| 24 مايو 2024 م

أراء و أفكار

"الرحمة" منهج نبوي

  • | الجمعة, 24 نوفمبر, 2017
"الرحمة" منهج نبوي

بعث الله نبيه محمدا صلى الله عليه وسلم برسالة الرحمة للعالمين بل إن القرآن الكريم اختصر الرسالة فى هذه الغاية العظيمة بأسلوب القصر فقال تعالى: «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» وكان صلى الله عليه وسلم خير من يطبق هذا المنهج والسلوك فى حياته ومع كل من حوله من الكائنات.. ومع ذكرى مولد الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يتجدد الشوق للتأسى بسيرته العطرة والسير على دربه فى نهج تعاملاته ورحمته للعالمين..

أكد الدكتور سيف قزامل عميد كلية الشريعة والقانون الأسبق أن القرآن الكريم ذكر الرحمة أكثر من 300 مرة فكانت رحمته منهجا ليس له حدود فهى بكل الأوقات والعبادات والتشريعات بخلاف ما نراه الآن حيث نزعت الرحمة من صدور البعض ولم نعد نرى إلا ترويع الآمنين وقتل الابرياء والشدة والبطش والقسوة بدلا من الرحمة والعطف وهذا دليل على بعدنا عن هديه صلى الله عليه وسلم فالرسول صلى الله عليه وسلم حثنا على الرحمة فقال لأصحابه: «لا يدخل الجنة منكم إلا رحيم» قالوا: يا رسول الله كلنا رحيم قال: «ليس رحمة أحدكم نفسه وأهل بيته حتى يرحم الناس» فلابد من إشاعة الرحمة فى بلدنا وفى جميع الأمة الإسلامية بل للعالمين كافة فقد مرض ابن جار النبى اليهودى وزاره فى مرضه وهو من اهل الكتاب وعرض عليه الإسلام فنظر الغلام إلى أبيه فقال ابوه: اطع أبو القاسم فأسلم الغلام.. ونماذج الرحمة كثيرة حتى بغير المسلمين فعبدالله بن أبيّ بن سلول الذى تحدث وخاض فى عرض النبى صلى الله عليه وسلم ونفسه لما مات أراد ابنه أن يأخذ قميص رسول الله ليكفن فيه والده فوافق النبى الكريم ثم طلب الولد من النبى أن يصلى على رأس المنافقين فصلى عليه حتى جذبه عمر بن الخطاب رضى الله عنه من ثوبه وقال له إن الله عز وجل قال لك يا رسول الله «استغفر لهم أو لا تستغفر لهم» قال النبى: «إن تستغفر لهم سبعين مرة» وانى سأزيد على السبعين.

وأشار إلى رحمته فى التشريع ففى فريضة الحج عندما سأل أعرابى أوَكل عام يا رسول الله؟ قال: لو قلت نعم لوجبت، فقد أرسل إلى مجتمع كافر ورغم ذلك لم يكن قاسيا معهم ففى عهده فى مكة نرى كيف صبر على المشركين وتحمل أذاهم فى وضع القاذورات والأوساخ على ظهره صلى الله عليه وسلم وتعامل معهم بحسن الخلق والرحمة فقال: اللهم اغفر لقومى فإنهم لا يعلمون. فلم ينتقم منهم وكانت رحمته عامة بهؤلاء وهذه من الأخلاق النبيلة عندما تشتد الفتن وتزداد النزاعات فأين نحن من تعامله وسلوكه فى تحمل أذى احد ولو كان غير مسلم حتى تكون هناك علاقة ونسبة إلى حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وقال الدكتور مجدى عاشور المستشار الأكاديمى لدار الإفتاء إن الرسول اتصف بصفات كان فى قمتها وأعلاها وتربع على عرش الأخلاق مصداقا لقول الله عزوجل «وإنك لعلى خلق عظيم» فقد كانت سيرته النبوية أعظم شهادة على عظم أخلاقه وتربيته الربانية فى جميع العبادات وهو ما جعل هذه الرسالة خالدة فمن أسرار هذه الرسالة الرحمة «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين» ورسولنا الكريم يطبق القرآن فى أعلى صوره فقال تعالى «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون» فلا نستطيع أن نمشى فى أمور الشريعة بدونه صلى الله عليه وسلم فقد جاء ليرحمك حتى فى الفهم وليظهر لك فهم الآيات بصور متعددة فى العبادات والأخلاق ليصل إلى القلوب.

وأضاف عاشور أن كل رسولٍ كان لأمته خاصة اما نبى الإسلام فكانت رسالته للعالمين كافَّة وأمته هى آخر الأمم وخيرهم وأكثرهم تعلقاً بالدعوة إلى الله فما عرفنا عدد الركعات فى الصلاة أو أنصبة الزكاة ومناسك الحج إلا بفعله صلى الله عليه وسلم ليبرهن لنا الرحمة فى العبادات فسر خلودنا الرحمة وأنها للعالمين لكل العوالم جاء إليه حتى الكفار لأن القلوب مجبولة على الرقة وأن تميل إلى الحب والسكينة والأمان والشفقة والعطف فإن كانت غير ذلك ذهب الناس عن صاحب القلب القاسى الذى هو أبعد الناس عن الله.. وأقرب إنسان إلى الله هو صاحب القلب الرحيم سيد الأولين والآخرين فما زاد عدد المسلمين على مر السنين بالقهر أو الجبروت أو التسلط أو الاكراه وإنما كان بالرحمة والحب وتبيين العلوم والعقل والمنطق والسلوك المتمثل فى نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم وعلينا أن نخرج من داخلنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو فينا مادمنا مسلمين ونشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.

وقال الدكتور صابر طه عميد كلية الدعوة السابق ان الرحمة صفة من صفات الله تعالى، وإنه على الناس أن يتراحَموا فيما بينهم وإن الرسول الكريم كان يرحم كل ذات كبدٍ رَطْبة وأخبر عن نفسه «إنما أنا رحمة» فقد كان حريصا على هداية الكافرين والمشركين فقال له الله عز وجل «فلا تذهب نفسك عليهم حسرات» وعلينا أن نضع رسولنا صلى الله عليه وسلم نصب أعيننا فى كل موقف حتى يكون لنا أسوة فلا نزيغ ولا نضل فى سعينا ونهتدى برحمته فى كل تعاملاتنا ونكون ممثلين عن سيدنا رسول الله لنبلغ عنه فى رحمته مع الإنسان ومع الأموات حينما مر بقبرين يعذبان قال ائتونى بعسيف أى جريدة من نخل فوضعه على القبرين وقال: لعل الله أن يخفف عنهما ما لا ييبسا.. ورحمته بالجماد عندما كان يخطب على جذع شجرة فلما كثر المسلمون بنوا له منبرا من ثلاث درجات فحن الجذع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتضنه النبى فسكن وقال: لو لم أحتضنه لظل إلى يوم القيامة وهو يحن.

ولفت طه إلى رحمته صلى الله عليه وسلم بالطيور عندما كان فى سفر ثم ترك أصحابه فوجد طائرا معه فرخان فأخذ الصحابة فرخيه فلما جاء الطائر جعل يعرش عليهم فقال صلى الله عليه وسلم: «من فزع هذه بولديها؟ ردوا إليها أولادها» فقاموا برد أولادها.. ورحمته بالحيوانات فقال صلى الله عليه وسلم «دخلت امرأة النار فى هرة حبستها لا هى أطعمتها ولا تركتها تأكل من خشاش الأرض» حتى رحمته فى التشريع فقد ترك بعض الطاعات خشية أن تفرض على امته فقد صلى التراويح فى المسجد ثلاث ليال ثم لم يخرج فلما سئل قال: اخشى أن تفرض عليكم.. حتى السواك قال: لولا أن أشق على أمتى لأمرتهم بالسواك قبل كل صلاة..

وأوضح الدكتور عبدالحميد متولى رئيس المجلس الأعلى للأئمة والشئون الإسلامية بالبرازيل أن الرحمة خلق من أخلاق الإسلام تدل على قوة صاحبها ونُبله، وتقديره لمشاعر الآخرين ومعاونتهم والتخفيف عنهم، ولِين الجانب لهم، وقد بلَغ منها رسول الله صلى الله عليه وسلم - الدرجة القُصوى، فكان صلى الله عليه وسلم رحيماً بالكبير والصغير بالرجال والنساء بالمسلم وغير المسلم حتى بالحيوانات والطيور وبكل ما يحيط به، وصدق الله العلى العظيم إذ يقول: «فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ» وما ورد عن أبى هريرة رضى الله عنه أنه قال قبَّل رسول الله صلى الله عليه وسلم الحسنَ بن على وعنده الأقرعُ بن حابس التميمى جالساً فقال الأقرع إن لى عشرة من الولد ما قبَّلتُ منهم أحداً، فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم قال: «مَن لا يَرحم، لا يُرحم» وكان يتلقَّى الناس بوجهٍ بَشوش ويُلاطف أصحابه بطلاقة الوجه والمُزاح، ويتواضع معهم، ويَزورهم، ويُداعب صغارهم فعن أبى هريرة - رضى الله عنه - قال: سمِعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «جعل الله الرحمة مائة جزءٍ، فأمسَك عنده تسعة وتسعين جزءاً، وأنزل فى الأرض جزءاً واحداً، فمن ذلك الجزء يتراحَم الخَلقُ، حتى تَرفَع الفرس حافرَها عن ولدها؛ خشية أن تُصيبه».

مصطفي هنداوي

طباعة
كلمات دالة: محمد رسول الله
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg