| 01 مايو 2024 م

أراء و أفكار

مدخلات صناعة الوعي المتطرف

  • | الجمعة, 8 ديسمبر, 2017
مدخلات صناعة الوعي المتطرف

تتنوع مدخلات الوعى الجمعى ما بين دينية وتعليمية وثقافية، ولا تجد نظاماً سياسياً يبحث عن البقاء والاستمرار إلا وقد أحكم سيطرته على تلكم المحاور ووضع لها محددات رئيسية تعمل بموجبها. والواقع أن تنظيم داعش الإرهابى أدرك هذه النقطة جيداً لأنه ربما كان الهدف الرئيسى من نشأة التنظيم هو التأسيس لقيام دولة.

ولقد وضع التنظيم عشية احتلال العراق منظومة تعليمية مستهدفاً الفئات العمرية من 8 إلى 15 عاماً باعتبارهم أشبال الخلافة، تكرس لمبادئ التنظيم تتخذ من العنف وسيلة لتأسيس ما يُسمى بـ«دولة الخلافة»، والقاعدة الأساسية التى يحرص التنظيم على ترسيخها فى أذهان الطلاب هى «استمرار التمدد فى أرض الله». على سبيل المثال يطرح التنظيم فى كتاب الرياضيات سؤالاً عن عدد عناصر التنظيم خلال اثنين وثلاثين يوماً إذا كان عدد الوافدين إلى ما سماه بـ«دولة الخلافة» يُقدر بمائتين وثلاثين وافداً يومياً؟ هذا إلى جانب وضع إشارات عن نوعية الأسلحة المتنوعة التى يستخدمها التنظيم خلال المواجهات المسلحة فى كل الكتب الدراسية. وفى المناهج الدينية يتم تصدير الكتب بصورة أبوبكر البغدادى مصحوبة بأناشيد التنظيم وعدد من الأبيات الشعرية التى قام البغدادى بتأليفها والتى يتعين على الطلبة حفظها وإنشادها مع بداية كل يوم دراسى، ثم يأتى الحديث بعد ذلك عن غزوات داعش والتعريف بنوعية السرايا القتالية ومواعيدِ الحروب وتراخيصِ القتال، وهنا يأمر داعش الطلبة بحفظ مراحل تشريع القتال وأسماء الغزوات، والتفريق بين ما يسميها الغزوة والسَرية أو الفصيل القتالى.

وعلى الصعيدين الثقافى والدينى عمد التنظيم إلى تأسيس مراكز ومدارس تشريع تُعنى بالتأول على النصوص الدينية بحثاً عن مسوغ أخلاقى يتيح لعناصر التنظيم قتل الأبرياء واغتصاب النساء، وتوضح كيفية معاملة العبيد، ومتى يجوز أن يسرق الابن أباه ليوفر تكاليف السفر للجهاد، إذ يكفى أن يفتى أحد «مشايخ» التنظيم بإباحة جرم معين حتى يصبح الفعل الإجرامى ممارسة مقدسة لما يسمونه جهاداً.

فى السياق ذاته أنشأ التنظيم عدداً من مؤسسات النشر المعنية بترويج مؤلفات «مشايخ» التنظيم باللغات المختلفة، وهذا يحيلنا إلى الإصدارت التى تخرج عن التنظيم وهى مجلتا رومية ودابق، وكلتاهما تتبنى الدعوة لإقامة مشروع الخلافة وتتميز بالمنحى الدّعوى، إذ عمد التنظيم من خلالها إلى دغدغة مشاعر المتلقى من خلال نشر عدد من قصص المقاتلين العاطفية. وإيماناً من التنظيم بأهمية الأعمال الفنية باعتبارها أحد مدخلات صناعة الوعى الجمعى فقد بادر إلى إنشاء مؤسسة الفرقان للإنتاج الإعلامى وهى تشرف على إنتاج مقاطع الفيديو، والملصقات، والنشرات، والبيانات الرسمية الصوتية والمكتوبة بلغات أجنبية مع ترجمة مكتوبة بالعربية. ثم ظهرت مؤسسات إعلامية مشابهة مثل: مؤسسة الاعتصام التى استحدثها التنظيم بعد دخوله سوريا ونشرت نحو مائة إصدار. ومؤسسة أجناد للإنتاج الإعلامى التى تختص بالإصدارات الصوتية ذات الجودة العالية مثل الأناشيد والتلاوات القرآنية. هذا بالإضافة إلى مؤسسة الفرقان التى أصدرت نحو مائتين مقطع فيديو مصور.

وتركز هذه الفيديوهات بشكل أساسى على الدعاية والاستقطاب من خلال الترويج لفكرة توسع دولة الخلافة والحديث عن الأنشطة الغذائية والرعاية الطبية فى الأراضى التى يسيطر عليها التنظيم. وقد تخطى تنظيم داعش الإعلامى التقليدى إلى الإعلامى الإلكترونى لا سيما فى ضوء تعاظم دور مواقع التواصل الاجتماعى. ويعتبر تنظيم داعش من أكثر التنظيمات الإرهابية اهتماماً بشبكة الإنترنت، فقد أدرك منذ فترة مبكرة من تأسيسه الأهمية الاستثنائية للوسائط الاتصالية فى إيصال رسالته السياسية ونشر أيديولوجيته السلفية الجهادية، فأصبح مفهوم «الجهاد الإلكترونى» أحد الأركان الرئيسية. ولم يعبأ التنظيم فى إطار جهوده لإعادة صياغة وتشكيل الوعى الإرهابى بالدور المهم للفنون والآداب فى تشكيل الوعى الثقافى لأى أمة، أو ربما هو عمد إلى تصوير ما يقوم به من عمليات وحشية واقعية كمشهد يبدو جزءاً من فيلم ضخم الإنتاج، بغرض إثارة التطهير على الطريقة الداعشية والذى يقوم على بث الخوف فى نفس المتلقى من مصير البطل، وبالتالى الانخراط فى صفوف التنظيم خوفاً من مصير مشابه. فى حين يقاطع التنظيم الفنون التى تقدم صوراً إنسانية للحياة اليومية التى تعيشها الشعوب، بل إنه وفى سبيل توسيع نطاق الهوة بين الشعوب وهويتها الثقافية عمد إلى تخريب الآثار ودور السينما والمسرح، وحارب الأعمال والنصوص الأدبية بدعوى أنها تنشر الفجور.

عموماً لا أحد ينكر نجاح التنظيم فى تشكيل الوعى الإرهابى (وإن اختلفت أدواته) ويكشف فى الوقت نفسه عن تراكم المعتقدات الفكرية والأدبية الداعشية وقدرتها على إنتاج هذا اللون من التطرف الوحشى، الذى دفع الكثير من الخبراء إلى إبداء مخاوفهم من عودة التنظيم الفكرية بعد هزيمته العسكرية وانحسار دولته فى سوريا والعراق تحديداً.

وحدة رصد اللغة الفارسية

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg