| 19 أبريل 2024 م

أراء و أفكار

الدكتور عمار علي حسن.. يكتب: في معنى التسامح

  • | السبت, 11 نوفمبر, 2017
الدكتور عمار علي حسن.. يكتب: في معنى التسامح
د. عمار علي حسن

فى دورته الثامنة والعشرين التى استضافتها العاصمة الفرنسية باريس فى نوفمبر من عام 1995 اعتمد المؤتمر العام لمنظمة اليونيسكو تعريفا شاملا للتسامح يرى فيه ما يلى:

1- التسامح هو الاحترام والقبول والتقدير للتنوع الثرى لثقافات عالمنا، ولأشكال التعبير، وللصفات الإنسانية لدينا. ويتعزز هذا التسامح بالمعرفة والانفتاح والاتصال، وحرية الفكر والضمير والمعتقد. وأنه الوئام فى سياق الاختلاف، وهو ليس واجبا أخلاقيا فحسب، إنما هو واجب سياسى وقانونى أيضاً. والتسامح هو الفضيلة التى تيسر قيام السلام، يسهم فى إحلال ثقافة السلام محل ثقافة الحرب.

2- لا يعنى التسامح المساواة أو التنازل أو التساهل، بل هو قبل كل شىء اتخاذ موقف إيجابى فيه إقرار بحق الآخرين فى التمتع بحقوق الإنسان وحرياته المعترف بها عالميا. ولا يجوز بأى حال الاحتجاج بالتسامح لتبرير القيام بهذه القيم الأساسية. والتسامح هو ممارسة يجب أن يأخذ بها الأفراد والجماعات والدول.

3- إن التسامح مسئولية تشكل عماد حقوق الإنسان والتعددية، بما فى ذلك التعددية الثقافية، والديمقراطية وحكم القانون، وهو ينطوى على نبذ الدوجماتية والاستبدادية، ويثبت المعايير التى تنص عليها الصكوك الدولية الخاصة بحقوق الإنسان.

4- لا تتعارض ممارسة التسامح مع احترام حقوق الإنسان، ولذلك فهى لا تعنى تقبل الظلم الاجتماعى أو تخلى الفرد عن معتقداته أو التهاون بشأنها، بل تعنى أن المرء حر فى التمسك بمعتقداته، وأنه يقبل أن يتمسك الآخرون بمعتقداتهم. والتسامح يعنى الإقرار بأن البشر المختلفين بطبعهم فى مظهرهم وأوضاعهم ولغاتهم وسلوكهم وقيمهم، لهم الحق فى العيش بسلام، وفى أن يطابق مظهرهم مخبرهم، وهو يعنى أيضاً أن آراء الفرد لا ينبغى أن تفرض على الغير.

وحتى لا يكون التسامح الذى ينشده الخيرون من الناس مجرد كلام معسول أو انقلاب مفروض على الاختلاف الواقعى للآراء والمعتقدات، يتعين إحداث طرف ثالث، أو كلام ثالث، يعمل على استقرار التسامح وتوازنه بين الأنانيات الفردية أو الجماعية. وهذا لن يتحقق إلا بعد تعاقد راسخ البنيان بين المجتمع والسلطة، وبين مفردات الجماعة الوطنية نفسها، تتم ترجمته فى الدستور والقوانين المكتوبة أو العرفية، وهو ما يبلغ رشده فى سياق إطار سياسى ديمقراطى سليم.

وهناك عدة مفاهيم تربطها صلات مختلفة بمفهوم التسامح، وينظر إليها البعض باعتبارها مترادفات له، نظرا لأنها تتشابك معه، بما يؤدى إلى تداخل طرق فهم التسامح، إلى درجة أن الاختلاف حول هذا التسامح يمكن أن يفهم باعتباره صراعا بين هذه المفاهيم، والتى تشمل التساهل والتعايش والسلام الاجتماعى والمجاراة والاحترام والتقدير والحلم والاعتدال وقبول الآخر.

لكن أى من هذه المفاهيم على أهميتها لا تغنى عن التسامح، ولا تحل محله، بل تساعد على فهمه، وتشرح بعض جوانبه، لكنها تظل طيلة الوقت أقل وأضعف من أن تنسخه، أو تزيحه تماما.

ولا يمكن لعاقلين أن يختلفا على أن التعصب آفة، لأنه يأكل عقل الفرد وروحه، ويشتت جهد الجماعة الوطنية فى معارك فرعية، بعضها قد يتسع ويستفحل ليهدد مصير الوطن نفسه. ولهذا فعلينا أن نتعلم كيف نتسامح مع الآخرين، وندرك أن هذه فضيلة لا يمكن التفريط فيها، وأنها كعادة كل الفضائل تقع فى منزلة بين المنزلتين، أى فى منتصف المسافة بين التعصب واللامبالاة.

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg