| 02 مايو 2024 م

أراء و أفكار

حرب الأفكار.. المعركة الأخيرة لـ"الخلافة"

  • | السبت, 11 نوفمبر, 2017
حرب الأفكار.. المعركة الأخيرة لـ"الخلافة"

بعد مرحلة سقوط «دولته» المزعومة، عاد إلى جحره الأول يمارس إرهابه لا على أرض الواقع بل فى الفضاء والخيال الجامح، ليخيل لأتباعه أنه لا يزال نافذاً وقادراً! إنه السحر، أو قل تلك «الآلة الإعلامية» التى برع التنظيم فى استخدامها وتوظيفها.. تلك الآلة التى تخيل لأتباع الجماعة الإرهابية أنها «حية تسعى» وما هى إلا خيالات وأوهام!

لطالما بنى تنظيم داعش مجده على هذه الأوهام، بداية بحلم «الخلافة»، ورسمه فى عقول أتباعه صورة مثالية «لأرض الشريعة»، لكن سرعان ما تبددت هذه الأوهام ومُنى داعش بهزائم وإخفاقات جعلته كالغريق يتعلق بحبال الهواء؛ وأصبحت صناعته الكذب الصريح والإكثار من نشر المعلومات المغلوطة وإثارة الخوف وإشاعة الفوضى وتقويض ثقة العامة من الناس فى مؤسساتهم المختلفة، أملاً فى أن يستشعر الناس أنه لا يزال موجوداً، وحفاظاً على «هيبته» فى قلوب أتباعه التى سرعان ما تكشف لهم الأيام زيفها وباطلها.

الكذب الصريح، شأن التنظيم فى هذه المرحلة؛ ففى شهر يونيو، عندما قام مدمن مخدرات مقامر بإشعال النار فى كازينو فى منتجع وورلد بمانيلا، الفلبين، وأطلق النار على مرتادى المكان ثم قتل نفسه، أعلن داعش مسئوليته عن الحادث وقال إن منفذه جيسى كارلوس، ويبلغ من العمر 42 عاماً، تحول إلى الإسلام قبل شهور من الحادث من دون أن يخبر أحدا. وبعد ذلك كشفت التحقيقات أنها كانت كذبة كبيرة. ثم هو بعد ذلك يتبنى مسئولية حادث لاس فيجاس الذى نفذه ستيفين بادوك، ويزعم أنه تحول للإسلام منذ عدة شهور؛ على الرغم من أن جميع التقارير تفيد بأن بادوك كان مقامراً سكيراً وأنه قتل نفسه بعد تنفيذ الهجوم وأنه لم يعتنق الإسلام أبداً!!!

كثير من الكذب مختلط بكثير من الدعاية والإعلان وسيل من المقاطع الصوتية والمرئية والمقروءة، يرميها التنظيم فى عقول الناس! وأصبح نقل ذلك الكذب وتداول أخبار الإرهاب والترويع وبث الخوف والفوضى ديدن الكثير من منصات الإعلام العالمية، وبات ذلك سبقاً صحفياً وإحرازاً للتقدم الإعلامي! وإلا فما معنى أن تنشر صحيفة كبيرة لها اسمها على الصعيد الدولى مثل صحيفة «Express» البريطانية خبراً تحت هذا العنوان: «التهديد الإرهابى: داعش يخطط لشن هجمات الغازات السامة على وسائل النقل العامة» ثم يتناول الموقع تكهنات من يسمون «بالخبراء» من أن الإرهابيين الإسلاميين يخططون لشن هجمات الغازات السامة على القطارات وأنفاق المترو والطائرات فى جميع الدول الأوروبية وأن أجهزة الأمن فى حالة تأهب عال تحسباً لشن تنظيم داعش هجوماً بالأسلحة البيولوجية. وتحذر الصحيفة من أن التنظيم ربما يستهدف وسائل النقل العامة أو أماكن وجود السياح مثل المتاحف والمعارض؛ وأن الجواسيس حذروا أجهزة الأمن من احتمالية استخدام داعش للأسلحة الكيميائية. وأن هذه الخطوات تأتى فى سياق سعى التنظيم الإرهابى للبحث عن وسائل موثوق بها لشن هجماتهم عقب سلسلة هجمات الشاحنات والسكاكين.

ونحن إذ نرصد هذه الأخبار، نتساءل من المستفيد من نشر خبر مثل هذا لم يعد كونه تكهنات وتوقعات ليس عليها دليل؟ وهل تخدم فكرة نشر خبر كهذا الشأن العام البريطانى وأجهزة الأمن أم تثير الرعب والخوف والإرهاب فى قلوب مرتادى الأماكن العامة ومستخدمى وسائل النقل والمواصلات والمترددين على الأماكن السياحية؟ وهل يساعد هذا الخبر فى مواجهة داعش وإرهابه فى بريطانيا أم أنه يضيف إلى رصيده؟

ما زلنا نؤكد على أن التغلب على التمثيل العسكرى للإرهاب من أسهل ما يكون، وأن من الصعب جداً قتل الفكرة فى العقول واستئصالها من القلوب. والتنظيمات الإرهابية عندما تنهزم عسكرياً، تعود أدراجها لتمارس ضربها على وتر الأفكار!! والعالم إذا لم يدرك أن الحرب إنما هى حرب أفكار، سيخسر كثيراًّ! والفكرة هى نشر الرعب وبث الخوف وزعزعة الاستقرار وتشكيك الناس فى دولهم ومؤسساتهم، فهل نفوت عليهم هذا أم نساعدهم فى نشره وترويجه؟

عينة أخرى رصدناها هذا الأسبوع من هذا القبيل، فقد أوردت عدة مواقع إخبارية عالمية خبر توعد تنظيم داعش الإرهابى لكأس العالم فى روسيا والمقرر أن يبدأ بعد 7 أشهر؛ حيث أطلقت إحدى الوكالات الإعلامية التابعة لداعش ملصقاً مروعاً يروج للإرهاب من خلال استخدام صورة لاعب برشلونة الشهير ميسى وهو واقف خلف القضبان وعيناه تذرفان دماً، وذلك فى محاولة منها لنشر الخوف بين المشاركين فى البطولة والمشجعين لها.

وكان التنظيم كان قد نشر قبل أسبوع واحد صورة لمقاتل داعشى يحمل سلاحاً وقنبلة وعليها شعار التنظيم الأسود، ويقف أمام استاد لكرة القدم. وقد تضمن الملصق أيضاً الشعار الرسمى لبطولة كأس العالم عن هذا العام.

وفى ملصق آخر مشابه، ظهر شخص مسلح ومقنّع يحمل سلاحاً ومواد متفجرة بالقرب من استاد لكرة القدم فى روسيا ومكتوب عليه: «أقسم إن نيران المجاهدين ستحرقكم، فتربصوا».

وبما أننا لم نستغل الإخفاقات المتكررة والكذبات الشنيعة التى روجها تنظيم داعش فى هز كيانه وزعزعة هيبته فى قلوب أتباعه والمؤيدين له، يجب ألا نكون عوناً له فى أداء رسالته فى الحياة: «الإرهاب». إن الإسراف فى تناول أخبار داعش وملصقاته وتصريحات قادته والتهويل من المقاطع الصوتية والمرئية التى يبثها من حين لآخر، يخدم داعش فى تلك المرحلة التى يحاول فيها أن يلملم جراحه ويتدارك ما يمكن إدراكه.

وحدة رصد اللغة الإنجليزية

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg