| 09 مايو 2024 م

أراء و أفكار

د. ياسر ثابت.. يكتب: النبي الإنسان

  • | الجمعة, 24 نوفمبر, 2017
د. ياسر ثابت.. يكتب: النبي الإنسان
د. ياسر ثابت

تفرض إنسانية النبى محمد -صلى الله عليه وسلم- نفسها على أى قارئ لسيرته العطرة، الأمر الذى يدفعنا تلقائيـاً إلى المقارنة بين هذه الإنسانية فى أسمى درجاتها وبين من يلجأون إلى ممارسات وانتهاكات وتجاوزات تستخدم العنف وصولاً إلى إزهاق الأرواح، بدعوى الدفاع عن هذا الدين القيّم.

بداية، دعونا نلقى الضوء على معنى الإنسانية فى اللغة: إنسانيَّة: اسم مؤنَّث منسوب إلى إنسان، وهى تعنى الآدمية، الأدب، اللطف، نَزْعة إنسانيّة: ميل إلى معاملة الناس معاملة إنسانيّة وإلى صنع الخير لهم، محبّة الخير العامّ.(تكملة المعاجم العربية)، اللاَّإنسانيَّة: إهدار قيمة الإنسان وحقوقه، والإيمان بالعنصريّة، والقسوة فى معاملة الآخرين، تصرُّف لا إنسانيّ: منتهك للمشاعر الإنسانيَّة. (معجم اللغة العربية المعاصرة)، وفى الاصطلاح: التعامل الإنسانى الآدمى الذى يرتكز على هذه الأسس الرئيسية: «الإخاء والمساواة والحرية» بما تحويه هذه الركائز من قيم وأخلاق وآداب وضوابط.

لقد حرص القرآن الكريم كل الحرص فى شتى المناسبات على تأكيد إنسانيّة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، بمثل قوله تعالى: «قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً» (الكهف: 110).

وبالفعل، كان -صلى الله عليه وسلم- إنساناً قبل أن يكون رسولاً: « قَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا، أَبْشِرْ فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَداً، فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِى الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ» البخارى، ولقب - صلى الله عليه وسلم- منذ صغره بالصادق الأمين.

ولعل أولى سمات الرسول الكريم هى أنه كان ذلك الإنسان الحانى الرحيم، الذى لا تفلت من قلبه الذكى شاردة من آلام الناس وآمالهم إلا لباها ورعاها، وأعطاها من ذات نفسه كل اهتمام وتأييد، نرى فيه الإنسان الذى يكتب إلى ملوك الأرض طالباً إليهم أن ينبذوا غرورهم الباطل، ثم يصغى فى حفاوة ورضىً إلى أعرابى حافى القدمين يقول فى جهالة: «اعدل يا محمد، فليس المال مالك، ولا مال أبيك»، نرى فيه العابد الأواب الذى يقف فى صلاته، يتلو سورةً طويلةً من القرآن، ثم لا يلبث أن يسمع بكاء طفل رضيع كانت أمه تصلى خلفه فى المسجد فيضحى بغبطته الكبرى، وحبوره الجياش، وينهى صلاته على عجل رحمة بالرضيع الذى كان يبكى، وينادى أمه ببكائه.

نرى فيه الإنسان الذى وقف أمامه جميع الذين شنوا عليه الحرب والبغضاء، وقفوا أمامه صاغرين، ومثّلوا بجثمان عمه حمزة، ومضغوا كبده فى وحشية ضارية، فيقول لهم، وهو قادر على أن يهلكهم:

«اذهبوا فأنتم الطلقاء»

نرى فيه الإنسان الذى يجمع الحطب لأصحابه فى بعض أسفارهم، ليستوقدوه ناراً تنضج لهم الطعام، ويرفض أن يتميز عليهم.

نرى فيه الإنسان الذى يرتجف حين يبصر دابةً تحمل على ظهرها أكثر مما تطيق.

نرى فيه الإنسان الذى يحلب شاته، ويخيط ثوبه، ويخصف نعله.

نرى فيه الإنسان، وهو فى أعلى درجات قوته، يقف بين الناس خطيباً فيقول: «من كنت جلدت له ظهراً فهذا ظهرى فليستقدْ منه».

أما جوانب الإنسانية فى حياة الرسول فهى متنوعة وتستحق الالتفات إليها وتدبرها، حتى نفهم ونقارن، ومن ذلك:

1- إنسانيته مع ربه سبحانه: ومن ذلك: فى رحلة الطائف: «إن لم يكن بك غضب على فلا أبالى»، «أفلا أكون عبداً شكوراً» إلى غير ذلك من الشواهد.

2- إنسانيته مع إخوانه الأنبياء عليهم السلام: ومن ذلك «صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَى أَخِى لُوطٍ إِنْ كَانَ لَيَأْوِى إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ» تعظيم قدر الصلاة أبوعبدالله المَرْوَزِى (المتوفى: 294هـ)، وفى ليلة الإسراء والمعراج يظهر بجلاء ووضوح أدبه مع الأنبياء عليهم السلام.

3- إنسانيته مع أهله: فعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «خَيْرُكُمْ خيركم لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِى» ابن ماجة صحيح لغيره، وفى السنة والسيرة شواهد كثيرة لهذه الإنسانية العظيمة.

4- إنسانيته مع الخدم والعمال والغلام: فعن أَنَسٌ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: «خَدَمْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، فَمَا قَالَ لِى: أُفٍّ، وَلاَ: لِمَ صَنَعْتَ؟ وَلاَ: أَلَّا صَنَعْتَ» البخارى.

5- إنسانيته فى تعامله مع المنافقين: فكان دائماً يقول: «ما بال أقوام يفعلون كذا..»، ونعلم كيف تعامل مع رأس المنافقين ابن سلول عند موته.

6- إنسانيته فى تعامله مع أعدائه: ويظهر ذلك بوضوح فى كثير من المواقف كما فى رحلة الطائف، وفتح مكة، ومخاطبة الملوك والرؤساء.

7- إنسانيته فى تعامله مع الأسرى: كما يظهر ذلك فى وصاياه بالأسرى، وعملياً فى تعامله الإنسانى مع أسرى المشركين فى غزوة بدر.

8- إنسانيته فى تعامله مع الحيوان: ونعلم النصوص الكثيرة فى ذلك، كما فى حديث الرجل الذى سقى كلبـاً، والمرأة التى «دخلت النار فى هرة حبستها» إلى غير ذلك من النصوص والمواقف. (ويرجع لذلك فى كتب السنة).

9- رفق الرسول الكريم مع الذى يجهل أو يسىء التصرف بغير علم.لقد أدرك النبى أن الرفق هو سبب تأليف القلوب، وأن الفظاظة والغلظة تنفر النفوس، وتنفض الجموع من حول من يتصف بها.

من النماذج العملية على هذا الرفق: قصة الأعرابى الذى بال فى المسجد فتناوله الناس، فقال لهم النبى: دعوه، وأريقوا على بوله سجلاً من ماء أو ذنوباً من ماء، فإنما بعثتم ميسرين، ولم تبعثوا معسرين - رواه الشيخان.

من ومضات رحمته -صلى الله عليه وسلم- أنه قال عن نفسه:

«إنما أنا رحمة مهداة»

أخرجه الحاكم عن أبى هريرة

وقد روى عن ربه فى الحديث القدسى:

«إن كنتم تحبون رحمتى فارحموا خلقى»

الديلمى عن أبى بكر

وبيَّن صلى الله عليه وسلم أن الراحمين يرحمهم الله، وأرشد المؤمنين إلى التزام الرحمة فقال له:

«ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء»

الترمذى عن عبدالله بن عمرو

وبيّن أيضاً أن الرحمة خير من الإفراط فى العبادة، فقد خرج صلى الله عليه وسلم عام الفتح إلى مكة فى رمضان، حتى بلغ موضعاً يُدعى كراع الغميم فصام، وصام الناس، ولما رأى بعض الناس قد شقّ عليهم الصيام بسبب وعثاء السفر دعا بقدح من ماء فرفعه حتى نظر الناس إليه، ثم شرب، ولما قيل له: إن بعض الناس لا يزال صائماً، قال: «أولئك العصاة» مسلم عن جابر.

رجل يسرع الخطا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يغشاه الفرح الكبير، تغمره الفرحة العارمة ليبايع النبى على الهجرة معه، وعلى الجهاد فى سبيل الله تحت رايته، يقول له: «يا رسول الله جئت أبايعك على الهجرة والجهاد، وتركت أبواى يبكيان»، فيقول له عليه الصلاة والسلام:

«ارجع إليهما فأضحكهما كما أبكيتهما»

النسائى عن عبدالله بن عمرو

دعونا هنا نتوقف أيضاً عند سلوكيات النبى الكريم ورؤيته الإنسانية السامية للتحاب والمودة بين بنى البشر، وخصوصـاً بين المسلمين. فمن توجيهات النبى صلى الله عليه وسلم فى الحب والود:

«والذى نفس محمد بيده، لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا» مسلم عن أبى هريرة «إذا أَحَبَّ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلْيُعْلِمْهُ أَنَّهُ يُحِبُّهُ» أحمد والبخارى عن المقدام بن معد يكرب

«وإذا آخى الرجلُ الرجلَ، فليسأله عن اسمه، واسم أبيه، وممن هو؟ فإنه أوصل للمودة».

الترمذى عن يزيد بن نعامة الضبي.

«إذا كنتم ثلاثة فلا يتناجى اثنان دون الثالث إلا بإذنه فإن ذلك يحزنه»

مسلم عن أبى الربيع

«من هجر أخاه سنة فهو كسفك دمه»

أحمد عن أَبِى خِرَاشٍ السُّلَمِيِّ

«وكفى بك ظلما ألا تزال مخاصمـاً»

البيهقى عن ابن عباس

«من أتاه أخوه متنصلاً فليقبل ذلك محقاً كان أو مبطلاً»

أخرج الحاكم وصححه وضعفه الذهبى عن أبى هريرة رضى الله عنه مرفوعـاً

«صل بين الناس إذا تفاسدوا، وقرب بينهم إذا تباعدوا»

البزار عن أنس.

ونختم حديثنا هذا بما ورد عن الرسول الكريم من أنه قال:

«ألا أنبئكم بشراركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: الذين لا يقيلون عثرةً ولا يقبلون معذرة ولا يغفرون ذنباً»

الطبرانى عن ابن عباس

إن إنسانية النبى الكريم هى الدرس الذى ننساه ونغفله فى عالمنا اليوم، ونحن أحوج ما نكون إلى الاقتداء بخلق نبينا العظيم، إن أردنا صلاح هذه الأمة.

طباعة
كلمات دالة: محمد رسول الله
Rate this article:
3.5

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg