| 10 مايو 2024 م

أراء و أفكار

الدكتور سعيد عامر .. آداب العيد فى الإسلام

  • | السبت, 30 يونيو, 2018
الدكتور سعيد عامر .. آداب العيد فى الإسلام

العيد: مشتق من العود، وهو الرجوع والمعاودة وللمسلمين عيدان يوم الفطر والذى يأتى عقب شهر رمضان، ويوم الأضحى والذى يأتى عقب أعمال مناسك الحج، والأعياد شعارات توجد لدى الأمم كلها، لأن إقامة الأعياد ترتبط بفطرة طبع الناس عليها، فكل الناس يحبون أن تكون لهم مناسبات فرح يظهرون فيها السرور، ويلتئم فيها الشمل.

 والأعياد منها ما يرتبط بأمور دنيوية، مثل قيام دولة أو تنصيب حاكم... الخ، ففى سنن أبى داود والنسائى عن سيدنا أنس رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وجدهم يحتفلون بعيدين: فقال صلى الله عليه وسلم: «كان لكم يومان تلعبون فيهما، وقد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يوم الفطر ويوم الأضحى»، وهذان العيدان هما من شعائر الإسلام التى ينبغى إحياؤها وإدراك مقاصدها واستشعار معانيها.

 ويسن للمسلمين أن يتحلوا بعدد من الأمور فى عيد الفطر ولعل منها، إحياء ليلتى العيد بطاعة الله من ذكر وصلاة وتلاوة وتكبير وتسبيح واستغفار لمن كان يقوم فى سائر الليالى وهذه عادته. بضعف الحديث الوارد بالتخصيص، ويحرم صوم يومى العيد، لأنهما أيام أكل وشرب وذكر لله تعالى، كما يسن التكبير فى العيدين، قال تعالى «وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ»، والمراد بإكمال العدة إكمال صوم رمضان. ويبدأ التكبير بعد غروب شمس آخر يوم من رمضان وينتهى بإحرام الإمام لصلاة العيد «عيد الفطر»، وفى عيد الأضحى من فجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق.

 ويسن للمسلم الاغتسال للعيد لحديث «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل يوم الفطر والأضحى»، ويستحب أن يتزين ويتنظف ويلبس أحسن ما يجد ويتطيب، وأن يأكل تمرات أو يأكل شيئاً قبل الخروج لصلاة عيد الفطر لما رواه البخارى عن سيدنا أنس أن النبى صلى الله عليه سلم كان لا يغدو يوم الفطر حتى يأكل تمرات، وهذا مبالغة فى النهى عن الصوم في ذلك اليوم. وأما فى عيد الأضحى فإن المستحب هو أن لا يأكل إلا بعد الصلاة من أضحيته أو غيرها، كما يسن الخروج لصلاة العيد، للرجال والنساء لقول السيدة أم عطية رضى الله عنها: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرجهن فى الفطر والأضحى: العواتق (الأنثى أول ما تبلغ ولم تتزوج بعد) والحُيض وذوات الخدور (الخدور: البيوت) فأما الحُيض فيعتزلن الصلاة ويشهدن الخير، ودعوة المسلمين». فإذا أمر الحيض والعواتق وذوات الخدور، فمن الأولى أن يؤمر الرجال والنساء شيباً وشباباً بالخروج، ويستحب البقاء لاستماع الخطبة.

 ومن سنن العيد أيضاً الصلاة قبل الخطبة، لأن النبى صلى الله عليه وسلم صلى قبل الخطبة، ولا سنة لها قبلية ولا بعدية. ويكبر فى الصلاة سبعاً فى الركعة الأولى بين تكبيرة الإحرام وبدء القراءة، وخمساً فى الركعة الثانية بين تكبيرة القيام وبدء القراءة أيضاً، وهذا مذهب السادة الشافعية، ويستحب الخروج إلى المصلى من طريق والعودة من طريق آخر، والتهنئة التى يتبادلها الناس فيما بينهم، أياً كان لفظها، فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى مشروعيتها، وقد ورد ما يدل عليها.

 وكانت التهنئة معروفة عند الصحابة فى المناسبات، تهنئة بعضهم بعضاً عند حصول ما يسُر، مثل أن يتوب الله على امرئ فيقومون بتهنئته بذلك، وكذلك يهنئ الناس بعضهم بعضاً بالعيد، وهذا من مكارم الأخلاق ومحاسن المظاهر الاجتماعية بين المسلمين، كما يسن التزاور بين الناس، فالعيد مناسبة لتحقيق الانتماء الاجتماعى والتواصل والتزاور، والتسامح والتصافى بين الناس، حتى يقضى على المشاجرات بين الناس، أو المشكلات بين الزوجين، لأن المشاجرات والمشكلات تكدر صفاء العيد، فالعيد فرصة للتزاور والتواصل بين الناس.

كما يستحب للمسلم الفرح واللعب واللهو المباح، لأن الفرح طبع إنسانى وغريزة بشرية، وهو دافع للمحبة والعمل والإنتاج والاستمتاع بالحياة والشكر للبارئ المنعم جلّ وتعالى، وكلما كان فرح الإنسان مربوطاً بحدود الله الشرعية كان أدعى إلى دوامه واستمراره، إن الفرح بذاته فطرة، ولذا فرحت أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها، فى العيد وقامت تنظر إلى الحبشة وهم يلعبون فى المسجد والنبى صلى الله عليه وسلم يتكئ لها لتنظر من ورائه.

 ولما دخل سيدنا أبوبكر رضى الله عنه، عند رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت أم المؤمنين السيدة عائشة رضى الله عنها: دخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعندى جاريتان تغنيان بغناء بعاث، فاضطجع على الفراش وحول وجهه، ودخل أبوبكر فانتهرنى وقال: مزمارة الشيطان عند النبى صلى الله عليه وسلم؟، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «دعهما» وفى رواية «يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدنا».

 وكانوا يفرحون فى الجاهلية بالأعياد، فجاء الإسلام لا ليلغى هذا الفرح ويقول «إنه مذموم» وإنما أبدلهم بأعياد النيروز والمهرجانات وغيرها أعياد الإسلام، وشرع لهم من اللعب والمتعة المباحة ما يحقق مقصود الفرحة، والنبى صلى الله عليه وسلم يربى أصحابه ويعلمهم على الفرح بالعيد والاستبشار به.

فالعيد فرصة لنتبادل مشاعر الفرح والسرور والمعانى الجميلة، والأمة الآن فى أمَس الحاجة لهذا الفرح المحمود، خاصة وهى تعانى الآلام والمحن، وفى السنن أن النبى صلى الله عليه وسلم سابق السيدة عائشة وهم فى غزوة فسبقته مرة وسبقها أخرى، وهذا مع أنه يمكن انتزاع الفرح من براثن الظروف الصعبة والابتهاج بفضل الله ورحمته «قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ» {يونس/58}، دعوة إلى الفرح بالفضل والرحمة، وهو يعنى الخير والمال.

 ففضله سبحانه ورزقه وعطاؤه، فليفرح المؤمن بالعطاء الحلال المبارك ولو كان قليلا، وقرن الفرح بالرحمة، وهى العلم والدين والقرآن والصلاح، فإذا هما اجتمعا لنفس حرة بلغت من العلياء كل مكان، فإذا تحقق للعبدمعهما الفرح والسرور كان ذلك تمام السعادة والعيش الهنىء الرغيد فى الدنيا دون تكدير «ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ»، وصدق القائل:

الدين سلوى النفس فى آلامها * وطبيبها من أدمع وجراح

لأن الفرح يمنح الإنسان الأمل بالله سبحانه والأمل بالدار الآخرة.

 وعليه يكون العيد مناسبة لاجترار الآلام والأحزان، لنعط إجازة للحزن والكآبة والهم والغم، ولنستشعر الفرحة بنهاية الصوم، وبإكمال العدة، وتكبير الله على ما هدانا.

طباعة
الأبواب: مقالات أخرى
كلمات دالة:
Rate this article:
لا يوجد تقييم

رجاء الدخول أو التسجيل لإضافة تعليق.








حقوق الملكية 2024 جريدة صوت الأزهر - الأزهر الشريف
تصميم وإدارة: بوابة الأزهر الإلكترونية | Azhar.eg