| 18 مايو 2024 م

أراء و أفكار

القائد المبشر بالسلام وليس الحرب

  • | الجمعة, 24 نوفمبر, 2017
القائد المبشر بالسلام وليس الحرب

فى ذكرى مولد النبى صلى الله عليه وسلم حاورنا الدكتور عبدالمقصود باشا أستاذ التاريخ الإسلامى بجامعة الأزهر، حول السياق التاريخى الذى جاءت فى إطاره الرسالة النبوية، ومدى تأثيره فى مسار الرسالة ووجود الدولة الإسلامية فى عصر النبى وما تلاه من فتوحات وتوسعات، وكذلك رأيه فيمن يشككون فى بعض الحوادث التاريخية والرموز الإسلامية فى وسائل الإعلام مؤخراً، وأخيراً رسالته للمسلمين فى ذكرى مولد نبيهم صلى الله عليه وسلم.

_ ما السياق التاريخى والقيم التى كانت تحكم المنطقة العربية فى فترة بعثة النبى؟

كان فيه من الأمور الطيبة الكثير والكثير، ولكن كان فيه من السيئة الأكثر فكانت السوءة الأولى عبادة الأصنام وعبادة الكواكب والجن والشياطين أيضاً، وكان من المنتشر وقتها قطع طرق القوافل والاستيلاء على الأموال بالقوة، فكانت القبائل تغير على بعضها فيسرقون ويأسرون، وكانت الحروب تسود وتستمر لأجيال عديدة مثل حرب البسوس بين بكر وتغلب التى استمرت 40 سنة بسبب ناقة، وحرب داحس والغبراء أيضاً بين قبيلتى عبس وذبيان، فكان لا بد من أن يرسل الله سبحانه وتعالى ليهدى الناس إلى طرق الحق والخير، وبالتالى كان لا بد من بعثة نبى فى هذا الزمان، ليس للعرب فقط ولكن للعالمين، فالفرس كانت تعبدالنار، وانتشرت الديانة المزدكية والمانوية التى مبدأها أن الناس شركاء فى ثلاثة؛ النساء والكلأ والماء، والدولة الرومانية كذلك كانت تعج بصراع طائفى حاد بين المذاهب المسيحية، وبين الكاثوليك والأرثوذوكس، وفى مصر كان هناك الصراع الدينى بين اليعاقبة والملكانيين. وقد أذاق الرومان المصريين الهوان بسبب اختلاف مذهبهم الدينى، وحتى الآن يمكننا أن نلاحظ فى مصر القديمة أن المصريين كانوا يحفرون دور عبادتهم فى داخل جبل المقطم، تحت الأرض، فراراً من الاضطهاد، فالعالم كان يسوده الظلم والظلام قبل بعثة النبى صلى الله عليه وسلم، فكان لا بد من بعثة النبى لإعادة التوازن مرة أخرى بعد اختلال الميزان.

_ ما تأثير وجود دولتى فارس والروم على رسالة الرسول صلى الله عليه وسلم؟

حاولت دولة الفرس الانتقام من رسول الله، ففى عام الوفود أرسل النبى وفداً لكسرى فارس وقيصر الروم ونجاشى حبشة وكل الدول المحيطة به، فقام كسرى فارس بتمزيق رسالة النبى، حيث كان الفرس ينظرون إلى العرب باعتبارهم حثالة فكيف يجرؤ أحد هؤلاء العرب الأجلاف على إرسال رسالة كالتى أرسلها النبى إلى ملك الفرس؟ فأرسل كسرى إلى عامله على اليمن طالباً أن يأتوه بـ «محمد» مكبلاً بالحبال، وعندما وصل الذين تم تكليفهم بذلك إلى رسول الله بشرهم بهلاك كسرى، وكذلك القيصر «هرقل» عندما وصل إليه وفد من الرسول، كان دارساً للإنجيل، وكان يعلم بقرب ظهور نبى، فطلب العرب الذين كانوا فى غزة فى ذلك التوقيت ليخبروه عن محمد، فجمع بطارقته وقال لهم إنه يعرف أنه نبى هذا الزمان، لكن عندما ثار عليه البطارقة تراجع مؤثراً ملكه.

_ هل كانت دعوة الرسول لنشر الإسلام كما يقول أعداؤه، دعوة لنشره بالسيف، أم كانت الدولة الإسلامية تُؤمن حدودها من الدول المجاورة لها حسب قيم العصر فى هذا الوقت؟

هذا نفس ما يحدث الآن بالضبط، فرفض دول العالم الكبرى امتلاك كوريا الشمالية قوى نووية بحجة أنها ستهدد السلام العالمى، رغم أنهم يملكون أيضاً أسلحة نووية وأكبر بكثير مما تملكه كوريا الشمالية، لكنهم لن يسمحوا لدولة جديدة بذلك. فكان الأمر كذلك فى دولة النبى صلى الله عليه وسلم، فالرسالة والدين الجديد سيجعل من الجزيرة العربية دولة عظمى، ويجمع شتاتها، فكان من الطبيعى أن يرفض العالم المحيط بها أن تصبح لها قوة، وبالتالى وقفوا أمامها، ووصل بهم الأمر إلى قتل الرسل التى أرسلهم النبى، ومن هنا ناصبت فارس والروم المسلمين العداء، بل إن غزوتى تبوك ومؤتة كان السبب فيهما محاولة الدولتين القضاء على محمد، إذن هم بدأوا بالعدوان، وكان هدفهم القضاء على الدولة الإسلامية.

_  لمَ لم تتوقف الحروب والمعارك عند رد العدوان أو دفع الأذى عن الدولة الإسلامية؟ لم حدث التوسع؟

لو واجه المسلمون الفرس فى موقعة واحدة ثم توقفوا هل كان من المتوقع أن يتركهم الفرس؟ أم سيحاول الفرس مرة أخرى جمع قوتهم والهجوم مرة واحدة على المسلمين؟ بالتأكيد كانوا سيحاولون الهجوم عليهم مرة أخرى للقضاء عليهم تماماً. إنها قوة عسكرية لا يقف أمامها حد فهى تريد أن تؤمن نفسها، وهنا كانت القضية فى تأمين حدود الدولة، فالمسلمون استولوا على منطقة الشام، والروم محازين لهم فى دمشق وانطاكية.. هل نتركهم بجوارنا أم نستولى على هذه البلاد؟ ولو تركناهم هل سيتركوننا هم أم سيجهزون قوتهم ويغيرون علينا؟ الفرق بين تلك الفترة الزمنية والآن أن وقتها كان الاستعمار عسكرياً فقط، أما الآن فالاستعمار موجود ولكن بشكل أخطر، استعمار ثقافى واقتصادى.

ثم هل كان المسلمون فى فتوحاتهم ينشرون الفزع والفوضى أم كانوا يبشرون بالدين فمن أسلم فله ما له وعليه ما عليه، ومن لم يسلم كانوا يتركون له حرية دينه، فإن حارب معهم لا يدفع لهم شيئاً، وإن رفض أن يحارب معهم دفع ضريبة «الجزية» من يحاربون عنه، فهناك فرق كبير بين الاستعمار الحديث وطرد السكان الأصليين وإفقار البلاد وتدمير اقتصادها، وما فعلته الفتوحات الإسلامية فى البلدان التى فتحتها، فمثلاً عندما قام المسلمون بغزو سمرقند جاء وفد منهم إلى عمر بن عبدالعزيز فى دمشق، وشكوا إليه أن قائده دخل بلادهم «عنوة» دون أن ينذرهم، فأرسل عمر يستفسر من قائده قتيبة بن مسلم، فقال له إن الحرب خدعة، وإننا فتحناها عنوة وعصمنا الدماء لم نقتل أحداً ولم نهاجم بيتاً. لكن عمر بن عبدالعزيز أصدر أمره بأن يخرج الجيش المسلم كاملاً من سمرقند ثم يعيد فتح المدينة بعد أن ينذر أهلها، فهل هناك سماحة فى الدنيا مثل هذه السماحة؟ وقد أدى ذلك إلى دخولهم إلى الإسلام.

_ بعد أيام قليلة تحل علينا ذكرى مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، فما الذى تحب أن تقوله للمسلمين فى هذه الذكرى؟

فقط أريد من المسلمين فى مشارق الأرض ومغاربها خاصة فى بلادنا العربية ومصر أن نلتزم بوصية واحدة من وصايا رسول الله وهى «لا تكذب»، فعندما جاء رجل لرسول الله وقال له أوصنى، قال له: لا تكذب. فالكذب هو أساس كل المشكلات فى العالم العربى والإسلامى وانعدام الأمانة أحد ظواهره، وأيضاً عدم اتقان العمل كذلك، فأى عمل لا يصدق صاحبه فهو كاذب، فأوروبا واليابان تقدما لأن القانون يحكمهما أما نحن فـ «الفهلوة» تحكمنا.

آمال سامي

طباعة
كلمات دالة: محمد رسول الله
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg