تشير التطورات التى تشهدها المنطقة حالياً إلى تزايد أهمية منطقة المتوسط في السياسات الأمنية للقوى الرئيسية فى المنطقة، على نحو سيعيد ترتيب موازين القوى فى هذه المنطقة خلال العام 2018.

وسأرصد هنا تطورين رئيسيين، التطور الأول خاص بتحركات تركيا تجاه قبرص فيما يتعلق بالحدود البحرية، وهى تحركات مدفوعة من ناحية برغبة تركيا فى تأمين مصادر الطاقة لها على نحو يعزز خطط تأمين الطاقة التى تتبناها منذ فترة، ومن ناحية ثانية برغبتها فى تعزيز وجودها فى منطقة المتوسط، فى ظل تزايد اتجاه مصر لطرح نفسها كشريك مهم لكل المهتمين بهذه المنطقة، من خلال سعيها لتوطيد علاقاتها مع قبرص واليونان وتوثيق التعاون مع الاتحاد الأوروبى فى مجال مكافحة الهجرة غير المشروعة، فضلاً عن اهتمامها برفع مستوى التشاور والتنسيق بينها وحلف الناتو.

وينصرف التطور الثانى إلى عملية سيناء 2018 التى أعلنت عنها مصر منذ أيام، ورغم ارتباط هذه العملية بصورة رئيسية بجهود مكافحة الإرهاب داخل مصر، إلا أنها تبعث برسائل محددة للقوى الفاعلة فى المتوسط.

أولى هذه الرسائل هو قدرة مصر رغم تعقيدات المرحلة التى تمر بها على تأمين إقليمها البرى والبحرى والجوى وعدم تساهلها مع أى محاولات للتعدى على سيادتها على إقليمها، لاسيما فى ظل موجة تحرك الإرهابيين العائدين من مناطق الصراع واتجاههم للتمركز فى شمال أفريقيا وفى منطقة الساحل والصحراء. ويقدر عدد الإرهابيين الذين خرجوا من سوريا والعراق وليبيا بنحو 5400 إرهابى بدأوا يتحركون فعليا فى المنطقة.

ويتعلق ثانى هذه الرسائل باستعداد القوات البحرية المصرية بعد أن تم رفع مستوى تسليحها فى ضوء الصفقات المتعددة التى أبرمت خلال السنوات الأربع الماضية لتأمين الحدود البحرية المطلة على المتوسط بصورة رئيسية، والتصدى لأى محاولات من قبل العناصر الإرهابية أو الدول الداعمة للإرهاب لتنفيذ عمليات إرهابية فى المتوسط.

ويتطلب تحديد شكل الترتيبات الجديدة فى المتوسط مزيدا من المتابعة والتحليل لهذين التطورين، وكذلك سياسات كل من تركيا ومصر تجاه ما يتم ترتيبه من تسويات للأوضاع فى ليبيا، وكذلك فى سوريا، والتى سيكون لها تأثيرها غير المباشر تجاه شكل المتوسط، خلال الفترة المقبلة.