| 25 أبريل 2024 م

أراء و أفكار

رئيس التحرير.. يكتب: 8 أعوام تعزز ألف عام

  • | الخميس, 15 مارس, 2018
رئيس التحرير.. يكتب: 8 أعوام تعزز ألف عام

قبل أكثر من ألف عام بنحو خمسة عقود أخرى، غـُرست نبتة الأزهر فى قلب القاهرة الوليدة، وقـُدر لهذا البنيان من اللحظة الأولى أن يكون دار علم وعبادة معاً، وأن يضطلع بدور كبير جداً فى إعادة تشكيل وعى المصريين ومن ثم المسلمين كلهم بالإسلام، وأن يكون جامعة استثنائية فى كل المنطقة.

وبينما أُريد للأزهر من البدء أن يدعم مذهباً بعينه وينشره، وجد القائمون عليه ومن لحظة مبكرة جداً فى تاريخه أن ما يحتاجه المسلمون فى لحظة مزقتهم فيها الفـُرقة، كياناً علمياً يعترف بالتنوع ويصونه، ويسعى فى التقريب بين أصحاب القبلة، ويختار لنفسه طريقاً وسطاً بين التشدد والتفريط، وبين الأحادية والتنوع، وفى تلك المسيرة كان الأزهر حاضراً فى التاريخ، فاعلاً ومحركاً وشاهداً على التحولات والانتفاضات والثورات، ومرتكزاً للأحلام الوطنية.

وإذا كانت المحطات التاريخية فى مسيرة الأزهر كثيرة، وكل منها يراكم فى بنيانه مزيداً من الصلابة والصمود أمام التحديات، والتمسك بجذور المنهج، والتكيف مع مقتضيات العصر، وقيادة أبنائه لمسيرة التنوير منذ بدأ تحديث هذا الوطن، تبقى السنوات الثمانى الأخيرة جزءا مهماً من هذه المحطات، ليس لأنها سنوات ارتبطت باسم الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب الذى تولى موقعه الرفيع فى مثل هذا الشهر من العام 2010، وإنما لأن تاريخاً جديداً لمصر والمنطقة قبل الأزهر وشيخه، قـُدر له أن يبدأ مواكباً لوجود الشيخ الطيب فى مهمته وموقعه ومكانه ومكانته.

جاء الطيب للمشيخة كإمام يُشبه الأزهر، فى وجدانه خلاصة الألف عام، فبدا وسطياً وداعماً للتنوع والتعايش كمنهجه، وصلباً كبنيانه، ومستقلاً كعشرات غيره من الأئمة الذين كان العامة يستغيثون بهم وقت المظالم، وغير متصادم مع أحد كغيره من حكماء هذا الكيان الذين وضعوا المقاصد دائماً أمام أعينهم، فوجهوا الجهد لما ينفع الناس ويمكث فى الأرض، وقوياً فى الحق غير متهيب لأبعاد سياسية فى تصديه لقضايا الأمة التاريخية، وإطلاقه النفير بعد النفير لنصرة المظلومين والضعفاء كدأب منبر هذا الأزهر العريق على إطلاق صرخات استنفار الهمم واستعادة الوعى.

من قلب لحظة اضطراب وسيولة واضحة وجد الطيب نفسه فى قلب نار تستهدف فيما تستهدف الأزهر واستقلاله ووجوده ودوره قبل أن تستهدف شخصه، وتحاول خطف بلد الأزهر باسم الدين بعد ألف عام من وجود الأزهر وألف وأربعمائة عام من دخول الدين، وكأن الإسلام مكتشف حديثاً، ونقل المكانة من الدراسة حيث الجامع والمشيخة إلى المقطم ومن الإمام إلى المرشد.

من قلب لحظة كتلك تهددت هوية وطن استقرت ونمت والأزهر جزء منها، لبى الإمام نداء، لباه من قبله الخراشى، وهذه المرة من مجتمعه ونخبه ومثقفيه، فكان الصخرة الأهم التى تحطمت عليها أوهام الدولة الدينية، فيما مضى يعزز بوثائق ومؤتمرات ومناهج ومقالات وفعاليات نموذج دولة المواطنة المدنية، ويفتح الباب لاستعادة فهم الإسلام الصحيح لقضايا المرأة والآخر والدولة والحكم والجهاد، ويفتح الأبواب على مصاريعها للحوار البناء والانفتاح على الجميع معززاً ثقافة التعايش ومكافحة التطرف والإرهاب، ما جعل العالم يتشبث به وبمنهجه، فتجد الاحتفاء بأثره واضحاً غير مستح فى حواضر أوروبا وآسيا وأفريقيا.

حين نحتفى بـ 8 سنوات مضت، وبدخول للسنة التاسعة، نحتفل بالأثر وبالجهد قبل صاحبهما، ونحاول أن نبنى على 8 سنوات عززت ألفاً، لتكون التاسعة إضافة فى اتجاه أزهر أقوى وأحدث ليس فقط بتجديد مبناه، وإنما باستكمال مسيرة تجديد مناهجه ودوره وتعزيز استقلاله.

أزهر لمصر والعالم، يشبه تاريخه ويشبه شيخه الفقيه العالم الباحث الفيلسوف السنى الأشعرى الصوفى المصرى العربى المسلم المثقف المجدد المنفتح المتكلم المسالم عن قوة والقوى فى الحق، الداعى إلى الله العادل كون العدل أسمى مقاصده - عز وجل- والتنوع أساس مشيئته.

 

طباعة
كلمات دالة: شهر الإمام الطيب
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg