| 18 مايو 2024 م

أراء و أفكار

صاحب الدستور.. ورائد المواطنة

  • | الجمعة, 24 نوفمبر, 2017
صاحب الدستور.. ورائد المواطنة

فى البداية كانت مكة المكرمة؛ حيث بزوغ أنوار الدعوة سراً لسنواتٍ ثلاث، تكونت خلالها نواة الإسلام الأولى ليتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم على مدار عشر سنوات تالية من الدعوة العلنية سبيلاً للقيام بأعباء الرسالة ودعوة الناس إلى عبادة الواحد الأحد، متحملاً - هو ومن آمن برسالته - فى سبيل ذلك أشد أنواع العذاب والتنكيل الذى سامهم إياه مشركى البلد الحرام.

ثم كانت المدينة المنورة؛ منشأ الدولة الإسلامية وموطن قيامها على أسس الرحمة والرفق والعدل والمواطنة والتعددية والشورى والحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة فى الحقوق والواجبات دون تفرقة بين حاكم ومحكوم أو بين مسلم وغير مسلم والعلم والعمل، وغير ذلك من القيم والأسس والمبادئ الراقية التى رسخها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عند تأسيسه الدولة الإسلامية فى المدينة المنورة.

تأسيس الدولة

دخل الإسلام المدينة المنورة، وأحزاب الكفر تطارده من كل صوب وحدب، وهاجر المسلمون من مكة فارين بدينهم بعد أن ضاقت عليهم الأرض بما رحبت؛ فقد نُهب مالهم وسُلبت دورهم وتعرضوا لشتى ألوان الأذى وصنوف الاضطهاد وأنواع الفتن؛ فالهجرة إذاً كانت تضحية غالية عزيزة ضحى فيها المهاجرون بالأوطان والأموال والمتاع فى سبيل عقيدتهم ودينهم، وتحملوا كل ذلك راضين صابرين محتسبين لبناء مجتمع جديد وتأسيس دولة إسلامية فى المدينة يستطيعون أن يعيشوا فيها أحراراً يؤدون شعائر دينهم ويقومون بواجب الدعوة إلى الله.

ومن هنا فإن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بمجرد وصوله إلى المدينة فى السادس عشر من ربيع الأول، شرع فى وضع أسس بناء الدولة الإسلامية الجديدة، وكان قوام هذه الأسس المؤاخاة بين قبائل المدينة - الأوس والخزرج - ونزع ما فى قلوبهم من ضغائن رسبتها سنوات الحروب التى قامت بينهم، ثم المؤاخاة العامة بين الأنصار والمهاجرين، وعقب ذلك تأمين غير المسلمين من يهود وغيرهم على دينهم وحرية عقائدهم، ليصبح المجتمع الإسلامى الجديد مجتمعاً قوياً ومتحداً ومترابطاً.

وقد تجسدت أسس ومبادئ الدولة الإسلامية على أرض الواقع من خلال خطوات عدة، أولها حرص رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على بناء مسجد بالمدينة لتظهر فيه شعائر الإسلام التى طالما حوربت، ولتقام فيه الصلوات التى تربط المرء بربه، ولم يكن هدف النبي - صلى الله عليه وسلم - من بناء المسجد هو إيجاد مكان للعبادة فقط؛ فالإسلام جعل الأرض كلها مسجداً وطهوراً للمسلمين، ولكن مهمة المسجد كانت أعمق من هذا.

لقد أراد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبنى بيتاً لله يكون فى الوقت ذاته بيتاً لجميع المسلمين يجتمعون فيه للعبادة والتشاور فيما يخص أمر الدين والدنيا، ويتخذون فيه قراراتهم، ويناقشون مشاكلهم، ويستقبلون بداخله وفود القبائل وسفراء الملوك والأمراء، ونستطيع أن نطلق على المسجد النبوي - آنذاك - بمصطلحات عصرنا الحديث «مقر الحكومة الإسلامية بالمدينة»، فكان المسجد بهذا الوضع أشبه بمدرسة يتعلم فيها المسلمون وتمتزج فيها نفوسهم وعقلياتهم.

دستور المدينة

تلت خطوة بناء المسجد، خطوة أخرى لا تقل أهمية عن سابقتها، تمثلت فى إصلاح صلة أبناء الأمة بعضهم ببعض، وتمثل ذلك فى المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، وإحلال رابطة الإخاء والدين محل رابطة التعصب القبلى الذى كان يسود المجتمع قبل هجرة الرسول - صلى الله عليه وسلم - مصداقاً لقوله تعالى: «إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ»، وأثمرت هذه الخطوة عن تكوين «أسرة إسلامية واحدة» أسقطت فوارق النسب واللون والعنصرية، وصارت معها المدينة مجتمعاً واحداً، وضرب المسلمون بذلك المثل الأعلى فى التعاون والاتحاد.

ولم تقتصر خطوات تأسيس الدولة الإسلامية فى المدينة المنورة، على بناء المسجد والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، بل كانت هناك خطوات أخرى لصهر بقية سكان المدينة من يهود ووثنيين فى إطار إعمال مبدأ «المواطنة»، وقد صيغت المبادئ العامة والقوانين والأسس التى قامت عليها «دولة المدينة» فى صحيفة صاغ بنودها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد أن ناقش فى كل مبدئ من مبادئها المسلمون وغيرهم من سكان المدينة، وتأتى أهمية هذه الصحيفة أو «وثيقة المدينة»، التى أطلق عليها بعض الكتاب المعاصرين اسم «دستور المدينة»، فى أنها تُعد أول دستور مدنى ديمقراطى ضمن للناس جميعاً الحق فى المساواة والعدالة الاجتماعية وحرية العقيدة، وأسقطت مبادئها السامية نعرات التفرقة العنصرية القائمة على دين أو لون أو جنس.

فقد عملت هذه الوثيقة على لتنظيم العلاقة بين مكونات المجتمع الواحد من مهاجرين وأنصار - دعامتى الدولة الإسلامية - ويهود ووثنيين، وهو ما جعلها تمثل عهداً وميثاقاً قانونياً وحقوقياً حدد العلاقة بين مختلف مكونات المجتمع، وضوابطها، وحدودها بتفصيل يوضح الحقوق والالتزامات المترتبة لكل عنصر من عناصر المدينة.

وتُعد هذه الوثيقة النبوية الخالدة، أصلاً تفرعت عنه نصوص القانون الدولى فى الإسلام، وانبثقت منه أسس تنظيم العلاقات بين مختلف الفئات باختلاف عقائدها ومواطنها؛ ففيها الدستور المدون، والمصاغ صياغة قانونية، والذى طبق منذ اللحظات الأولى لبناء مجتمع الإسلام بالمدينة المنورة منذ ما يزيد على 14 قرناً، وفيها كذلك النصوص التى تبين علاقة الراعى برعيته، والقاضى وآدابه وضروراته اللازمة للوفاء بتحقيق المساواة والعدالة بين الناس بمختلف مللهم ونحلهم.

العلاقات الدولية

وتعتبر «وثيقة المدينة» أيضاً، بصياغتها البليغة قاعدة أنطلقت منها العلاقات الدولية بين الطبقات الاجتماعية بمختلف عقائدها وأصولها، وفيها أيضاً ضمانة لحق الأمة فى العدل والأمن والتناصر والتعاون، والحقوق الإنسانية والاجتماعية لكل فرد من أفراد المجتمع، بالإضافة إلى إعمال مبدأ الشورى بين الحاكم والمحكومين، ويُعد هذا الدستور النبوى هو ثمرة من ثمار «الشورى» فى الإسلام، فقد أُعلنت المبادئ والأسس التى تضمنتها «وثيقة المدينة» بعد أن توافق عليها وأقرها كل أفراد المجتمع الذين يسمون فى الوثيقة «أهل هذه الصحيفة».

وتضمنت «وثيقة المدينة» بالإضافة إلى ما سبق، على حق التكافل بين أبناء الأمة فى مختلف الميادين سواء المادية أو المعنوية، وجعلته واجباً على كل فرد من أفراد المجتمع القيام به حين نصت فى هذا الجانب على: «المعاهدة على نصرة المظلوم، وحماية الجار، ومساعدة المدين، ورعاية الحقوق الخاصة والعامة».

مبدأ المواطنة

لقد وضعت الوثيقة النبوية الخالدة، المبادئ الأساسية للمجتمع الإسلامى مؤكدة أن المسلمين أمة واحدة، بعضهم أولياء بعض، يتعاونون بينهم ويتحابون ويتراحمون ويضعون النعرات القبلية وحمية الجاهلية تحت أقدامهم، ولا يفرقون فيما بينهم بين أسود وأبيض ولا بين عربى وأعجمى إلا بالتقوى، كما أقرت أن حرية العقيدة وغيرها من كافة الحريات المدينة المنضبطة والمسئولة، حق للجميع، ولا أدل على ذلك من إعطائها اليهود حقوقهم الدينية والدنيوية كاملة.

وأعلت «وثيقة المدينة»، مبدأ «المواطنة» حين نصت على أن الناس أمة واحدة، مساوية بهذا المبدأ بين جميع الأطراف؛ فالمؤمنون والمسلمون أمة واحدة، واليهود أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم: «يهود بنى عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ - أى لا يهلك - إلا نفسه وأهل بيته»، كما بينت الوثيقة وطن هذه الأمة التى يشملها هذا الدستور، وأنه حرم آمن لرعية الدولة، مقررة فى الوقت ذاته أن لا حصانة لظالم أو آثم، حتى ولو كان معتصماً بـ«يثرب» وعضواً برعية دولتها، ورفضت الاستبداد والطغيان، وجعلت كتاب الله تعالى وسنة نبيه الكريم - صلى الله عليه وسلم - الفيصل والحاكم عند كل خلاف وتنازع يقع بين فئات المجتمع.

دولة مدنية

كما شملت الوثيقة النبوية الخالدة، على مجموعة من المبادئ الهامة التى رسخت وأسست لأصول الحكم وحقوق وواجبات المواطنة وحرية الاعتقاد فى دولة الإسلام الوليدة، وأرست مبادئ العيش المشترك بين مواطنى الدولة الذين يحملون كل أشكال الاختلاف وشتى صنوف التعدد، بالإضافة إقرارها مبدأ التعددية - بكل تجلياتها - وقبول الآخر المختلف دينياً وعرقياً وثقافياً، وجميع هذه المبادئ السامية - التى وردت فى نص دستورى لا نعرف فى تاريخ الفكر الإنسانى قبله نصاً يشبهه - تؤكد أن الدولة الإسلامية التى أسسها الرسول - صلى الله عليه وسلم - فى المدينة، لم تكن دولة دينية أو ثيوقراطية أو دولة بلا قانون تسير الأمور فيها وفقاً لهوى الحاكم - كما يدعى البعض، فقد قامت هذه الدولة على الرحمة والرفق والعدل والمواطنة والشورى والحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة فى الحقوق والواجبات دون تفرقة بين حاكم أو محكوم أو بين مسلم وغير مسلم، وهى بذلك دولة مؤسسات.

ولم تتحدث الوثيقة، وهى تضع الأسس الدستورية للحكم فى دولة المدينة، إلا عن المبادئ الكلية والمقاصد العليا للشريعة الإسلامية، ولم تتوقف عند الفروع والجزئيات والظنيات والأحكام التفصيلية الاجتهادية التى ستتغير مع تغير الزمان والأحوال والمواقف.

ويأتى فى مقدمة المبادئ الكلية والمقاصد العليا للشريعة الإسلامية، التى أقرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فى «وثيقة المدينة» إقرار مبدأ حرية الاعتقاد والتدين: «لليهود دينهم وللمسلمين دينهم»، فلا إكراه ولا سيطرة للرسول - صلى الله عليه وسلم - وهو الحاكم الشرعى للدولة عليهم، فحرية الاعتقاد مكفولة بنص الدستور النبوى لجميع المواطنين فى دولة المدينة.

وقد أوضحت وثيقة المدينة أن العدل فى باب القضاء أساسٌ عظيم لضمان تعايش المواطنين فى الدولة: «وأنه من اعتبط مؤمناً قتْلاً عن بينة - أى من قتل بغير جرم - فإنه قود به - أى يقتل القاتل قصاصاً - إلا أن يرضى وليّ المقتول بالعقل - أى بالدية»، وتفرض الوثيقة على الجميع أن يكونوا ضد الظالم يداً واحدة، وأنه لا يحل لهم إلا أن ينصروا المظلومين ضد الظالمين «وأن المؤمنين عليه كافة، ولا يحل لهم إلا القيام عليه».

كما شرعت «وثيقة المدينة» لمبدأ قضائى مهم، وهو عدم نصرة المجرمين الآثمين وعدم إيوائهم والتستر عليهم، لأن فى ذلك منعاً أو تعطيلاً للعدالة أن تأخذ مجراها: «وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما فى هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر، أن ينصر محدِثاً - أى مرتكب جريمة - أو يُؤويه»، وتتوعد الصحيفة من يفعل ذلك «وأن مَن نصَرَه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه عدل - أى فداء - ولا صرف - أى توبة».

أمة واحدة

ومن أخلاقيات التعايش المشترك التى حضّت عليها الوثيقة، ودفعت المواطنين فى الدولة «المدنية» دفعاً لممارستها هو خُلُق التناصر والتناصح والبر دون الإثم والتعامل بالمعروف والفضل، ووجوب نصرةِ المظلوم: «وأنه لا يأثم امرؤ بحليفه، وأن النّصر للمظلوم»، وجعل حق الجار من حق النفس: «وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم»، «وأنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها»، حق الجار أن يستأذن جاره أو أن يتشاور معه فى ما له علاقة بجوارهم المشترك: «وأنه من يتبعنا من يهود، فإن له النصرة والأسوة - أى المساواة فى حقوق المواطنة - غير مظلومين ولا متناصرين».

ومن مبادئ العيش المشترك التى أسست لها هذه الوثيقة الدستورية أيضاً، أن الشعب الواحد فى الدولة يمكن أن يتكون من مجموعات دينية وعرقية وثقافية متعددة، ويتشارك الجميع - والحالُ هذه - فى المواطنة ويتساوون فى حقوقها وتحمّل واجباتها المالية والدفاعية، وتسودهم قوانين عدلية واحدة، وتكون المسئولية الجنائية فردية وعليه فالعقوبة تكون شخصية، ويتشاركون فى ممارسة مكارم الأخلاق من البر والمعروف وحسن الجوار ورعاية واجباته، أى إن هناك حقوقاً وواجبات دستوريةً سياسية واقتصادية وعسكرية وسلوكية يستوى فيها جميع المواطنين مهما تعددت مجموعاتهم واختلفت عقائدهم.

الأخلاق والعلم

ويؤكد الكاتب العراقى نزار حيدر، فى مقال له بعنوان «دولة المدينة.. مدنية»: «بكلمة واحدة يمكننا القول بأن (دولة المدينة) قامت على أساس الآية الكريمة التى وصف فيها رب العزة رسوله الكريم بقوله عز من قائل «وإنك لعلى خلق عظيم»، وبالتأسيس على قوله صلى الله عليه وسلم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق»، ولقد غطت أخلاق الرسول الكريم كل مناحى الحياة السياسية والفكرية والثقافية والاجتماعية وغيرها».

ويضيف الكاتب العراقى: «لو تصفحنا أوراق التاريخ المتعلق بـ«دولة المدينة» لرأينا أنها قامت على منظومة من هذه الاخلاق التى تحدث عنها القرآن الكريم ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - والتى تقف على رأسها: العلم، فهى دولة علمية تعتمد العلم فى التخطيط والتنفيذ والتطوير على مختلف الأصعدة، السياسية والعمرانية والإدارية والاقتصادية وغيرها، كما أنها تعتمد العلم فى وضع الرجل المناسب فى المكان المناسب؛ إنها دولة اعتمدت العلم كأساس، فرفضت الجهل والتجهيل والتضليل، كما رفضت الخرافات والخزعبلات وثقافة الأحلام وغير ذلك من الأمور التى تبقى المجتمع جاهلا لا يفقه أو يفهم شيئا».

وبجانب العلم، وضعت «دولة المدينة» الصدق والإخلاص فى مقدمة المبادئ والأسس التى قامت عليها، وفى هذا السياق يقول للكاتب العراقى نزار حيدر: «بالصدق يعبدالإنسان ربه، وبالإخلاص يصدق مع ربه ونفسه والناس جميعا، ولذلك فليس غريبا أن كان عرب الجاهلية ينعتون رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل البعثة بـ«الصادق الأمين» لشدة صدقه وإخلاصه فيما ينجز، ليس مع الله فحسب، وإنما حتى مع غير المسلم؛ إن «دولة المدينة» قامت على أساس الصدق، الذى يعنى أن يتعامل الحاكم بوضوح وشفافية وإخلاص مع كل رعايا الدولة، بغض النظر عن دينهم ولونهم وأصلهم، فلا يؤثر نفسه على الآخرين ولا يميز أقاربه عن الباقين من الناس، ولا يقدم شرار خلقه على خيار خلق آخرين، إن المجتمع الصادق والمخلص يكون قريبا من إقامة سلطة الحق والعدل، والعكس هو الصحيح، فالمجتمع الذى يغرق فى الكذب والدجل والتزوير والغش والفساد والنفاق يفشل فى تحقيق العدل حتى بأبسط صوره».

ضمان الحقوق

ويشير «حيدر»، إلى أن ثالث المبادئ التى عملت «دولة المدينة» على إرسائها هو ضمان الحقوق لجميع الناس، ففى «دولة المدينة» لكل امرئ حق فيها، بغض النظر عن دينه ومذهبه ولونه، فحقوق الرعية واجبة على الراعى، كائنا من كانت الرعية، ولا يطمئن الناس على حقوقهم إلا إذا عمل الحاكم على تطبيق القانون على نفسه أولاً، وعلى الأقربين منه، وإلا فما فائدة أن يطبق الحاكم القانون على الناس، الفقراء والبسطاء والضعفاء، فيما يفلت الأقوياء من جماعته من سلطة القانون؟ لذلك حرص رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن يطبق القانون - الشريعة هنا - على نفسه أولاً؛ فكان - صلى الله عليه وسلم - يرفض الشفاعة فى تنفيذ القانون للصالح العام، فلقد جىء إليه بالمرأة المخزومية التى سرقت ليقيم عليها الحد، فأراد بعض الصحابة أن يشفعوا لها لأنها حديثة عهد بالإسلام، وأرسلوا إليه أسامة بن زيد فى ذلك فغضب النبى وقال له: «إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها».

وكان المبدأ الرابع الذى رسخته «دولة المدينة»، هو العفو والتسامح، ونبذ العنف والإرهاب وسياسات الفرض والإكراه والإجبار، فالرسول الكريم كان مذكرا من قبل الله تعالى وليس مسيطراً، لأن السيطرة خلاف الحرية، وأن العبودية خلاف المسئولية، ولذلك لم يجبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحدا على الدخول فى الإسلام طوال حياته.

محمد أبو العيون

طباعة
كلمات دالة: محمد رسول الله
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg