| 08 مايو 2024 م

أراء و أفكار

د.عبدالحليم منصور.. يكتب: الاحتفال بالمولد النبوي الشريف

  • | الجمعة, 24 نوفمبر, 2017
د.عبدالحليم منصور.. يكتب: الاحتفال بالمولد النبوي الشريف
د. عبد الحليم منصور

يثار جدل عريض فى كل عام حول مشروعية الاحتفال بمولد الحبيب عليه الصلاة والسلام، بين بعض التيارات الفكرية فى مصر والعالم العربى والإسلامى، وقد اختلف العلماء بشأن هذه المسألة على رأيين:

الأول: يرى القائلون به مشروعية الاحتفال بمولد النبى عليه الصلاة والسلام، وفقا للضوابط والأصول الشرعية المعتبرة فى ذلك.

الرأى الثانى: يرى القائلون به حرمة الاحتفال بمولده عليه الصلاة والسلام، وأنه من البدع المستحدثة فى دين الله عز وجل.

(أ) أدلة الرأى الأول القائلون بالجواز: استدل أصحاب الرأى الأول القائلون بالجواز بما يأتى:

أولا - الأصل فى الأشياء الإباحة: وهذه قاعدة عامة تتناول بيان الأصل الشرعى لكل المعاملات والتصرفات التى يقوم بها البشر فى سلوكياتهم وعباداتهم، وليس ثمة دليل يدل على منع هذا الاحتفال فيبقى الأمر على مقتضى العموم سالف الذكر.

ثانيا - فى الاحتفال بمولد النبى عليه الصلاة والسلام تجديد للدين فى نفوس الخلق، وهذه مهمة العلماء، الذين يذكرون بالناس بسيرة النبى عليه الصلاة والسلام، وبأخلاقه، ومبادئه، وتصرفاته، وسيرته العطرة، مع أهل بيته، ومع جيرانه، وأصحابه، وأعدائه، وفى ذلك كله تجديد للدين من جديد فى نفوس العباد، وحثهم على اقتفاء أثر نبيهم فى الاتباع.

ثالثا - فى الاحتفال بالنبى عليه الصلاة والسلام شكر للنعمة التى أسبغها الله عز وجل على عباده، حيث كان النبى عليه الصلاة والسلام سببا فى إخراج الناس من الظلمات إلى النور، ومن الشرك إلى الإيمان بالله، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، وكل هذه نعم تستوجب الشكر قال تعالى: «وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِى لَشَدِيدٌ» إبراهيم، آية: (7) وقال عز وجل: «فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالاً طَيِّباً وَاشْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ» النحل: (114) وقال تعالى: «وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّى غَنِيٌّ كَرِيمٌ» النمل (40)

رابعا - قال تعالى: «قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ» يونس، آية: (58) ومحمد عليه السلام أفضل نعمة، وأعظم فضل على البشرية، يستوجب الفرح، والشكر، اعترافا بفضل الله، وبفضل النبى عليه الصلاة والسلام على البشرية.

خامسا - ورد أيضاً أن النبى عليه الصلاة والسلام كان يصوم يوم الاثنين، الذى ولد فيه، ولما سئل عن ذلك قال: «ذاك يوم ولدت فيه» وهذا يدل دلالة واضحة على جواز الاحتفال بهذا اليوم، من عموم المسلمين، مثلما فعل النبى عليه الصلاة والسلام.

(ب) أدلة الرأى الثانى القائل بالمنع: وأصحاب هذا الرأى عضدوا قولهم بالآتى:

أولا - إن الدين قد اكتمل، ولم يشرع فى الإسلام الاحتفال بمولده عليه الصلاة والسلام قال تعالى: فى كتابه: «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً» المائدة: آية: 3.

ثانيا - إن النبى عليه الصلاة والسلام لم يحتفل بمولده، ولا فعله الصحابة من بعده، ولو كان سائغا لفعله عليه الصلاة والسلام، ولتابعه عليه الصحابة من بعده لكن كل ذلك لم يحدث فدل ذلك على عدم مشروعيته.

مناقشة هذا الاستدلال: لا نسلم لكم ما ذكرتم فقد ورد فى السنة النبوية ما يدل على احتفال الصحابة الكرام بالنبى، مع إقراره لذلك وإذنه فيه، فعن بريدة الأسلمى رضى الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم فى بعض مغازيه، فلما انصرف جاءت جارية سوداء فقالت: يا رسول الله، إنى كنت نذرت إن ردك الله سالما أن أضرب بين يديك بالدف وأتغنى، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن كنت نذرت فاضربى، وإلا فلا، رواه الإمام أحمد والترمذى وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب. فإذا كان الضرب بالدف إعلانا للفرح بقدوم النبى من الغزو أمرا مشروعا أقره النبى وأمر بالوفاء بنذره، فإن إعلان الفرح بقدومه صلى الله عليه وسلم إلى الدنيا- بالدف أو غيره من مظاهر الفرح المباحة فى نفسها- أكثر مشروعية وأعظم استحبابا.

ثالثا - إن هذا من البدع المستحدثة التى نهى عنها الإسلام فعن عَائِشَةَ قالت: قال رسول اللَّهِ: «من أَحْدَثَ فى أَمْرِنَا هذا ما ليس منه فَهُوَ رَدٌّ» وفى رواية للبخارى عنها أيضاً: «من عَمِلَ عَمَلاً ليس عليه أَمْرُنَا، فَهُوَ رَدٌّ».

قال النووى: «قوله: «من أحدث فى أمرنا هذا ماليس منه فهو رد» وفى الرواية الثانية: «من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد» قال أهل العربية: الرد هنا، بمعنى المردود، ومعناه: فهو باطل، غير معتد به، وهذا الحديث قاعدة عظيمة من قواعد الإسلام، وهو من جوامع كلمه، فإنه صريح فى رد كل البدع، والأمور المستحدثة، وفى الرواية الثانية زيادة، وهى أنه قد يعاند بعض الفاعلين فى بدعة سبق إليها، فإذا احتج عليه بالرواية الأولى يقول: أنا ما أحدثت شيئا، فيحتج عليه بالثانية، التى فيها التصريح برد كل المحدثات، سواء أحدثها الفاعل، أو سبق بإحداثها، وفى هذا الحديث دليل لمن يقول من الأصوليين: إن النهى يقتضى الفساد

مناقشة هذا الاستدلال من وجهين:

الوجه الأول: لا نسلم لكم بأن الاحتفال بمولد النبى عليه الصلاة والسلام من البدع المستحدثة فى دين الله عز وجل ومن ثم يكون عملا محرما.

الوجه الثانى: على فرض التسليم بأن الاحتفال بمولده بدعة، إلا أنها بدعة حسنة، وليست بدعة سيئة. فليست البدعة كل ما استحدث بعد رسول الله بإطلاق؛ فقد استحدث المسلمون أشياء كثيرة لم تكن فى عهده ، ولم تُعد بدعة، مثل استحداث عثمان أذاناً آخر يوم الجمعة بالزوراء «مكان خارج المدينة» لما كثر الناس، واتسعت المدينة، ومثل استحداثهم العلوم المختلفة، وتدريسها فى المساجد، مثل علم الفقه، وعلم أصول الفقه، وعلم النحو، والصرف، وعلوم اللغة، والبلاغة، وكلها علوم لم تكن على عهد النبى ، وإنما اقتضاها التطور، وفرضتها الحاجة، ولم تخرج عن مقاصد الشريعة، بل هى لخدمتها، وتدور حول محورها، فما كان من الأعمال فى إطار مقاصد الشريعة لا يعد من البدعة المذمومة.

الرأى الراجح: يبدو لى بعد العرض السابق لآراء الفقهاء وأدلتهم فى هذه المسألة رجحان ما ذهب إليه القائلون بالجواز، إذ هو الأصل فى سائر الأمور والتصرفات حتى يتأتى دليل المنع، وهذا أقل تعبير عن حبنا للحبيب عليه الصلاة والسلام، الذى قال: «لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين لكن الاحتفال يجب أن يحاط بمجموعة من الضوابط منها: عدم اختلاط الرجال بالنساء بشكل فاضح يؤدى إلى المحرمات، ومنها: ألا يكون الاحتفال قاصرا على التطبيل والتزمير، بل يكون بصوم يوم مولده، ومذاكرة سيرته، واتباع أخلاقه، ولا بأس بأكل الحلوى، والتوسعة على الأهل والعيال، فى إطار قوله تعالى: «ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين».

وبالله التوفيق.

طباعة
كلمات دالة: محمد رسول الله
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg