| 04 مايو 2024 م

أراء و أفكار

سليمان جودة.. يكتب: حفاوة في انتظار الإمام

  • | الخميس, 10 مايو, 2018
سليمان جودة.. يكتب: حفاوة في انتظار الإمام
سليمان جودة

الحفاوة التى كانت فى استقبال الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، خلال جولته الآسيوية التى بدأت من إندونيسيا، تدل على أن موقع الأزهر فى العالم الإسلامى كله، ليس موقعاً من فراغ، وإنما هو موقع تراكم بناؤه على مدى أكثر من ألف عام! 

وقد أعجبنى أن يتوقف الدكتور الطيب فى كلمته التى ألقاها فى العاصمة الإندونيسة، عند مفهوم الوسطية، وأن يظل يؤكد عليه، ثم يتعمق فى معانيه! 

وأعجبنى أكثر أن يفرق بين مفهوم الوسطية فى دين الإسلام، وبين الوسطية التى تكلم عنه أرسطو فى الفلسفة اليونانية واشتهر بها! 

لقد درسنا لأرسطو فى فلسفة اليونان، أن كل فضيلة هى فى منطقة وسط بين رذيلتين.. فالشجاعة، مثلاً، تقع فى منطقة وسط بين الجبن وبين التهور.. والكرم يقع هو الآخر فى منطقة وسط بين البخل من ناحية، وبين الإسراف من ناحية أخرى! 

وهكذا.. وهكذا.. إلى آخر الفضائل وموقع كل فضيلة منها بين رذيلتين! 

ولكن الإمام الأكبر يضع النقاط على حروفها عند المقارنة بين وسطية الإسلام، وبين وسطية أرسطو، فيقول فى كلمته التى ألقاها بحضور رئيس إندونيسيا: هذا المقياس.. مقياس أرسطو.. الذى يشبه مقاييس الحساب والهندسة، لا ينطبق على كثير من نماذج الفضائل الإسلامية، التى لا يمثل الوسط فيها ذروة القيمة الأخلاقية، فالكرم فى ميزان وسطية الإسلام، لا يقال فيه إنه فضيلة، لأنه وسط بين رذيلتين، وأنه إذا بعد عن الوسط انقلب إلى رذيلة السَرف، أو رذيلة البخل، وإنما الأمر على العكس من ذلك. 

كيف؟!.. يقول الدكتور الطيب: إذ الزيادة فى الكرم، مهما عظمت وبعدت عن الوسط، فهى كرم كبير مطلوب من القادر عليه، ومهما زاد الكرم، يظل فضيلة مشكورة لا توصف بالسرف ولا بالتبذير. 

لماذا؟!.. يجيب فضيلة الإمام: وسبب هذا الاختلاف هو اختلاف المعيار بين الوسطية الإسلامية، وبين الوسطية اليونانية، منطلقاً وغاية، فبينما تُوجه الفلسفة اليونانية وجهها تلقاء المال المبذول ومصلحة مَنْ يبذله، تنظر الفلسفة الإسلامية إلى الباعث الموجب ومصلحة المبذول له، حتى ولو تعارضت مع مصلحة الباذل! 

هذه هى وسطية الإسلام، وتلك هى وسطية اليونان! 

ولذلك، فإن علينا نحن كمسلمين، أن ننقل حديثنا عن وسطيتنا من مجال البحث والنظر، إلى ميدان العمل والواقع، وأن يتخلص حديثنا عنها من الطابع العاطفى الذى قد يميزه، إلى الطابع العملى الذى يسعى إلى إعادة استكشافها باعتبارها حقيقة قرآنية أراد لها الله تعالى، أن تكون إطاراً حاكماً لمضامين ديننا الحنيف، على مستوى العقيدة، ومستوى الشريعة، ومستوى الأخلاق! 

طباعة
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg