامها على يديه، فصحت مهللا ومكبرا، ثم قلت لها: من أى البلاد أنت؟ قالت أمريكية وقد هاجرت من سنغافورة.

فرحت بها كثيرا وهنأتها على أن هداها الله للإسلام، وعرضت عليها أن تبقى الليلة فى ضيافة دار المركز حتى يأتى العالم الأزهرى غدا، فوافقت، ثم عرضت عليها أن ترتدى الزى الإسلامى من الثوب الفضفاض والحجاب فوافقت أيضاً بكل ترحاب، فأخذتها إلى محل البيع المجاور للمسجد فاشتريت لها ما يناسبها، ثم خرجت من المحل وكأنها حورية من الجنة.

وفى اليوم التالى جاء الشيخ وأقيمت مراسم النطق بالشهادتين، وبعد أن أعلنت إسلامها، فاجأتها بسؤال لم تتوقعه، قلت لها: أتقبليننى زوجا لك على كتاب الله وسنة رسول الله وحددت لها مبلغا كبيرا من المال كصداق لها، فأخذتها الدهشة قليلا ثم قالت مبتسمة: موافقة، فعقد الشيخ عقد الزواج واستضافتها دار المسجد حتى جهزت شقة الزواج فى خلال عدة أيام، ثم نقلتها إلى شقة الزوجية فى زفة إسلامية أسعدتها وطيبت خاطرها.

ثم يواصل محمد حديثه قائلا: لم أعرف معنى حديث رسول الله: (الدنيا متاع وخير متاعها الزوجة الصالحة) إلا من زوجتى هذه.

ثم يقول: وها نحن ياشيخنا قد تركنا أمريكا وجئنا بكل مدخراتنا لنعيش مدة فى مصر نأخذ القراءات القرآنية من قرائها ونتلقى الحديث من محدثيها، والفقه من فقهائها، والعربية من علمائها، والحمد لله فإن مصر وأزهرها بخير، فهدهدت على كتفيه ودعوت له ولزوجه بالتوفيق والهداية والسعادة.

ولا يزال فى القلب والعقل كثير من المعانى والدلالات، وحقا فإن الإسلام فطرة تتشربه فطرة، والحمد لله على نعمة الإسلام.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg