| 24 مايو 2024 م

أراء و أفكار

مخطوطات السيرة النبوية والمدائح النبوية

  • | الجمعة, 24 نوفمبر, 2017
مخطوطات السيرة النبوية والمدائح النبوية

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، وسلام على النبى المصطفى، فهذه الحمدلة سيعرفها الكثيرون من المشتغلين بالتراث الإسلامى المخطوط ليست فقط لكونها دعاء أو صلاة وتسليماً على الحبيب، عليه أفضل الصلاة والسلام، بل أيضاً كونها علامة مميزة من علامات ما ورثناه من تراث مخطوط كتبه لنا الإمام جلال الدين السيوطى، حيث كان الإمام السيوطى، رحمه الله، يفتتح بها أغلب مؤلفاته واشتهر بها.

ونحن إذ نكتب الآن عن أهم المخطوطات التى تناولت سيرة المصطفى، صلى الله عليه وسلم، والموجودة بمجموعة المخطوطات الأصلية بمكتبة الإسكندرية، والتى آلت إليها بعدما أهدتها مكتبة بلدية الإسكندرية لها بمناسبة افتتاح المكتبة عام 2002م، وفى العموم لا تخلو أى مجموعة خطية إسلامية بمكتبات العالم من أحد العلوم المهمة بالتراث العربى وهو العلم الذى تناول سيرة النبى المختار، ويُطلق عليه علم السيرة النبوية، وهى اصطلاحاً ما نُقل إلينا من حياة المصطفى الأمين، صلى الله عليه وسلم، قبل البعثة وبعدها وما رافقها من أحداث ووقائع حتى وفاته، وتشتمل على ميلاده ونسبه وطفولته وشبابه وآل بيته وقبيلته ووقائع بعثته وأخلاقه وصفاته وطريقة تحياته ومعجزاته وجهاده وغزواته، وقد يراها علماء السُنّة أنها كل فعل أو قول أو صفة أو تقرير تنسب إليه عليه أفضل الصلاة والتسليم، ويراها علماء العقيدة وأصول الدين أنها طريق النبى وهديه، ويراها علماء التاريخ أنها أخباره ومغازيه، أما عن نطاقها الزمنى فهى الفترة التى عاش فيه النبى الكريم منذ عام الفيل وحتى وفاته فى الثانى عشر من شهر ربيع الأول من السنة الحادية عشرة للهجرة، وهى فى مجملها ثلاث وستون سنة ونطاقها الأوسع جغرافياً هو شبه جزيرة العرب.

ولمثل هذا العلم أهمية كبرى فى حياة المسلمين كافة والعلماء خاصة، فسيرة المصطفى، صلى الله عليه وسلم، تُعد من العوامل الأساسية فى فهم القرآن والسنة والعقيدة الإسلامية، كما أن لها أثراً كبيراً فى إرساء مكارم الأخلاق وآداب الحديث وسلوكيات الحياة وطرق التعامل بين المسلمين بعضهم البعض من ناحية والتعامل مع الآخر باختلاف معتقداتهم من جهة أخرى، فنجد بالسيرة النبوية المثل الأعلى الذى يُحتذى به من أقوال وأفعال والذى يؤسس لمجتمع سويّ كريم، فرسول الله، صلى الله عليه وسلم، هو قدوتنا وأسوتنا ومن الواجب علينا تدبر أفعاله وأقواله، صلى الله عليه وسلم، والاقتداء بها وأن ننشر سنته ومنهجه بين العالمين لبناء مجتمع أفضل، ناهيك عن أن قراءة السيرة النبوية وتدبرها يغرس فى النفوس حب المصطفى الذى هو من شروط الإيمان، فيقول المصطفى، عليه أفضل الصلاة والسلام، (لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُونَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَالِدِهِ وَوَلَدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ). وفى الحقيقة كانت هذه الكلمات مجرد نذر يسير وومضات خافتة عن علم السيرة النبوية فمجالها متسع اتساع أربعة عشرة قرناً من الزمان تناول خلالها العلماء السيرة النبوية بالفحص والتمحيص والتحقيق والنشر.

وتزدان مكتبة الإسكندرية بمجموعةٍ خطيةٍ أصلية نفيسة، كما تحدثنا من قبل، تحوى عيونَ كتب التراث العربى والإسلامى، ونحاول فى هذا المقال إلقاء الضوء على قسم من هذه النفائس، ولمحة من تلك العرائس، ألا وهى مخطوطات السِّيرة والشمائل النبوية، على صاحبها أفضل الصلاة والتحية.

وسوف أعرض بإيجاز لأهم ما ضمَّته مكتبةُ الإسكندرية من عيون هذا العلم، فنجد بين الأرفرف مخطوطة «عيونُ الأثر فى فنون المغازى والشَّمائل والسِّير»، للإمام ابن سيِّد الناس، المتوفى سنة 734 هجرية، وهو كتاب من أشهر كتب السِّيرة، حيث تضم مكتبة الإسكندرية نسخةً مهمةً منه، وقد طُبع مراتٍ عدة، ولكن تتميز هذه النسخة أنها كانت مِلكاً للإمام منصور البُهُوتى الحنبلى، المتوفى سنة 1051 هجرية، صاحب المؤلفات الشهيرة، وهذا يُضفى على النسخة نفاسةً. تقع هذه النسخة فى مجلد ضخم يضم 226 لوحة، بقياس 21.5×15سم، كما تقع تحت رقم (42/سيرة)، كُتبت بخط النسخ، والعناوين كُتبت بمدادٍ أحمر، عليها تعليقاتٍ وحواشٍ، وبآخرها فائدة بخط الإمام البُهُوتى المذكور، وقد نُسخت بالقرن العاشر تقديراً، وحالتها جيدة، وقد تمَّ ترميمُها وصيانتها مؤخرَا بمعمل ترميم المخطوطات بمكتبة الإسكندرية.

وتطالعنا مخطوطة أخرى وهى «الاكتفاء بما تضمنه من مغازى رسول الله ومغازى الثلاثة الخلفاء»، للإمام سليمان بن موسى الكَلاعى الأندلسى، المتوفى سنة 634 هجرية، حيث تُعدُّ هذه النسخة من المؤلفات التى اهتمت بجانبٍ مهم من التاريخ والسيرة وهو جانب المغازى والفتوحات، وهذه النسخة تُعد من نوادر مكتبة الإسكندرية، فيرجع تاريخ نسخها إلى سنة 986 هجرية، وتقع تحت رقم (1، 2/ سيرة)، وقد تمت مقابلة هذه النسخة على نسخٍ أخرى نفيسة، وهى تقع فى مجلدين بمقاس 29 × 21 سم، كُتبت بخط مغربى جميل ومشكول، كُتبت عناوينها بمدادٍ أحمر، بها فواصل مكتوبة بقلم غليظ، يقع المجلد الأول فى 124 لوحة، والثانى فى 180 لوحة، عليها تعليقات وتصويبات، بآخرها مقابلة، وبها آثار رطوبة وخروم.

أما عن «الشمائل النبوية والخصال المصطفوية»، للإمام الترمذى، المتوفى سنة 279 هجرية، فهذا السِّفر من أشهر كتب الشمائل التى انتشرت وذاع صيتها، وتحتفظ مكتبة الإسكندرية منه بنسخ عدة، ونعرض هنا لهذه النسخة البديعة التى تقع تحت رقم (34/سيرة)، وهى نسخة مزخرفة ومذهبة ومؤطرة، كُتبت بخط مغربى بديع، وكُتبت العناوين بمداد أحمر وأزرق، مشكولة، تقع فى 166 لوحة، وتمتاز هذه النسخة أنها مقابلة على عدة نسخٍ أخرى، وقد أثبت الناسخ فروق هذه النسخ جميعاً بهامش الكتاب، وتلك صورة من صور التحقيق المهم والتى تعطى قيمة وثقةً فى هذا النص المخطوط.

ومن أكثر النسخ الخطية وجوداً بالمجموعة هو كتاب «الشفا بتعريف حقوق المصطفى»، للإمام القاضى عياض، المتوفى سنة 544 هجرية، هذا الكتاب سارت به الركبان شرقاً وغرباً، ومن أجمل هذه النسخ النسخة رقم (11/سيرة) وهى نسخة بديعة، حالتها جيدة، تقع فى مجلد ضخم بقياس 29× 18.5سم، ضمن مجموع من (1أ: 207ب) كُتبت بخط النسخ الدقيق الجميل المشكول بالشكل التام، سنة 1119 هجرية، كتبها أحمد درويش حافظ وهو كاتب المحاسبة الشريفة بمصر بتلك الفترة، كما كُتبت عناوينها بخط الثلث بمداد أحمر، بأولها فهرسة، مذهبة ومزخرفة من أولها، مقابلة، وعليها تعليقات وحواش، كما أن غلافها قديم ومذهب ومزخرف.

وما دمنا فى ذكرى الحبيب حيث تتعطر أفواهنا بذكره فلا يفوتنى أن ألقى الضوء على مخطوطة خزائنية فى فن المدائح النبوية وهى «تخميس الكواكب الدُّرِّية فى مَدْحِ خير البرية» (تخميس البردة للبوصيرى)، وهى تأليف الإمام ابن حِجَّة الحموى، المتوفى سنة 837 هجرية، هذه النسخة من هذا التخميس الجليل، من أروع وأجمل ما تحتضنه مكتبة الإسكندرية من مخطوطات، تقع تحت رقم (2/أدب)، وقد كُتبت تقديراً فى القرن التاسع الهجرى، وكُتبت برسم السيدة عائشة بنت إسماعيل الخازن، وهى نسخة بديعة جداً، مذهبة ومزخرفة، كُتبت بخطيْ الثلث الجليِّ، والنسخ، مشكولة، بأولها تملكاتٍ عدة، أقدمها يرجع للعام 1051 هجرية، تقع فى 29 ورقة بمقاس 32×23سم، استعمل فى كتابتها المداد الأحمر والأزرق والذهبى والأسود. ونختتم مقالنا ببعض أبياتها:

مُحَمَّدٌ سَيِّدُ الكَوْنَيْنِ وَالثَّقَلَيْـ***ـنِ وِالفَرِيقَيْنِ مِنْ عُرْبٍ وَمِنْ عَجَمِ

نَبِيُّنَا الآمِرُ النَّاهِى فَلاَ أَحَدٌ *** أَبَرَّ فيِ قَوْلِ لاَ مِنْهُ وَلاَ نَعَمِ

هُوَ الحَبِيبُ الذِّى تُرْجَى شَفَاعَتُهُ *** لِكُلِّ هَوْلٍ مِنَ الأَهْوَالِ مُقْتَحِ

فرددوا معى وقولوا:  اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم إنّك حميد مجيد، وبارك على محمّد وعلى آل محمّد كما باركت على إبراهيم إنّك حميد مجيد.

د.محمد سليمان رئيس قطاع التواصل الثقافى .. مكتبة الإسكندرية

طباعة
كلمات دالة: محمد رسول الله
Rate this article:
2.0

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg