| 02 مايو 2024 م

أراء و أفكار

نظرة تحليلية لأكثر الفئات انضماماً لداعش

  • | الجمعة, 8 ديسمبر, 2017
نظرة تحليلية لأكثر الفئات انضماماً لداعش

فى أواخر عام 2013 كان العالم على موعد مع ظهور تنظيم وحشى أُضيف لقائمة التنظيمات الإرهابية الأكثر فتكاً ودموية... «داعش»، ذلك التنظيم الذى ظهر بين ليلة وضحاها من العدم لينشر دمويته فى كل بقاع الأرض، منفذاً أجندة تخريبية هدفها الأول والأساسى «تشويه الدين الإسلامى» وتفكيك بلدانه لدويلات صغيرة متناحرة ومتقاتلة.

ورغم بدء انحسار هذا التنظيم بعد فقده للكثير من مناطق سيطرته، وانحسار أعماله الإجرامية الوحشية فى البلدان التى تمكن من النفاذ إليها، إلا أننا لا يمكن أن نمر مرور الكرام على الفئات التى انضمت له طواعية وشكلت قوامه الأساسى فى العراق والشام، وحتى على مستوى ذئابه المنفردة المنتشرة عبر العالم. ولعل السؤال الأبرز الذى يُطرح فى أذهان العامة بشكل دائم: «لماذا ينجح الدواعش فى التأثير على البعض ومن ثم استقطابهم لصفوفهم، ولا ينجح مع غيرهم؟». يمكن الوصول لإجابة منطقية لهذا السؤال، إذا قمنا باستعراض الفئات والشرائح المنتمية لداعش يمكن تقسيمها لثلاث فئات أساسية:

فئة المضطربون نفسياً:

يمكن القول بأن فئة «المضطربون نفسياً» أحد أبرز وأهم الفئات التى تنضم لداعش، تلك الفئة التى تعانى فى الأساس من مشاكل نفسية وخلل فى سلوكياتها الإنسانية، وليس المقصود بـ«المضطربين نفسياً» هنا الأشخاص المصابون بأمراض نفسية وعصبية، بل المقصود هؤلاء المتطرفين سلوكياً وفكرياً، ممن يتبنون ثقافة العنف والتشدد والغلظة مع الآخرين ومع المجتمع والوسط المحيط بهم، هؤلاء يجدون فى الخطاب الداعشى المتطرف، وفى الممارسات الداعشية الدموية ما يروى ظمأهم للعنف والقتل والسلب والنهب، وهو ما يحرك لديهم الرغبة فى ممارسة سلوكياتهم الشاذة العنيفة بشكل مقنن، ومغلف بستار دينى. ويكون لسان حال أغلب المنتمين لتلك الفئة: «إذا كنت سأتمكن من ممارسة العنف ضد كل من يخالفنى الرأى أو التوجه، وسأتمكن من التنكيل بالآخرين، فلماذا لا أنضم لداعش؟».

فئة محدودى الثقافة الدينية:

هذه الفئة لا يستهان بها فى قوام التنظيم الداعشى، فهم من أكثر الفئات انضماماً للتنظيم ونشاطاً به. الفئة التى يعانى أغلب من ينتمى لها من قلة الثقافة الدينية رغم جودة التعليم الذى تلقته، وبالتالى فإن الخطاب الداعشى المبهر بدعايته المكثفة، وطريقة داعش فى عرض النصوص وتحليلها تداعب المشاعر الدينية لديهم، فيعتقدون - مع قلة ثقافتهم الدينية - أن ما تقدمه داعش هو صحيح الدين، وبالتالى يكون لدى هؤلاء حلان لا ثالث لهما: إما الدعم المعنوى للتنظيم، وإعلان قناعتهم الكاملة بكل ما تقدم عليه يد داعش، بل وتبريره للآخرين ممن يوجدون فى وسطهم المحيط. أو أخذهم القرار بالانضمام الفعلى لداعش نصرةً للدين ومساندة للمجاهدين - من وجهة نظرهم- وهذه الفئة وبسبب قلة وعيهم وثقافتهم الدينية لا يستطيعون التأكد من المعلومات الدينية التى تقدمها داعش، أو التحقق من صحتها، لأنهم ببساطة غير محصنين دينياً بالقدر الذى يسمح لهم فهم ما تفعله داعش من استئصال النصوص واجتزائها وتوظيفها لخدمة أجندتهم الهدامة. ولعل خطورة هذه الفئة تكمن فى الشريحة التى اختارت تأييد داعش معنوياً دون الانضمام لصفوفه، فهم بمثابة القنابل المؤقتة التى تعمل- عن قصد ودون قصد- على تمهيد الطريق لدى غيرهم فى تقبل الفكر الداعشى على أساس أنه الفكر المترجم والمعبر عن صحيح الدين. أما بالنسبة للفئة التى انضمت فعلياً فخطورتهم ربما ستظهر على المدى المتوسط والبعيد، عندما يعودون إلى بلدانهم الأصلية بعد أن مارسوا العنف بشكل عملى.

ولا يمكن نسيان أن تلك الفئة تضم أيضاً بين صفوفها من شربوا الفكر المتطرف فى بلدانهم الأصلية، وتشكلوا عليه منذ صغرهم، وتشكل بناء عليه وجدانهم الدينى والإنسانى.

فئة من يمكن اللعب على وتر عاطفتهم الإنسانية:

هذه الفئة يتم اللعب على وتر عاطفتها الإنسانية، بالإضافة للعاطفة الدينية، وكثير من المنتمين لها من بلدان شبه القارة الهندية ودول جوارها التى تعج بالعديد من الجماعات الإرهابية على شاكلة داعش، وتوجد بها أيضاً صراعات سياسية ومذهبية تستغلها داعش وأخواتها من أجل تأجيج الصراع وحرق الأرض لسهولة النفاذ لتلك البقعة من العالم وتثبيت أقدامهم بها. ونظراً لظروف تلك المنطقة المناخية والجغرافية، ونظراً للطبيعة القبلية لسكانها، تلجأ داعش للعب عليهم عاطفياً وإنسانياً من أجل نصرة ومساندة أشقائهم فى الدين ممن يُقتلون على أيدى الكفار والمشركين - حسب وصف داعش - فى كشمير وغيرها من مناطق الصراع.

ويعتقد كثير منا أن الفئة الأكثر انضماماً لداعش هى فئة من يعانون من الناحية المادية والمتضررين بشكل كبير من الأزمات الاقتصادية، ولكن الحقيقة أن هذه الفئة رغم وجودها ضمن القوام المكون لداعش، ولكنها لا تشكل غالبيته. ويمكن القول بأن جزءا لا يستهان به من تلك الشريحة ينتمى فى المقام الأول إلى الفئات التى تمارس أعمال النصب والبلطجة - إن صح التعبير - على السكان والأهالى الموجودين بالمناطق الريفية فى عدد من البلاد التى أصيبت بالمرض الداعشى.

يقول أحد الأشخاص، إن «الخارجين عن القانون» فى بلاده ممن كانوا يجمعون الجباية ويعترضون الطرق ويسلبون ويسرقون العامة، قد أطلقوا لحاهم، وبدأوا فى تطبيق شرع الله - حسب زعمهم - ومعاقبة المواطنين وإقامة الحدود فى أعقاب دخول داعش لبلادهم ومناطقهم الريفية. قُطاَّع طرق الأمس وسالبوا وناهبوا العامة، أصبحوا بين ليلة وضحاها جنود الله التى تطبق شرعه من أجل إعلاء رايته. هؤلاء وجدوا فى الانضمام لداعش خير وسيلة لممارسة بلطجتهم تحت غطاء قانونى وشرعى، وتقاضى مئات الآلاف من الدولارات دون جهد أو تعب، لدرجة أن أصبح لسان حالهم: «إذا كنت سأمارس وظيفتى بشكل شرعى، وسأفعل ما شئت تحت غطاء دينى، وفوق كل هذا سأتقاضى المئات من الدولارات، فلما لا أنضم لداعش؟».

على جانب آخر، نلاحظ أن شريحة كبيرة من المنضمين لهذا التنظيم على قدر كافٍ ووافٍ من التعليم، حيث تلقى أغلبهم تعليماً عالياً أو على الأقل تعليماً جيداً، فنجد بينهم الأطباء والمهندسون بشكل خاص، والمعلمون والصيادلة والرياضيون وغيرهم من أصحاب الدراسات والمهن المرموقة فى مجتمعاتهم. تحاول داعش بشتى الطرق استقطاب هذه الفئة من المتعلمين لما سيكون لها من دور كبير فى خدمة أهدافها، خاصة من دارسى الهندسة والدراسات التكنولوجية والإعلامية.

أما السؤال الذى يطرح نفسه الآن، كيف نعالج هذا الأمر، وكيف يمكننا أن ننقذ ما يمكن إنقاذه؟ خاصة بعد تقهقر هذا التنظيم، وبدء عودة بعض المنتمين له لبلدانهم الأصلية.

إن الإجابة تكمن فى إدراك الجميع أن محاربة داعش وأخواتها وما سينتج عنهم من تنظيمات أخرى مسئولية الجميع، وعلى كافة مؤسسات وهيئات المجتمع أن تتكاتف مع بعضها البعض من أجل النجاح فى هذه المهمة، واستئصال ذلك المرض الذى بات ينهش فى جسد الأوطان، ولكى يحدث ذلك، وإلى جانب الحلول الأمنية، نحن فى حاجة لتبنى علماء النفس والاجتماع والسلوك الملف الخاص بالشريحة الأولى، بحيث يتم تسليط الضوء على تلك الشخصية وتحليلها، ثم الخروج بدراسات إرشادية لكيفية التعامل معها، وكيفية الحد من خطورتها على المجتمع والسلم والأمن القومى، ومن وجودها بين أفراده وشرائحه المختلفة. كما نحتاج أن يتبنى علماء الدين الملف الخاص بالشريحتين الثانية والثالثة لتحصينهم دينياً وإنسانياً من أى ضعف وخلل فى ثقافتهم الدينية. ودور سريع من قبل مؤسسة التعليم والتعليم العالى بحيث يتم تقديم مناهج تعليمية دينية تشرح لهم دينهم الصحيح، وتساعدهم فى فهم وتحليل وفرز أى خطاب دينى قادم لهم من الخارج أو من الداخل وذلك بالتعاون مع المؤسسات الدينية. كذلك نحتاج لتحرك عاجل من قبل وزارات بعينها كوزارة الثقافة ووزارة الشباب والرياضة عن طريق تنظيم ندوات وفعاليات وأنشطة ثقافية ورياضية تزيد من وعيهم وتستغل قدراتهم الذهنية والبدنية فيما هو مفيد، وبالتالى سنتمكن من استثمار وقتهم ومجهودهم فيما هو نافع.

نحن بحاجة أيضاً لدور مؤثر من قبل صناع الفن الراقى من أجل زيادة الوعى لدى الجماهير - الشباب منهم على وجه التحديد - ممن يسهل استقطابهم واللعب على نقاط ضعفهم. وكل هؤلاء لن تكلل جهودهم بالنجاح إذا لم يكن هناك إعلام واعٍ يسلط الضوء على المرض، وعلى المجهودات المبذولة على كافة الأصعدة لعلاج المرض وأعراضه وتبعاته.          

وحدة رصد اللغة الأردية

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg