| 08 مايو 2024 م

أراء و أفكار

محمد مصطفى أبوشامة.. يكتب: رجال حول الرسول

  • | الجمعة, 24 نوفمبر, 2017
محمد مصطفى أبوشامة.. يكتب: رجال حول الرسول
محمد مصطفى أبو شامة

تُشرِق علينا أيام «ربيع الأول»، فتهِلُّ ذكرى حبيبِنا ونبيِّنا المصطفى عليه أفضل الصلاة والسلام، نتذوَّق حلاوة عُرْس مولِدِه الذى ابتدعه الفاطميون «الشيعة»، وحوَّلَه المصريون «السُّنَّة» إلى حفلٍ سنويّ، وأصبح يُعرَف بـ«مولد النبى» يحتفون فيه على طريقتِهِم الشعبية بـ«سيدنا». ومن عباءته خرجت عشرات الموالد الأخرى التى تحتفى بأهل بيت النبوة والمشايخ والأولياء والصالحين.

وفى ذكرى «مولد النبى» تتفجَّر كرامات المحبة فتضىء القلوب، وتُلهِم العشَّاق إبداع الذكر فى سيرته العطرة، وإعادة اكتشاف بواطن جمالها، ومفاتن قصصها، وعبقرية أحداثها، وكأن المسلمين فى مصر (ونيابةً عن عموم مسلمى العالم) يقدمون كل عام هديةً للمصطفى فى يوم مولده، على ما قدمه للبشرية، فاستحقَّ أن يكون خير البشر أجمعين، يشكِّل نصَّها القولُ المأثور: «جزاك اللهُ يا سيدى يا رسولَ الله عنا أفضلَ ما جُزِى نبيٌّ ورسول عن أمَّتِه.. فلقد بلَّغتَ الرسالةَ وأديتَ الأمانةَ، وأوضحتَ الحُجَّة وكشفْتَ الغمة، ونصحتَ العباد، وجاهدتَ فى سبيل الله حق الجهاد».

وقد أكرمنى الله هذا العام أن أحتفل بذكرى مولد الحبيب، فى رحاب صحابته المخلصين، من خلال إشرافى على كتابة مشروع درامى عنوانه «رجال حول الرسول»، يحكى سيرة 30 من أبرز الصحابة؛ أسماء تقف أمامها مشدوهاً من فَرْط إخلاصها للعقيدة، ومن عُمق إيمانها، وتقف لها إجلالاً على عطائها لدعم خاتم المرسلين ونَشْر ما حمله له جبريل من رسائل التوحيد، والتضحية بكل نفيس، ثقةً فى الله وفى رسوله الصادق الأمين.

لا أجرؤ على أن أبارى كاتِبَنا الكبير ومفكِّرَنا الإسلامى الراحل خالد محمد خالد فى مضماره، فهو الأسبق والأحق بهم؛ فقد قدم للمكتبة العربية كتاباً حمل هذا العنوان، غُزِل بحروف من نور فى مقدمته بعض الكلمات الخالدة: «فالعظمة الباهرة التى نراها على صفحات هذا الكتاب لأولئك الرجال الشاهقين من أصحاب الرسول ليست أساطير، وإن بَدَتْ من فرط إعجازها كالأساطير!! إن التاريخ لم يشهد رجالاً عقدوا عزمهم ونيَّاتِهم على غاية تناهت فى العدالة والسمو، ثم نذروا لها حياتهم على نسق تناهى فى الجسارة والتضحية والبذل، كما شهد أولئك الرجال حول الرسول».

وقد ذكر بعض العلماء أن عدد الصحابة الذين تُوفِّى الرسول عنهم مائة وأربعة عشر ألفاً، وقال السيوطى تعليقاً على هذا القول: «هذا لا تحديدَ فيه، وكيف يُمكِن الاطلاع على تحرير ذلك مع تفرق الصحابة فى البلدان والبوادى والقرى؟!».

ويتقدم صحابة النبى، العشرة المبشرون بالجنة، ومن بعدهم علماء ومقاتلون أشداء، وآخرون حظوا بشرف الشهادة، كما تمنوا ودعوا الله فى غزواتهم وفتوحاتهم، وقد مَيَّز الرسول بعض صحابته وخَصَّهم بصفات مميزة، كما روى أبوسعيد الخدرى قائلاً‏: ‏ قال رسول الله: «أرحم أمتى بها أبوبكر الصديق، وأقواهم فى دين الله عمر بن الخطاب، وأصدقهم حياءً عثمان بن عفان، وأقضاهم على بن أبى طالب، وأفرضهم زيد بن ثابت، وأقرؤهم لكتاب الله أبى بن كعب، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل، وأمين هذه الأمة أبوعبيدة بن الجراح، وأبوهريرة وعاء للعلم».

وفى رحلتى الثرية بين قصص الصحابة الخالدين، لا أخفى أنى تعرفت على أسماء عظيمة، تعلمتُ من سِيَرِهم ما لا تسعه السطور ولا تستوعبه العقول، وأكثر من استوقفتنى سيرتهما كانا «العاصَيْن»، اللذين عاشا صباهما فى كنف الرسول بالمدينة ابنين لاثنين من أعز وأكرم الصحابة؛ عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص، وقد أكرم الله ابنيهما بأن غَيَّرَ لهما رسول الله اسميهما فكانا كلاهما «عبدالله».

وكان موقفهما (عبدالله بن عمر وعبدالله بن عمرو) من أحداث «الفتنة الكبرى» التى أشعلت تاريخ الإسلام، ولا تزال، أشدَّ ما استوقفنى فى سِيرتِهما العطرة، وكيف نأيا بنفسيهما عن هذا الهلاك، رغم أن أحدهما ابن واحد من صناعها (عمرو بن العاص)، والثانى (ابن عمر) رُشِّح بقوة ليكون خليفة المسلمين (خلفاً لأبيه) ثم حَلاً وسطاً ارتضَتْه أطراف الفتنة فى أكثر من موقف، ولعلَّ أبلغ ما تُوصَف به أزمة الأمة الإسلامية حتى اليوم، هو ما قاله ابن عمر رضى الله عنهما، قال: «إنما مثلنا فى هذه الفتنة كمثل قوم يسيرون على جادَّة يعرفونها، فبينما هم كذلك، إذ غشيتهم سحابة وظُلمَة، فأخذ بعضهم يميناً وشمالاً، فأخطأَ الطريق، وأقمنا حيث أدركنا ذلك».

إن الرجال حول الرسول، كانوا «أعظم ثُلَّة ظهرت فى دنيا العقيدة والإيمان»، كما وصفهم خالد محمد خالد، «أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ»، كما قال عنهم المولى عز وجل. وما عبقرية الرجال، إلا استلهاماً وتأكيداً على عبقرية القائد، «أيَّ معلم كان.. وأيَّ إنسان!».. محمد بن عبدالله، النبى الأمِّى الهادى البشير الذى التفَّت حوله القلوب وصلَّى الله عليه وسلم. لا نملك فى ذكرى مولده العطرة إلا أن ندعو الله أن يلِمَّ شمل أمته، لتستحق أن تُنسب له وتكون (أمة محمد).. اللهم ارزقنا منحةَ استغفارِهِ ووداده وشفاعتَه.

طباعة
كلمات دالة: محمد رسول الله
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg