| 08 مايو 2024 م

أراء و أفكار

رجائي عطية.. يكتب: لا حاجة بالإسلام إلى العلمانية

  • | الجمعة, 24 نوفمبر, 2017
رجائي عطية.. يكتب: لا حاجة بالإسلام إلى العلمانية
رجائي عطية

الدين والدولـة بين العلمانية والإسلام

افترضت العلمانية أن الإسلام مجرد رسالة روحية، لا شأن لها بالدولة والحكم والحكومة، وأن هذا الفراغ يستوجب الانصات لمنظرى العلمانية، والأخذ بأفكارهم المنظمة لشئون الحكم ونظامه وحكومته.

والذى لا مراء فيه، أن «الدولة» ليست ركناً ولا أصلاً من أركان الإسلام وأصوله، بيد أن ذلك لا يعنى وجود الفراغ الذى عناه العلمانيون، لأن الإسلام وضع مبادئ للحكم وإن لم يَفرض نظاماً بعينه.

ودون حاجة للدخول فيما افترضته الشيعة الإمامية من اعتبار الإمامة ركناً من أركان الدين، أو ما اختلف فيه المنظرون حول «الخلافة» وهل هى بذاتها أصلٌ من أصول الحكم من عدمه، فإن الذى لا يقع فيه خلاف أن القرآن الحكيم تضمن أسساً ومبادئ لنظم الحكم بعامة، ينبغى التزامها على الحكم وعلى الحكومة، مع ترك سعة للتطبيق فى اختيار صور نظام الحكم والتفاصيل، وهو بهذه السعة، مع المبادئ العامة، قد أتاح للمسلمين أن يختاروا وأن يفاضلوا ويفضلوا ما يرونه موافقاً للظروف والمكان والزمان، وفى بحبوحة تترك لهم مجال الاجتهاد مفتوحاً دون أن يحتاجوا إلى استيراد من أفكار العلمانية أو سواها، أو استعارة ما ينبو أو لا يتفق مع دينهم ومجتمعاتهم.

الخلافة ليست أصلاً من أصول الحكم فى الإسلام

من المؤكد المقطوع به، أن رسول الله عليه الصلاة والسلام لم يستخلف أحداً فى حياته، ومن المؤكد المقطوع به أيضاً، أنه لاقى ربه دون أن يستخلف من بعده أحداً، ولو فعل لانقطعت أى ادعاءات، ولا نقطع أيضاً أى خلاف، فما كان لأحد، من المهاجرين أو الأنصار، أن يدّعى شيئاً لم يأمر به عليه الصلاة والسلام، أو يوصى به!

وسيرة النبى عليه الصلاة والسلام تقطع بذلك وتؤكده، فقد خلت من أى أمر أو توصية بالخلافة، لا لأحدٍ بعينه، ولا بصفة عامة، وليس يخفى أن النبوة غير قابلة للتوريث أو الخلافة، فلا أحد أياً كان شأنه يمكن أن يخلف الرسول فى نبوته.

أعود فأقول، إنه من المؤكد المقطوع به أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يأمر ولم يوص بخلافة فى شئون الدنيا، ولم يأمر أو يوص بخلافة أحد بعينه ليقوم على أمر المجتمع الإسلامى فى شئون الدنيا، أما النبوة فلا مجال بداهةً وأصلاً للخلافة فيها.

ولو كان عليه الصلاة والسلام قد أوصى لأحد، ما أباح الأنصار لأنفسهم أن يرشحوا أحدهم لولاية الأمر يوم سقيفة بنى ساعدة، ولو كان عليه الصلاة والسلام قد أوصى لأحد بعينه، لما جرؤ الفاروق على أن يقول لأبى عبيدة بن الجراح فى ذلك اليوم: «امدد يدك أبايعك»، ولو كان قد أوصى لكان رد أبى عبيدة خلاف الرد الذى رد به، ولصرَّح فى وضوح وجلاء بمن أوصى النبى أن تكون له إدارة المجتمع فى شئون الدنيا، ولو كان عليه السلام قد أوصى، لالتزم أبوبكر الصديق بوصيته لحظة أن لحق بالسقيفة، ولاستند إلى من أوصى الرسول إليه بولاية أمر الدنيا، ولما كان قد بدأ بترشيح أىًّ من الرجلين: عمر وأبى عبيدة!

ولم يتحدث الصديق يوم بويع، ولا بعده، بأنه يتوسد حكم أو إدارة المجتمع، بأمر أو بتوصية من الرسول عليه الصلاة والسلام، بل كان يقول ومثله الفاروق من بعده إنه قد تولى أمر المسلمين وليس بخيرهم، فإن وجدوا فيه استقامة أعانوه، وإذا انحرف عن الجادة ردّوه وقوموه.

وآيات القرآن، والسنة النبوية، شاهدان على هذه الحقيقة من قبل استخلاصها من السيرة.

وبرغم الوحى ورسالة النبوة والهداية، فإن إدارة الرسول عليه الصلاة والسلام للمجتمع الإسلامى بالمدينة، لم تكن إدارة ثيوقراطية تنسب نفسها إلى إرادة الله عز وجل، بل كان عليه الصلاة والسلام يقول للمسلمين فى أكثر من مناسبة: «أنتم أعلم بشئون دنياكم». فسكوت النبى عن الاستخلاف لم يخالف أصلاً من أصول الإسلام.

مبادئ الحكم والشورى والمساواة فى الإسلام

من المؤكد أن القرآن الحكيم قدم مبادئ للحكم، يصح بها الحكم، ويصح بها كل مجتمع موكل الأمر فيه إلى من يرعاه ويقوم على إدارة شئونه.

ولكن يبقى السؤال، هل حدد القرآن شكلاً معيناً بذاته لنظام الحكم، لا يكون الحكم إلاَّ به وعلى أساسه، أم أنه أورد المبادئ الحاكمة، تاركاً شكل الحكومة ونظامها إلى واقع الحياة الذى يتغير بتغير الظروف واعتبارات الزمان والمكان.

لقد أورد القرآن الحكيم آيات واضحة الدلالة حددت مبادئ يلتزمها الحكم أياً كان نظامه، ويلتزمها كل راعٍ أو مسئول فى الإطار الذى يتولاه أو ينهض عليه أو يقوم فيه بدور.

يقول الحكم العدل عز وجل:

«وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ «الشورى 38».

«وَشَاوِرْهُمْ فِى الأَمْرِ «آل عمران 159».

«وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ «الشعراء 215».

«إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ «(الحجرات 10».

«إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ «الكهف 110».

«يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ «آل عمران 64».

«وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِجَبَّارٍ «ق 45».

«فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنتَ مُذَكِّرٌ، لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ «الغاشية 21، 22».

«وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ «النساء 58».

ومن هذه الآيات ما يصف المؤمنين أو يخاطبهم عامة، ومنها ما يتجه بخطابه إلى الرسول عليه الصلاة والسلام آمراً أو موجهاً أو موصياً.

فمن صفات المؤمنين المستقاة من الآيات القرآنية، أنهم إخوة، وأن أمرهم شورى بينهم، وأن العدل هو أساس الحكم فيما بينهم، وأن المجتمع الإسلامى يتسع لأهل الكتاب بالدعوة إلى كلمة سواء بينهم وبين المسلمين ألاَّ يعبدوا جميعاً إلاَّ الله، وألاَّ يتخذ بعضهم بعضاً أرباباً من دون الله...

والرسول عليه الصلاة والسلام، مأمور من ربه سبحانه وتعالى أن يخفض جناحه لمن اتبعه من المؤمنين، وأن يشاورهم فى الأمر، وخطابه لهم قوامه أنه بشر مثلهم يوحى إليه، وأن إلهه وإله الجميع واحد، وما هو عليهم بجبار، وليس عليهم بمسيطر، وإنما خطابه إليهم بالحكمة والموعظة الحسنة..

ومن المؤكد إذن أن القرآن الكريم تضمن مبادئ يجب الالتزام بها فى الحكم، وإن كان لم يقدم تصوراً تاماً أو صورة شاملة للحكومة، فالشورى أو المشاورة مبدأ، وعدم الاستبداد أو التجبر مبدأ، وخفض الجناح للتابعين مبدأ، والأخوة بين المؤمنين مبدأ، والعدل فى الحكم بين الناس مبدأ، وتحمل التبعة مبدأ، والتعاون فى البر والتقوى لا فى الإثم والعدوان مبدأ، والأمانة فى الحكم وفى غير الحكم مبدأ، وعدم كنز الأموال مبدأ، والتطهر بالزكاة والصدقة مبدأ. هذه مبادئ وردت نصاً فى آيات القرآن الحكيم، ولكنها مبادئ عامة يجب التزامها، فلم يورد مثلاً تفاصيل للشورى، وإنما دعا دعوة عامة للشورى والمشاورة دون أن يحدد لها أسلوباً محدداً، ولم يورد القرآن شكلاً محدداً يمكن أن يقال إنه قدم به «حكومة إسلامية «على شكل معين، وإن كان قد قدم المبادئ التى يتعين على كل أنواع وأشكال الحكم والحكومات أن تلتزم بها.

مبادئ لا نظام سياسى بعينه

بيان القرآن الحكيم واضح جلى، فهو لم يحدد شكلاً ولا نظاماً معيناً للحكم، وإنما أورد مبادئ يلتزمها كل حكم أياً كان شكله، محكوماً بهذه المبادئ الواضحة الجلية، والمؤكد أن الرسول عليه الصلاة والسلام لاقى ربه دون أن يستخلف أحداً بعينه، ولو استخلف لما استطاع أحدٌ من أصحابه ومن المؤمنين به أن يخالف ما أمر به، ولا كان الأنصار قد اجترأوا على أن يجتمعوا فى سقيفة بنى ساعدة يوم وفاته لمبايعة واحد منهم يتولى أمر المسلمين، ولا كان عمر بن الخطاب قد اجترأ على أن يقول لأبى عبيدة بن الجراح امدد يدك أبايعك، ولما اقتصر أبوعبيدة فى عتابه له على الإشارة إلى مكانة أبى بكر الصديق ولكونه ثانى اثنين إذ هما فى الغار، ولذكر استخلاف الرسول ρ له، ولكان الأولى بعمر وبأبى عبيدة أن يلتزما بمن استخلفه الرسول عليه الصلاة والسلام، ولكان هذا هو أيضاً شأن أبى بكر نفسه الذى كان عنواناً للاقتداء بسنة النبى عليه الصلاة والسلام والالتزام بأوامره ونواهيه، ولما بدأ فى السقيفة بعرض مبايعة أحد الرجلين عمر أو أبى عبيدة، ولحاجى الأنصار والجميع بمن استخلفه الرسول ﷺ ولالتزم الجميع بهذا الاستخلاف.

فمن المقطوع به أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يستخلف أحداً بعينه ولا حَدَّد نظاماً معيناً يلتزمه المسلمون فى الحكم، ولا تحدث إليهم بشىء من ذلك، وإنما اجتهد المسلمون أصابوا أم أخطأوا فى اختيار نظام يديرون به شئونهم على هدى المبادئ القرآنية الواضحة قطعية الدلالة وسنة الرسول ﷺ فيما بينهم.

معالم نظام الحكم فى إطار المبادئ القرآنية

معالم الحكم الواضحة فى المبادئ قطعية الدلالة التى استنها القرآن الحكيم، أن الحكومة حكومة مدنية، بمعنى أن القائم على الأمر ليس ممثلاً لله عز وجل، ولا يملك أن يتحدث باسمه، وإنْ كان عليه أن يلتزم بأوامره ونواهيه، وأن يسترشد بالمبادئ التى قررها سبحانه وتعالى لولاية الأمور.

ومن الواضح فى هذه المبادئ أن الحكومة فى هذه الآيات القرآنية لمصلحة المحكومين، لا لتجبر الحاكمين.. فليس لأحدٍ أن يدعى لنفسه ما أُمِرَ الرسولُ عليه الصلاة والسلام بالتزامه، أو ما أُمِرَ باجتنابه.

فقد أُمِر الرسول عليه السلام أمراً واضحاً بأن يشاور المؤمنين فى الأمر، وأُمِرَ بأن يخفض الجناح لمن اتبعه من المؤمنين، وأُمِرَ بأن يوضح للناس أنه ليس إلاَّ بشر مثلهم يوحى إليه، وأن يحكم بينهم بالعدل، ونُهِىَ نهياً صريحاً أن يكون عليهم جباراً، وقيل له أن يُذكِّر، فإنما هو مُذكِّر، وليس عليهم بمسيطر.

وليس لأحدٍ أن يدعى لنفسه ما يجاوز ما كان للرسول عليه الصلاة والسلام.

ولم تكن سيرة النبى عليه الصلاة والسلام إلاَّ تطبيقاً لما أمره به ربه سبحانه وتعالى، فكانت نبوته نبوة تبليغ وهداية، أطاع فيها ربه، ولم يَدّع لنفسه إحاطةً بالغيب، ولا علماً يجاوز ما أمره الله تعالى بتبليغه.

أَمَرَهُ ربُّهُ عز وجل، بأن يبدى للناس أنه ليس إلاَّ بشراً رسولاً اصطفاه ربه لحمل وأداء الرسالة «قُلْ سُبْحَانَ رَبِّى هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَراً رَّسُولاً «(الإسراء 93).

وأُمِرَ عليه الصلاة والسلام بأن يوضح للناس أنه ليس منجماً ولا يعلم الغيب، ولا يملك لنفسه نفعاً لا ضراً إلاَّ ما شاء الله، وأنه لو كان يعلم الغيب لاستكثر من الخير وما مسّه السوء.. فما هو إلاَّ نذير وبشير لقومٍ يؤمنون..

يأمره ربه تبارك وتعالى: «قُل لاَّ أَمْلِكُ لِنَفْسِى نَفْعاً وَلاَ ضَراً إِلاَّ مَا شَاء اللّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاَسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَاْ إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ «الأعراف 188».

لا ثيوقراطية فى الإسلام!

ليس فى الإسلام ما ينكر أو يصادر مذهباً من المذاهب، أو يصادر حرية الناس فى التفكير الذى هو فريضة إسلامية، ولم ينكر الإسلام من هذه المذاهب إلاَّ المذهب الذى يدعى للحاكم سلطة إلهية، وكان النبى عليه الصلاة والسلام ينكر على الوالى أن ينتحل لنفسه ذمة الله ويقول لمن يوليه أمراً: «إذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه فلا تجعل لهم ذمة الله وذمة نبيه، ولكن اجعل لهم ذمتك وذمة أصحابك، فإنكم إن تخفروا ذممكم وذمم أصحابكم أهون من أن تخفروا ذمة الله وذمة رسوله، وإذا حاصرت أهل حصن فأرادوك أن تنزلهم على حكم الله فلا تنزلهم على حكم الله ولكن أنزلهم على حكمك، فأنت لا تدرى أتصيب حكم الله فيهم أم لا».

وكان الفاروق رضى الله عنه يأبى أن يُقَال عن رأيه إنه مشيئة الله.

ويبدو أن أقرب الأقوال إلى سند السيادة فى الإسلام هو الرأى القائل بأنها عقد بين الله والخلق من جهة، وعقد بين الراعى والرعية من جهة أخرى، وأنه لا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق.

باب الاجتهاد مفتوح

مؤدى ما تقدم، أن الإسلام لم يفرض نظاماً بعينه للحكم، وإنما وضع الأسس والمبادئ لنظام الحكم بعامة، وترك سعةً للتطبيق فى اختيار صور نظام الحكم وتفاصيله، وأتاح للمسلمين بهذه السعة أن يفاضلوا وأن يختاروا ما يرونه ملبياً لظروفهم، وفى بحبوحة تترك لهم مجال الاجتهاد مفتوحاً فى إطار المبادئ العامة التى لا يقع عليها خلاف فى أنظمة الحكم، دون أن يحتاجوا كما تقدم إلى استيراد من أفكار العلمانية أو سواها، أو استعارة ما ينبو أو لا يتفق مع دينهم وظروف وأحوال مجتمعاتهم.

فلا مواجهة إذن فى شأن الدين والدولة بين العلمانية والإسلام.

طباعة
كلمات دالة: محمد رسول الله
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg