| 01 مايو 2024 م

أراء و أفكار

هل تنجح أسلحة العالم المتطورة في مواجهة ضربات الإرهاب؟

  • | الجمعة, 8 ديسمبر, 2017
هل تنجح أسلحة العالم المتطورة في مواجهة ضربات الإرهاب؟

من المؤكد أن تنظيم داعش الذى تعملق فى فترة وجيزة، لم يكن يوماً نتاج تطرف دينى فحسب، بل تقاطعت فى هذا التنظيم مصالح سياسية واقتصادية ليست لأفراد أو جماعات بل لدول بعينها، ولذلك حين تغوَّل التنظيم وكاد أن يخرج عن السيطرة، سارعت تلك الأطراف للقضاء عليه فى العراق، حيث المنبع الذى نبت منه هذا التنظيم، فنحروه فى موئله وأعادوه لجحره، ولكن هذا التنظيم بالأخص يملك من الإمكانيات ما يجعله يتلون بلون بيئته كالحرباء فيستطيع التحرك بحرية من مكان إلى آخر بل يغير من أسلوبه وتكتيكه على حسب ظروفه وأحواله، وها هو اليوم ينقل معركته ويغير أسلوبه، فأصبح يسير على درب تنظيم القاعدة ولكن مع فوارق جوهرية تتمثل فى إعلان الخلافة من قبل قائد التنظيم أبو بكر البغدادى، ووجوب انطواء جميع المسلمين تحت لوائها لإقامة الخلافة الواجبة من وجهة نظرهم.

 

كما أن تنظيم القاعدة هو الأخطر وهو الأقوى، فهو يجيد التخطيط جيداً فى حدود قدراته وإمكاناته ويعتمد على سياسة الحرب المُمتدة، بخلاف تنظيم داعش الذى يعتمد على التضخيم والتهويل من خلال سلاحه الإعلامى، وعلى الجانب العقدى توجد فوارق كبيرة جداً بين التنظيمين، ولعل أهمها موقف تنظيم القاعدة من قضية تكفير المخالف، حيث لا تكفر القاعدة جموع المسلمين ولا تحكم بالكفر على أحد إلا بشروط معينة عندهم، فالتكفير عندهم موجود ولكن بحجم أقل مما هو عند داعش الذى يكفر جموع العالم إلا من بايعه.

وكذلك يعتمد تنظيم القاعدة على عناصر نشأت وتربت على عقيدة التنظيم وفكره بخلاف تنظيم داعش، فإنه يخادع الشباب والمتحمسين للدين بشعارات برَّاقة تنفذ بسهولة إلى أفئدة هؤلاء البسطاء وعقولهم، وهنا مكمن الخطر وبيت القصيد، حيث إن السلاح الذى يستخدمه داعش أصبح الإنسان بذاته، فهو يحاول تجنيد أفراد جدد عن طريق الإنترنت فيبث فى عقولهم أفكاره الهدامة حتى يصيروا سلاحاً فى يد التنظيم يوجِّهه فى وجه من شاء، أضف إلى ذلك الجماعات الإسلامية المتشددة المنتشرة عبر أوروبا والغرب، فهؤلاء يمثلون الحاضنة التى يمكن أن يختمر فيها أفراد يتم استخدامهم كأسلحة فى يد التنظيم مثل منفذ هجوم مانهاتن الأخير فى أمريكا سيف الله سايبوف، كذلك عملية الدهس التى قام بها يونس أبويعقوب فى إسبانيا، والذى كان يبلغ من العمر اثنين وعشرين عاماً وقت تنفيذ عملية الدهس. وقد ذكرت وكالة رويترز أن هذا الشباب تأثر بأفكار إمام مسجد متطرف وكان مشاركاً للخلية التى خططت لتلك العملية وبدأ يظهر عليه تغيير فى سلوكه فأصبح لا يصافح أقاربه من النساء بعدما كان معتاداً على ارتياد النوادى الليلية وتعاطى الخمور، ولذلك صرح جده قبوش أبويعقوب لصحيفة «الديلى ميل» البريطانية، قائلاً: «لقد تم التغرير بحفيدى فى إسبانيا، حيث كان شخصاً طبيعياً أثناء وجوده فى المغرب»، وقال: «أعتذر عن أعمال حفيدى، الجرائم التى ارتكبها يونس تتعارض تماماً مع الثقافة والتقاليد المغربية»، واستطرد قائلاً: «الشىء الذى أنا متأكد منه أن حفيدنا لم يكن متطرفاً فى المغرب، بل تم غسيل دماغه هناك، أى تغيير حدث معه كان هناك، هم لا يعرفون القراءة». وهذا هو النموذج الأوضح عياناً على استغلال داعش للبيئة الحاضنة (الجماعات المتطرفة) واستغلال الشباب الخاوية عقولهم من أى حصانة فكرية أو دينية أو حتى اجتماعية، وخير دليل على هذه البيئة الحاضنة تلك المنطقة التى كان يعيش بها أفراد الخلية المذكورة، حيث إنها منطقة فقيرة مهمشة ومعزولة، حتى يونس وأخوه كانا لا يستطيعان القراءة أو الكتابة بالعربية، وكان هذا هو حال أغلب أعضاء الخلية الاثنى عشر باستثناء الإمام، الذى يعتبر العقل المدبر للعملية.

ومما يؤكد هذه الفرضية دراسة حديثة أجرتها الأمم المتحدة، وفقاً لصحيفة «الإندبندنت» البريطانية، فإن دراسة نشرت لمكتب مكافحة الإرهاب فى الأمم المتحدة، كشفت أن «معظم الشباب الذين يغادرون منازلهم للقتال من أجل الجماعات الإرهابية فى سوريا مهمشون اجتماعياً وسياسياً، ومستوى تعليمهم منخفض، ويفتقرون إلى أى فهم أساسى للمعنى الحقيقى للجهاد أو حتى للعقيدة الإسلامية».

أما بالنسبة للنموذج الثانى وهو التجنيد عن طريق الإنترنت، فإن الحادث الإرهابى النمساوى هو خير دليل على ذلك، فقد قام رجل بطعن زوجين مسنين، وتبين بعد ذلك أن هذا الرجل تم تجنيده عن طريق الإنترنت، فقد نشر موقع Tag24 خبراً بعنوان: «مقتل زوجين مسنين على يد مشتبه بصلته لداعش»، حيث أعلن وزير الداخلية النمساوى فوفلجانج زوبتكا، عن وجود صلة لمنفذ الحادث بتنظيم «داعش» الإرهابى، ولعل هذا يكون هو الهجوم الدموى الأول الذى له صلة واضحة ومباشرة بالدوافع الإسلامية المتطرفة فى النمسا، حيث إن المنفذ يُعدّ من المؤيدين والمتعاطفين مع التنظيم، وقد تبيّن من خلال البحث عبر المواقع الإلكترونية الخاصة بالمشتبه به انتماؤه للتنظيم، وهذان الصنفان إن أمكن مراقبتهم وتلاشى خطرهم فكيف يمكن الوقاية والحذر من أناس ليس لديهم أى ميل للتطرف أو الإرهاب ولا يوجد لهم أى علاقة تنظيمية بداعش، فما بين عشية وضحاها يمكن إقناع أى شخص سواء كان مسلماً أم غير مسلم، فكم من الدواعش المشاركين الآن فى القتال فى سوريا كانوا من غير المسلمين وسرعان ما اعتنقوا الإسلام، واعتنقوا مع الإسلام تلك الأفكار الدخيلة، فصار اعتناقهم للإسلام اعتناقاً لأفكار داعش ومعتقداتها، ومن هنا أصبح ذلك الغربى أو الأمريكى أو الآسيوى سلاحاً داعشياً يستمد وجهته من أوامر قادة التنظيم عبر الإنترنت أو عبر عناصر التنظيم الذين يحملون نفس الفكر ويعتنقون نفس العقيدة ويحيطون به، فمتى كانت استراتيجية التنظيم استقطاب أتباعه إلى أرض المعركة هبوا من كُلِّ حَدَبٍ وَصَوْبٍ تلبية لأمر دينهم -لا لأمر أميرهم- كما يظنون، ومتى كانت استراتيجية التنظيم تعتمد على الذئاب المنفردة وهى الاستراتيجية القائمة الآن، فإن التنظيم يعتمد على توجيه أتباعه الذين لا تربطهم صلة تنظيمية بالتنظيم بعمل عمليات فردية أو جماعية يكون الأساس فيها الإنسان من غير سلاح أو بسلاح بسيط جداً متوافر، ويحقق الغرض من تلك العمليات وهو النكاية والتشتيت ونشر الرعب والفزع فى تلك البلدان كوسيلة للضغط على الحكومات للتراجع عن المشاركة فى التحالف ضد التنظيم.

وفى الحقيقة، إن الاستعدادات التى تتخذها الدول الغربية للوقاية من ضربات داعش المتتالية لن تُفلح أبداً، ولو كانت تلك الاستعدادات باستخدام أكثر الوسائل والأسلحة تقدماً، ما دام تنظيم داعش قادرا على تجنيد المزيد والجديد من أفراد لم تكن لهم سابق صلة تنظيمية أو فكرية بهذا التنظيم من هنا أو هناك، فالخطر للأسف أصبح الإنسان الذى استطاع التنظيم أن يحوله إلى سلاح يصوبه تجاه من شاء وقتما شاء، والحل يكمن فى تحصين العقول بالفكر والاعتماد على المواجهة الفكرية، والعمل على التخلص من تلك البيئة الحاضنة التى يعتمد عليها التنظيم فى الإيقاع بضحاياه وجعلهم فريسة سهلة للتطرف والإرهاب.

وحدة الرصد باللغة العربية

 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg