| 09 مايو 2024 م

أراء و أفكار

د.عمار علي حسن.. يكتب: الرسول والشعراء.. نظرة مختلفة لإزالة الالتباس

  • | الجمعة, 24 نوفمبر, 2017
د.عمار علي حسن.. يكتب: الرسول والشعراء.. نظرة مختلفة لإزالة الالتباس
د. عمار علي حسن

وإذا كان كتاب الشاعر أحمد سويلم «الرسول والشعراء» يبين أن محمدا (عليه الصلاة والسلام) قد أقر شعرا، وقرب إليه بعض الشعراء، وطلب من بعضهم أن يبدع قصائد فى موضوعات محددة، فإن شعراء آخرين استمروا على حالهم الأول وهم فى صدر الإسلام، ولم يخضعوا شعرهم لأى نوعه من التأدلج أو بمعنى أكثر دقة توظيف الشعر فى الدعوة الدينية، أو الدعاية السياسية والحربية وقت المعارك بين المسلمين والمشركين، وإن ظلت وظائف الشعر القديم فى الحماس والمديح والهجاء وغيرها قائمة حتى نهايات العصر العباسى. وقد عاد الشعراء يطلقون خيالهم، ويبدعون بحرية، ويدركون طيلة الوقت الفرق بين قصيدة يكتبونها لحاكم أو أمير من أجل أعطية تعينهم على البقاء على قيد الحياة وبين أخرى يجدون أنفسهم مدفوعين إلى إبداعها. وحتى الشعر الموظف فى التحميس والتقريظ والذم لم يكن يخلو من خيال مجنح أو مبالغات مثيرة للدهشة والتساؤل.

وإذا كان ما مضى يتعلق بمضمون الشعر فإن الشكل لم يسلم من تدخل المتشددين، إذ إنهم لا يقرون من الشعر إلا العمودى، وهو الذى كان سائدا عن العرب والمسلمين الأوائل وفى زمن الخلافة، ومن ثم فهم يقاومون الأشكال الشعرية الأخرى الحرة، مثل قصيدة التفعيلة، وقصيدة النثر. وبعضهم يعتبر الأشكال الجديدة بدعة وضلالة، ويريد التمسك بالشعر القديم فى شكله، أو حتى فى مضأمينه، فى إطار استفحال رغبة العيش فى الماضى عند هؤلاء.

والزاوية الثانية تتعلق باتجاه لا يزال يُثبَّت السنوات الأولى للإسلام لتكون هى معيار الحكم ليس على الشعر فحسب بل على كل الفن، فحين بدأ الإسلام، بنزول الوحى على الرسول، كان بعض الشعر مرتبطا بالعبادات التى كانت قائمة فى شبه جزيرة العرب قبل الرسالة، وكانت تقال القصائد فى مدح الأصنام وطقوس عبادتها، بينما كان العزف والغناء يرتبط بخيام وأماكن يُشرب فيها الخمر ويقع الزنا. ومن هنا بدأت هذه المجافاة بين العبادة والفن فى نظر بعض الأوائل، بينما لم يحدث الأمر نفسه مثلا فى مسار المسيحية، حيث ارتبطت الموسيقى بالعبادة، من خلال الترانيم والتراتيل التى يصحبها العزف.

أما الزاوية الثالثة فتتصل بالإعجاز البيانى، الذى كان يمثله الشعر باعتباره أقصى معجزة فى عالم الكلام والصور وصل إليها بعض أفراد مجتمع شبه الجزيرة العربية قبل الإسلام ممن يحملون لقب «شاعر» وتحتفى بهم قبائلهم باعتبارهم موضع فخرها واعتزازها وأحد ركائز قوتها اللينة. وأمام هذا الإعجاز البيانى البشرى جاء القرآن ليضعه المسلمون كوجه لإعجاز البيان الإلهى فى وجه الإعجاز البشرى، ولهذا وقف الشعراء أمامه مشدوهين، فهو مختلف فى بنيته وموسيقاه ونظمه ومجال اهتمامه عما لديهم، ولهذا احتاروا فى تصنيفه، وهو ما يحيل كتاب أحمد سويلم فيه إلى ابن خلدون حين يقول فى مقدمته الشهيرة: «ثم انصرف العرب عن ذلك أول الإسلام بما شغلهم من أمر الدين والنبوة والوحى، وما أدهشهم من أسلوب القرآن ونظمه.. فأخرسوا عن ذلك وسكتوا عن الخوض فى النظم والنثر زمانا»، ثم إلى الجاحظ فى قوله: «لأن رجلا من العرب لو قرأ على رجل من خطبائهم وبلغائهم سورة واحدة طويلة أو قصيرة، لتبين فى نظامها ومخارجها، وفى لفظها وطبعها.. إنه عاجز عن مثلها، ولو تحدى بها أبلغ العرب لظهر عجزه عنها، وليس ذلك فى الحرف والحرفين، والكلمة والكلمتين».

لكن الشعر ظل أحد مصادر فهم القرآن وتفسيره، وهنا يقول الكاتب «ما دام الشعر الجأهلى قمة الفصحى للغة العرب، فقد كان طبيعيا أن يرجع مؤرخو اللغة إليه فى فهم لغتم، وتفسير قرآنهم، ومعرفة أسلوب القرآن وأحكامه، والوقوف على سر بيانه. وصار من المألوف أن يمثل الشعر ساحة واسعة لشواهد اللغة بعد القرآن الكريم».

لقد وضع الكاتب فى مقدمته كتابه هدفا لهذه الدراسة وهو «تصحيح مفهوم الإسلام للشعر»، وأعتقد أنه قد نجح فى هذا ليس بإقرار بعض الرؤى والتصورات التى يستعملها فى بناء مسار برهنة على ما أراد إثباته والدفاع عنه فى وجه المتشددين فحسب، إنما أيضاً فى إثارته الكثير من التساؤل التى تخص علاقة الدين الإسلامى بالشعر، ليس من زاوية الحرام والحلال، إنما، وهذا هو الأهم، من جانب التدوين والتسجيل، والانتقال من الشفاهية إلى الكتابية، وهى مسألة ارتبطت أيضاً بالحديث النبوى نفسه.

طباعة
كلمات دالة: محمد رسول الله
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg