| 19 أبريل 2024 م

أراء و أفكار

دكتورة إيمان رجب.. تكتب: استقلال كاتالونيا ومعادلة الضعف والقوة

  • | السبت, 11 نوفمبر, 2017
دكتورة إيمان رجب.. تكتب: استقلال كاتالونيا ومعادلة الضعف والقوة
دكتورة إيمان رجب

كان تنظيم الاستفتاء على استقلال كاتالونيا رغم رفض الحكومة الإسبانية له، خطوة أطلقت نظريا عملية استقلال الإقليم وفق ما هو منصوص عليه فى قواعد القانون الدولى، ولكن تكشف كيفية تعامل الحكومة الإسبانية مع الإقليم بعد الاستفتاء عن نموذج جديد لكيف يمكن أن تتعامل الدول مع الحركات الانفصالية للحفاظ على تماسكها ووحدة إقليمها.

ووفق قواعد القانون الدولى، فإن الحركة أو الجماعة التى يمكن لها التمتع بالحق فى تقرير المصير فى ظل كونها تقع ضمن سيادة دولة ما، من المهم أن تتوافر فيها مجموعة من الشروط تشمل أن تمثل هذه الحركة أقلية بالمعنى المتعارف عليه، وأن تعيش فى جزء من إقليم الدولة، وأن تتمكن من تنظيم استفتاء حول تقرير المصير، وأن تقبل الحكومة بنتيجة الاستفتاء. وفى حال أن نتيجة الاستفتاء كانت لصالح الاستقلال فإن هناك أحد مسارين، الأول هو قبول الحكومة الدخول فى مفاوضات مع الحركة تنتهى باستقلال الإقليم وقيام دولة جديدة، ومثال على ذلك جنوب السودان التى استقلت فى 2011 بعد مفاوضات مع حكومة السودان برعاية دولية، والثانى رفض الحكومة نتائج الاستفتاء، وفى هذه الحالة يمكن أن تتجه الحركة للحصول على الدعم الدولى لاستقلالها فتعلن الاستقلال من جانب واحد، ومثال على ذلك كوسوفا التى أعلنت استقلالها بصورة فردية عن صربيا فى 2008 ونجحت فى الحصول على اعتراف عدد 115 دولة باستقلالها.

ولا تعد قضية الحركات الانفصالية قضية جديدة، فهى موجودة منذ عقود، وظلت تشغل الدوائر الأكاديمية والسياسية منذ نشأة الدولة القومية الحديثة وفق معاهدة وستفاليا 1648، حيث ظلت الحركات الانفصالية تسعى للحصول على الحكم الذاتى أو الاستقلال التام عن دولها لأسباب سياسية أو اقتصادية أو ثقافية.

وأهمية تصدر هذه القضية المناقشات الحالية مرتبط بعاملين، الأول أن نجاح كاتالونيا فى الاستقلال عن إسبانيا قد يمثل عاملاً محفزاً لحركات انفصالية أخرى داخل إسبانيا على نحو يؤثر على تماسك الأخيرة ووحدتها الأقاليمية، كما قد يحفز أقاليم فى دول أوروبية أخرى على السعى للاستقلال وهو ما سيضع المشروع التكاملى للاتحاد الأوروبى فى مأزق.

ويرتبط العامل الثانى بكيفية تعامل الدول مع هذه الحركات، وهنا يمكن الحديث عن نموذجين، نموذج الدولة الضعيفة التى تتبع سياسات تغذى الميول الانفصالية وتخلق بيئة تسمح للحركة الانفصالية بالسير وفق الخطوات المذكورة، وكذلك تقبل نتيجة الاستفتاء فى حال ارتباطها باستقلال الإقليم.

والنموذج الثانى هو نموذج الدولة القوية القادرة على إفراغ الخطوة الأولى المتمثلة فى النجاح فى تنظيم الاستفتاء على تقرير المصير من مضمونها، وبالتالى لا تحدث أى أثر سياسى يمهد الطريق للخطوة التالية الخاصة بالدخول فى مفاوضات مع الإقليم أو الحصول على تأييد دولى لقرار أحادى الجانب بالاستقلال.

والحديث عن الدولة الضعيفة والدولة القوية فى التعامل مع الحركات الانفصالية لايرتبط فقط بالقدرات الذاتية التى تمتلكها الدولة، وهو أمر متحقق لحكومة إسبانيا، حيث أعلنت الحكومة إقالة رئيس حكومة الإقليم الذى ارتبط مشروعه السياسى باستقلال الإقليم، وإضعاف النخبة السياسية التى أيدت ذلك المشروع، وأيضاً إعلان حل برلمان كاتالونيا.

ولكنه يرتبط أيضاً بقدرتها على التأثير فى مواقف المجتمع الدولى خاصة بالنسبة للدول ذات المصلحة فى عدم استقلال الإقليم على نحو يقطع الطريق على الحركة الانفصالية لأن تسير على خطى كوسوفا، وهو ما نجحت إسبانيا فى تحقيقه أيضاً؛ إذ يغيب وجود تأييد دولى لاستقلال كاتالونيا منذ تنظيم الاستفتاء.

خبير فى الأمن الإقليمى ورئيس تحرير دورية بدائل بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg